لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مساهمات شبابية

شهيد بحجم بلد..فرانك باييس /د. وطن جميل العبد

عندما تعرفت للمرة الأولى على اسم فرانك باييس (Frank País)، جَذبني اسم العائلة الذي يعني باللغة الاسبانية بلد. وربما هذا ما دفعني لأتوغل في سيرته الذاتية، فهو كما كنت أقول في أعماق نفسي شهيد البلد، فرانك بلد.

وُلد فارنك في سانتياغو دي كوبا في 7 ديسمبر 1934. والداه فرانسيسكو بايس بيسكويرا، راعي الكنيسة المعمدانية، ووالدته روزاريو غارسيا كالفينيو. كان فرانك الأكبر بين ثلاثة أشقاء. عائلته، بموارد متواضعة جدًا، أعطته تعليمًا دقيقًا. منذ أن كان طفلًا، تلقى التعاليم الأولى التي كان من شأنها أن تترك أثرًا في شخصيته، فقد كان الأكثر استقامة ونقاءًا والثابت على المواقف. في سن الخامسة، في عام 1939، أصبح فرانك يتيمًا وتُركت والدته مسؤولة عن أسرته؛ أثرت هذه الخسارة على شخصيته، فقد نضج مبكرًا وبشكل غير عادي، وتحمل المسؤولية مبكرًا وساعد في إعالة الأسرة وتعليم إخوته.

أكمل فرانك دراسته الابتدائية في معهد مارتيه. يتعلم العزف على البيانو والأرغون تحت إشراف والدته؛ كان مغرمًا جدًا بالفنون والأدب. أنهى دراسته الابتدائية في سن الرابعة عشر. التحق بمعهد التعليم الثاني حيث حصل على جوائز في مواد مختلفة مما يسمح له بالحصول على تسجيل للسنة الثانية مجانًا. في العام التالي، حقق التسجيل في المدرسة العادية *1 وترك المدرسة الثانوية بعمر 15 عامًا فقط.

طوَّر خلال حياته المدرسية تجربة غريبة أطلق عليها اسم جمهورية المدرسة الديمقراطية، وتتألف من محاكاة حكومة مماثلة لحكومة الدولة داخل الفصل الدراسي. تخرج كمدرس في المدرسة العادية في سانتياغو دي كوبا. منذ السنوات الأولى من حياته المهنية، تولى مسؤوليات مختلفة حتى أصبح رئيسًا لجمعية طلاب المدارس العادية. بعد التخرج، أنشأ مدرسة لتأهيل العمال.

نظم فرانك وصديقه بيبيتو الكتلة الثورية للطلاب العاديين (أي؛ طلاب المدرسة العادية) (BloqueRevolucionario de EstudiantesNormalistas -BREN) ليسيطروا على رابطة طلاب المركز والمدارس الثانوية الأخرى. ثم انضم فرانك إلى الحركة الثورية الوطنية (Movimiento Nacional Revolucionario – MNR) بقيادة الأستاذ في جامعة هافانا، البروفيسور غارسيا بارسيناس. بعد خطة فاشلة للاستيلاء على معسكر كولومبيا العسكري في مارس 1953، مالت المنظمة إلى التفكك. فيما بعد ارتبط بـحركة التحرر الوطني (Acción Nacional Libertadora – ANL)، وهو يدرك أن هذه المنظمة لا تستجيب لتطلعاته وانفصل عنها لينشئ منظمته الخاصة.

كقائد طلابي، قاد مظاهرات شبابية، وكان من أوائل من قاموا بفضح سياسات الدولة، ونشر بيانات مناهضة للحكومة، وكتب مقالات تدين فولجينسيو باتيستا وأولئك الذين دعموه في السلطة.عندما فشل الهجوم على ثكنات مونكادا، في 26 يوليو 1953، قام بجولة في مدينة سانتياغو دي كوبا محاولًا العثور على الناجين ومساعدتهم. ثم وضع خطة لإنقاذ الفدائيين (رجال المونكادا- Moncadistas) المسجونين في سجن بوناتو، لكنه لم يستطع التنفيذ بسبب نقص الموارد. في عام 1954 أسس منظمة ثورية ، عُرفت باسم حركة التحرير الوطنية، التي دعت إلى الكفاح المسلح كحل للمشكلة الكوبية.

أسس مع فيليكس بينا الحركة الثورية الشرقية (AcciónRevolucionaria Oriental -ARO)والتي تحولت فيما بعد إلى الحركة الثورية الوطنية (Acción Nacional Revolucionaria) بين عامي 1953 و1954، كانت تهدف الحركة إلى تأمين الأسلحة والمتفجرات ونقلها إلى القواعد ومراكز العمل السري في المدن، كان نشاط فرانك ثابتًا؛ يشغل منصب سكرتير اتحاد الطلبة الجامعيين في الشرق (FEU-O) في مدرسة التربية، وانضم فيما بعد إلى لجنة الإصلاح الزراعي، وترأس مكتب (FEU-O) الزراعي وشارك في لجنة مكافحة قناة Vía-Cuba، وهو مشروع إمبريالي لتقسيم جزيرة كوبا إلى قسمين، مثل بنما.

