لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

حقا ما أسوأ غزو البلهاء!

مطالعة كم كبير مما يتدفق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، “فيسبوك” تحديدا بين الاردنيين، خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد لك مرة أخرى كم باتت نعمة الفضاء المفتوح لحرية الرأي ووجهات النظر مدخلا وآلية لبث البلاهة، بل ولما هو أسوأ وأكثر شرا من البلاهة والجهل، حيث النفخ والتجييش بحروب الكراهية والمس بالسلم الأهلي وتعميم الغوغائية وجر الناس الى قضايا فرعية هامشية، أو حتى اختلاقها لتصبح معول هدم وتفتيت للمجتمع!

عندما أطلق الكاتب والفيلسوف الايطالي أمبرتو إيكو مقولته الشهيرة قبل سنوات قليلة، والتي وصف فيها كثيرا مما يتدفق عبر مواقع التواصل بـ”غزو البلهاء”، نظر البعض لهذا الرأي على أنه تشاؤم وسوداوية صدرت عن رؤية نخبوية، وأنها لم تلحظ الآفاق الواسعة التي فتحتها مواقع التواصل الاجتماعي لحرية التعبير والحراك الديمقراطي والقدرة على تجاوز محددات السلطة والأنظمة السياسية للمهمشين والمقموعين.

أعتقد اليوم أن تفحص الحراكات والنقاشات من خلال مواقع التواصل، اردنيا وعربيا وحتى دوليا، وتلمس حجم التسطيح لاهتمامات الناس والشعوب وما تمور به من حروب كراهية واقصاء، يعزز من دقة توصيف وتشخيص الايطالي ايكو عن “غزو البلهاء”، والذي قال فيه  “إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء”.

من حق جميع الناس أن تعبر عن آرائها ووجهات نظرها في كل القضايا، وحرية التعبير حق مقدس للبشر لا تجوز مصادرته، لكنه حق يتحول إلى باطل ومعول هدم عندما يطرح البعض نفسه قيّما على الوطنية والمصالح الوطنية ويفتح النار بجميع الاتجاهات لمن يخالفه الرأي او الموقف أو الأصل أو الدين، دون رادع من ضمير أو تقدير أو شعور بالمسؤولية، مُعملا هدما وتفتيتا في بنى المجتمع وأساساته الجامعة.

إنه غزو البلهاء والحمقى فعلا، عندما يستسهل البعض، نخبا وغير نخب، التجرؤ على وحدة المجتمع والشعب ويمعن بكل بلاهة في التنظير والحديث بخطاب الكراهية والتجييش وبث الفرقة والفتن بين الناس، كنوع من فشة الخلق أو البحث عن الشعبوية أو كتعبير عن عقد نفسية أو مشاكل اجتماعية شخصية، أو عدم وعي بخطورة الكلمة والمس بالثوابت الوطنية.

على مستوى الحقوق الشخصية التي يكفلها القانون للانسان قد تبدو مشكلة تجاوزات البلهاء وخارقي القانون اسهل في الضبط والحد من غلوائها، فالقانون يتيح لكل متضرر من القدح والذم والإساءة والتجنّي بغير وجه حق مقاضاة المسيء مباشرة، لكن المشكلة الأخطر، والأعمق أثرا سلبيا، هي في أضرار أفعال وأقوال البلهاء من مثيري الفتن وناخري الوحدة الوطنية، ممن يستمرئون حرق الأخضر واليابس بتجييش مجاميع من الناس دون رادع من ضمير أو أخلاق او شعور بالمسؤولية، وسط عجز، أو تواطؤ الأدوات القانونية عن ضبط تأثيرات هذه الفئات.

كم هي معبرة كلمة غزو في وصف كم كبير من الهذر والبلاهة التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، فهو حقا غزو يجر أضرارا وخسائر كبيرة على المجتمعات لا تقل خطرا عن أضرار الغزو العسكري الخارجي على الأوطان والمجتمعات!!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى