في مفهومِ الانضباط

تصريحُ رئيسِ مجلسِ النوابِ ووزيرِ الداخلية، وفي خلال أسبوعٍ واحد، بمطالبةِ الشعبِ الأردني بالانضباطِ خلفَ الدولة، كانَ لافتًا للنظر، لكنَّ الذي أوقفني كانت كلمةُ “انضباط”، وليس مفهومُ الدولة، وما قصدهُ الوزيرُ ورئيسُ مجلسِ النواب. لأنَّ الخلطَ بينَ مفهومِ الدولة والحكومة مسألةٌ دارجة، فالإشكالية، كما أرى، لا تكمن في الخلط بين الدولة والحكومة، بل بمفهومِ الانضباط.
اعتقادي أنَّ هذا التناغمَ بين وزيرِ الداخلية ورئيسِ مجلسِ النواب يعكس توجّهًا حكوميًّا، أو إن شئتم توجّهًا للحكم، في التعامل مع السياسة الداخلية والحريات العامة.
كلمةُ “انضباط” لا تقتصر على السلوك فقط، بما يعنيه الالتزام بالقوانين والتعليمات، بل ترتبط وبشكلٍ أعمق بالعقل ومفهومِ الحرية وحركةِ المجتمع.
جذرُ كلمةِ الانضباط هو (ضبط)، أي بمعنى أحكمَ السيطرة، ودفعَ الناس إلى تنظيمِ أنفسهم وسلوكهم وفق مبدأٍ معيَّن عقليًّا أو أخلاقيًّا.
لكن لو تكلمنا بصراحةٍ عن الانضباطِ بدونِ حريةٍ سيتحوّلُ المفهومُ والدعوةُ للأردنيين إلى قبولِ الاستبداد طواعيةً!
الدعوة إلى الانضباط في ظل هذه القوانين المقيدة للحرية تعني تمامًا دعوةً سافرةً لقبولِ مصادرةِ الحريات تحت ستارٍ أو غطاء الانضباط.
والحرية بدون انضباطٍ تعني التحوّلَ إلى الفوضى، وهذا طبعا مرفوض.
كانَ حريًّا بالوزير ورئيس مجلس النواب أن يُبرزا أولويةَ الحرية على الانضباط، لكن هذا مسارٌ يعتقد القائمون عليه أنَّ الضبطَ والربط مع الشعب الأردني هو الأجدى بالنسبة للحلف الطبقي الحاكم، وهو الأفعَل في السيطرة على الشعب.
مع أن مسارَ التاريخ لدى الأردن وشعوب العالم دلّ على أنَّ الشعوب تُسَاسُ بالفكرِ والقلم، ولا تُسَاسُ بالسوط، وأنَّ السوط مهما طال زمنه لا يستمر.
نحن مع الانضباط مع الحرية، وبغير ذلك فهي دعوة لقبول الاستبداد.