في عام 1955، ألقي القبض عليه واتهم بالقيام بأنشطة سرية، وهذا صحيح ولكن لا يمكن إثباته، لذلك عندما حوكم أمام محكمة الطوارئ في سانتياغو دي كوبا، أطلق سراحه. لاحقًا استقال من منصبه كمدرس لتولي القيادة الوطنية لنشاط حركة 26 يوليو وتنظيم انتفاضة 30 نوفمبر 1956 في سانتياغو دي كوبا لدعم وصول المقاتلين بقيادة فيديل إلى غرانما. عندما أسس فيدل كاسترو نواة حرب العصابات في سييرا مايسترا، ضمن فرانك باييس شحن إمدادات الأسلحة والأدوية والرجال التي سمحت بالبقاء والتطوراللاحق لحرب العصابات فقد كان باييس مدير العمليات اللوجيستية.

في أصعب لحظات حرب العصابات بقيادة فيدل كاسترو، سار في فبراير 1957 لمقابلته برفقة هايدي سانتاماريا وفاوستينو بيريز وأعضاء آخرين من القيادة الوطنية لحركة 26 يوليو لتنسيق الدعم من السهول. واصطحب معه الصحفي في نيويورك تايمز هربرت ماثيوز لمقابلة فيديل. فقد كان رأي فرانك أن نشر مقابلة الصحافي مع زعيم حرب العصابات من شأنه أن يحطم دعاية باتيستا القائمة على مزاعم وفاة فيدل.

كان فرانك ملتزمًا وحكيمًا ومن أشد المؤمنين بفكرة التنظيم والعمل الجماعي، ففي 30 يونيو 1957، اغتيل شقيقه خوسيه على يد القوات القمعية للديكتاتورية. وعلى الرغم من ألمه، أمر فرانك شقيقه الآخر أغوستين بعدم اتخاذ أي إجراء ردًا على ذلك:

“استمع إلي جيدًا. أنا لا أتحدث إليك كأخ، ولكن كقائدك ومسؤولك، وأطلب منك عدم الخروج أو اتخاذ أي إجراء حتى أمر بذلك. وإذا خالفت… سأطلق النار عليك”

باييس كان يجذب كل من يلقاه فبعد زيارته إلى سييرا مايسترا في فبراير 1957،  قال تشي غيفارا عنه: “لقد أعطانا درسًا هادئًا في الانضباط بتنظيف أسلحتنا التي كانت قذرة تمامًا”. وأضاف: “على الفور أظهرت عيناه أن هذا الرجل مسكونًا بقضية، يؤمن بها، وعلاوة على ذلك، هذا الرجل كان كائنًا متفوقًا. اليوم يُدعى فرانك بايس الذي لا يُنسى…”

في خضم اضطهاد شرس، تفاجأ فرانك بايس في 30 يوليو 1957 مع راؤول بوجول في زقاق ديل مورو بالقوات القمعية التي قامت بمهاجمتهم على الفور. قال فيدل عند سماعه نبأ وفاته:

“أيهم من البرابرة، لقد طاردوهم كالجبناء في الشارع، متسحلين بعتاد لا يملكه مقاتل سري! يا لهم من وحوش لا يعرفون أنهم بفعلتهم هذه قد قتلوا الذكاء والشخصية والنزاهة!…”

من منزل صديقته أمريكا دوميترو، في شارع كلارين، خرج موكب الجنازة الذي رافق جثة فرانك بايس سيرًا على الأقدام. كانت هذه الرحلة الأخيرة مظهرًا من مظاهر الألم والحداد الشعبي لمقتل الشاب. الذي تم دفنه في 31 يوليو 1957 في مقبرة سانتا إيفيجينيا.

كانت فكرة فيلما اسبين وتاراس دوميترو ودانيال ونافاريتي هي تعبئة الناس وتحويل الجنازةإلىمظاهرة قوية لنبذ الطغيان. وخرجت بالفعل جنازة مهيبة تمكن من خلالها الشعب أن يظهروا احترامهم وحبهم لابنهم العزيز من حارب بشدة ضد الديكتاتورية منذ 10 مارس 1952.

بعد استشهاد فرانك باييس انضم العديد من الشبان والشابات إلى حرب العصابات وقد سمّيت الجبهة الثانية في المشرق الكوبي باسمه تكريمًا له ولكي يبقى اسمه خالدًا. شكّل فرانك بعمر الثالثة والعشرين حالة استثنائية بل كان قائدًا وشخصية تاريخية لم تتكرر في الحركة الثورية.

  1. المدرسة العادية (Escuela Normal): هي مركز تعليمي لتطوير الأنشطة المنهجية والعلمية والتربوية، وبناء المعلمين.
بواسطة
د. وطن جميل العبد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى