لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مساهمات شبابية

عهد التميمي وإشكالية رمزية المناضلة

بعد نكبة فلسطين عام ١٩٤٨، كان هنالك حركة ثقافية و فنيّة أدبية متواضعة و مرموقة في آن واحد في الداخل، كان أولئك المبدعون يحفرون كلمات قصائدهم في الحجر، كانوا يحاولون أن يقولوا للعالم أن ثمة عرب و فلسطينيين موجودون، كانوا يجاهدون أنفسهم ليثبتوا فعل الوجود، ليقولوا للعالم أن أصحاب هذه الأرض بالرغم من كل ما قامت به العصابات الصهيونية من دمار و قتل، إلا انهم ما زالوا هنا، متمسكون بمواقعهم في الأرض، كانوا يترجمون ما قاله درويش ” أنا الأرض في جسد، لن تمرّوا” في ذلك الوقت أيضاً كان غسان كنفاني يصارع الوجود و الهويات المضادة، كتب حينها عن شيء مختلف، أُصطلح على تسميته “أدب المقاومة/الأرض المحتلة” وقتها و بعد ما يقارب ال٢٠ عاماً، عندما غادرنا غسان كنفاني، قال درويش في وداعه ” كان اكتشاف العرب بأنّ العرب في فلسطين المحتلة يتكلمون اللغة العربية ويحبّون بلادهم ويكرهون الظلم اكتشافاً مذهلاً… مذهلاً حتى الخزي. ومع ذلك أتاح هذا الاكتشاف للصوت العربي القادم من هناك سعادة الإحساس بالانتشار والتغلّب على الأسوار. وكان وعي أصحاب هذا الصوت بوجود من يستمع إليهم حافزاً لنموّه وتطويره لدى البعض، وعقبة أمام تطويره لدى البعض الآخر الذي اكتفى بالجغرافيا موهبة غير قابلة للمناقشة.”

في مشروع الفعل لـ غسان كنفاني، أو “المشروع الفدائي” كما أطلق عليه درويش، كان غسان يخوض صراعه مع كل شيء متحرك على سطح الأرض يحاول نفيّ وجوده و وجود عرب و فلسطينيين في تلك الأرض المسروقة.

اليوم، تظهر رمزية الطفلة “عهد التميمي” بعد خوضها غمار ذات الطريق التي خاضها الشهداء و الأبطال، في دفاعها عن أرضها و شعبها، عهد إبنة عائلة قدمت الشهداء و الأسرى، عهد الطفلة التي تلطخت مشاهدات الطفولة لديها بالدماء و الرصاص و الرعب و القتل، و عهد التي مارست فعلها الثوري تجاه أهل الخوف و الظلم و الدماء. الحديث عن حياة عهد، الجريحة فالطريدة و الأسيرة، هو حديث عن الكل الفلسطيني، عن تجربة جمعية عاشها و يعايشها كل لحظة اطفال فلسطين.

يتفاعل محيطنا العربي – أو يُّراد له- بهجومية تجاه عهد التميمي تحت تبريرات و مواقف، أقل ما يقال عنها أنها تنم عن عدم فهم لأسس المعركة، و أدوات الفعل للمشروع الفدائي الفلسطيني، ذاك المشروع الذي قاده غسان و ناجي و…الخ.

عهد التي أصبحت رمزاً مضافاً لرموز النضال الوطني الفلسطيني، يلتقطها العالم الأن، ذاك العالم ذاته الذي يعتبر نفسه بموقع النقيض من موقعها في الفعل و الصمود، إعلام و “سوشال ميديا” معوّلمة و ملبرلة، تريد اختزال الفعل الفلسطيني -بأفضل حالاته- بـ صفعة على وجه مجند صهيوني مدجج بالسلاح، الله وحده يعلم من أي رصيف دولي جاء، و تلميع صورة على حساب أخرى. هذه حقيقة، فمن السذاجة أن نقول بأن القيادة التونسية، بين يوم و ليلة، أصبحت في معسكر المقاومة، أو مثلاً، أن النادي “الملكي” ريال مدريد، يريد أن يدعم الشعب الفلسطيني و هو يمثل أحد أوجه و مستنقعات الإمبريالية و اليمينية في العالم، أو أن نقول بأن شركات الرأسمال المعولم العالمية عندما شاهدت عهد التميمي قررت أن تدعم حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، و لربما تقديم ورقة مقترحة للمصالحة الفلسطينية، مثلاً!

كل تلك الأسئلة مشروعة و موضوعية، و لكن السؤال الذي نطرحه، أين موقع عهد التميمي من كل تلك المآرب و المواقف؟

لا بد أن عهد، مثلما تلعب كل تلك الأطراف دوراً انتهازياً، هي تلعب دورها الوطني، و تستغل كل تلك الإطلالات و المقابلات لتتحدث عن فلسطين، لا يهم أن يعجبنا لقائها بزعيم عربي أو أجبني، الأهم هو اعادة طرح قضية فلسطين و اسمها على طاولة المجتمع الدولي و شعوبه.

لنبحث قليلاً عن حجم الإنجازات -بالأرقام- التي حققتها حركة المقاطعة في دول أوروبا و أمريكا؟ لنتسائل بعد لقاء عهد نادي “ريال مدريد” كم أوروبياً و أسبانياً سيحاول البحث عنها و قراءة قصتها؟ أي قراءة قصة الشعب الفلسطيني و نضاله؟ كم شخصاً سيفكر بأخذ دوره بالفعل و الدعم و الإسناد؟

عهد التميمي لديها شأنها الخاص و قضيتها الأهم من كل تلك الأطراف، فهي ذاتها التي رفعت صورة للمناضل الوطني جورج ابراهيم عبدالله و طالبت بإطلاق سراحه رغم وجودها على أراضي الدولة التي تحتجز حريته! و رغم موقع جورج المتجذر في تاريخ حركة التحرر العربية.

هي ذاتها التي خاطبت ترامب من باريس ” اللاجئون الفلسطينيون ليسوا بحاجة لـ مال الأميريكيين” هذه التصريحات من خلال منصات عالمية و دولية لها وقع مهم، و تمتلك انعكاس خاص على طيّف واسع من مجتمعات لم تسمع يوماً بـ فلسطين.

لنمتلك الشجاعة التي امتلكها غسان كنفاني و ندعم عهد و كل الأسرى و الأسيرات و نستقبلهم في بلداننا و مؤسساتنا و أحزابنا و جامعاتنا، لنحاول أن نترك لهم الفرصة أن يتحدثوا عن تجربتهم أمام هذا العالم الظالم. لنترك لها و لهن و لهم “سعادة الإحساس بالانتشار والتغلّب على الأسوار”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى