وزارة التنمية السياسية تعادي الأحزاب!!
يرى أمين عام وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، بأن تراجع الاحزاب وانخفاض عدد الأصوات التي حصلت عليها “قد تكون ذات صلة ببرنامجها دون إغفال موقف المجتمع منها”!!
وقد بدا الأمين العام يغرد وحيدا في ندوة مدعومة، نظمها مركز القدس للدراسات السياسية تحت عنوان: “قراءة في انتخابات 2020 والمجلس 19″، بحضور ممثلين حزبيين ونشطاء مجتمع مدني ووزراء سابقين.
وقد توافق معظم المنتدين حول الأسباب الحقيقية وراء فشل الانتخابات بإحداث التغيير المطلوب واخفاقها في تجديد النخب، وركزوا على كون قانون الانتخاب قد شكل العقبة الاساسية، وانعكست آثاره السلبية على تراجع المشاركة وتغييب عدد كبير من القوى والشخصيات السياسية عن المجلس التاسع عشر، وسط تلكؤ الحكومات في “التقدم في مسيرة الاصلاح السياسي والديموقراطي في ظل تعمق الازمات الاقتصادية والاجتماعية”.
في حين أكد آخرون بأن اسباب ضعف الاقبال على الصناديق قد تأثر كثيراً بالبيئة الوبائية والخشية من الاصابة بفيروس كورونا وما رافق ذلك من انشغال الاسر بالتزود باحتياجاتها لأيام الحظر التي تبعت مباشرة يوم الاقتراع، إضافة لتحدي فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع، بالإضافة لجملة التحديات الاقليمية التي تعصف بالمنطقة والموقف الرسمي الأردني غير الواضح منها.
وحده أمين عام وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، حاول التهرب من تحديد الاسباب الحقيقية الكامنة وراء المقاطعة الواسعة للانتخابات، وفشلها بإحداث تغيير حقيقي تجديدي في بنية مجلس النواب المنتخب، وبقي يلقي المسؤولية على الاحزاب، ويردد بأن ” قانون الانتخاب ليس السبب الوحيد بتراجع تمثيل الاحزاب السياسية”، وهذا الأمر يشي بتمسك الحكومة بقانون الانتخاب الخلافي التقسيمي، وعدائها المتأصل لكل عمل حزبي ومنظم.
ممثل الوزارة لم يستمع لجميع المتحدثين بل وجه سهامه إلى الاحزاب وبرامجها، ومن الطبيعي أن لا يعجب “الأمين” ببرامج الأحزاب، خاصة تلك التي تنادي بوقف كل سياسات الخصخصة، وتؤكد على واجب الدولة في تحمل مسؤوليتها في القطاع العام في التعليم والصحة، وتعديل قانون الضريبة بتبني الضريبة التصاعدية على الدخل بدلا من تضخيم ضريبة المبيعات…
المفارقة هنا، أن الوزارة التي أُنشأت لغايات العناية بالأحزاب وتطوير العمل الحزبي، لم يعجبه برامج 47 حزبا شاركوا بالانتخابات، ويدعي بأن موقف المجتمع منها سلبي، ولم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت أغلبية الناس إلى مقاطعة الانتخابات، والمظاهر الفاسدة التي رافقتها، والفشل في إدارتها، وأين مسؤولية وزارته في كل ذلك.
لا غرابة في ذلك، فمنذ انشائها تحولت وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية -ورغم تغيير اسمها- إلى عامل طارد للعمل الحزبي، وأداة اخضاع للأحزاب، وطوال عامين من عمر حكومة الرزاز، لم تُدعى الاحزاب ولو لمرة واحدة لإجراء حوار جدي ومنتج مع الحكومة في الشأن الوطني، وفي المرات القليلة التي ظهر فيها “وزير الاحزاب” على الاعلام، أو أثناء لقاءاته النادرة مع بعض ممثلي العمل الحزب، كان يقارب العمل الحزبي كملف أمني، ويكرر ادعاءاته بوجود أجندات خارجية لبعض الأحزاب، خاصة اليسارية والقومية المعارضة، وهو بذلك كأنه يحاول اقصائها ووضعها خارج إطار الفعل الوطني في التنمية السياسية والاجتماعية.
وقد عملت الحكومات المتتالية عبر قانون الاحزاب، وقانون الانتخاب على إضعاف الاحزاب، وتحويلها من قوى مجتمعية، وجزء فاعل من المكونات الوطنية للدولة، إلى هياكل ملحقة بوزارة داخل الحكومة، تخضعها لضغوطات الملاحقات القانونية، والتحكم بالدعم المالي، في محاولات مستميتة لتدجين هذه الأحزاب وتشويه موقفها الوطني المعارض، ودفعها للتكيف مع متطلبات النظام واشتراطاته، وإبقاء وجودها كديكور لاستحقاقات المراقب الخارجي.
وعبر القوانين السياسية “الناظمة” للعمل الحزبي -وبشكل خاص عبر قانون الانتخاب- عملت الحكومات بشكل متدرج على دمج الجهاز البيروقراطي في البنية العشائرية، ودفعه عبر الخصخصة للسيطرة على حصة كبيرة من القطاع الخاص، كما افتعلت أدوارا سياسية للعشائر وعائلات الحواضر الكبرى خاصة في العاصمة والزرقاء، من خلال تغليب التشكيلات العائلية والعشائرية الاجتماعية تحت الوطنية، على البنى المنظمة. ومن خلال المال السياسي الفاسد وإمكانيات ودور الكمبرادور كقوى برجوازية تابعة، حولت البنى المجتمعية والانتماءات المناطقية، إلى ما يشبه القوى السياسية من أجل “احتلال” دور الاحزاب وحواضنها الشعبية، لتصبح العشيرة وأبناء “البلدة ” والمنطقة الواحدة، هي الأداة السياسية للسلطة وحزب الموالاة، والمولد الحقيقي للنخب السياسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وهكذا وجد التحالف الطبقي الحاكم – من بيروقراط متجدد، وبرجوازية تابعة- نفسه في مواجهة العمل الوطني المنظم من أحزاب ونقابات عمالية ومهنية، فاندفع بشكل ممنهج ومحموم للإجهاز على الاحزاب والتدخل الفاضح للسيطرة على مؤسسات المجتمع المدني الاخرى وعلى رأسها العمل النقابي، بدءاً من نقابة المعلمين، والنقابات المهنية الأخرى، بعد أن تم تغييب وتفتيت نقابات العمال التاريخية.
من هنا تبرز المهمة الملحة أمام كل الخيرين في الوطن، للتكاتف، في بناء جبهة تقدمية عريضة، تقود مشروع الإصلاح السياسي والاجتماعي؛ تعيد للأحزاب دورها الجماهيري وسيادتها واستقلاليتها، وتحمي النقابات المهنية من محاولات الهيمنة الرسمية والتفكيك والسطو على دورها وتبديد مكتسبات أعضائها..