لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
نداء الوطن

انقلاب ترامب وجنون الهيمنة

تشير التطورات الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الأميركية، نظرة ترامب المتخلفة إلى مفهوم الدولة بوصفها أداة لتحقيق أهدافه الاقتصادية والسياسية، وليست وسيلة اجتماعية لحماية المصالح العليا للشعب الأميركي، وتوفير نظام اقتصادي وصحي عادل يخدم الأمريكان بمختلف اعراقهم وطبقاتهم الاقتصادية الاجتماعية وفئاتهم السنية، هذه النظرة الضيقة التي كرستها الليبرالية الجديدة المتوحشة التي تطورت عبر التاريخ بدءا من نظام رأسمالي احتكاري مرورا بالمرحلة الأعلى لهذا النظام وهو الامبريالية العالمية، إيغالا في التطور الى مرحلة التوحش الهمجي، الذي يرفض مفهوم الديمقراطية وينقلب عليها ويكرس نهج عصابي يقدس الفرد أو فئة ضيقة من الرأسماليين الاحتكاريين ذوي النزعات المتطرفة المرتبطة بعقائد منحرفة، والذين يقدسون عسكرة الحياة بكافة أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي منظومة تنعكس آثارها على منظومة القيم والأخلاق التي آمن بها المجتمع لحقب تاريخية. لقد أكدت الانتخابات الأميركية التي فاز بها جو بايدن بفارق يقارب 8 مليون صوت حالة الرعب التي يعيشها الأميركيون بسبب سياسة ترامب المتوحشة، خاصة لدى ثلاثة فئات اجتماعية هي المسنون والفقراء والملونون خاصة من المواطنين الأميركيين ذوي البشرة السوداء، فقد شهدت الفترة الرئاسية لترامب فشلا ذريعا على صعيد إدارة جميع الملفات. ففي الملف الاجتماعي تفاقمت في ولاية ترامب الرئاسية ظاهرة التمييز العنصري التي تجلت بوضوح في وحشية الشرطة الأميركية مع ذوي الأصول الإفريقية، وتعزيز نزعة الرجل الأوروبي الأبيض، مما ولد حالة تفسخ عرقي داخل المجتمع الأميركي، وأثار حقد ذوي الأصول الأفريقية خاصة بعد توالي حالات العنف الوحشي ضدهم من قبل الشرطة الأميركية بعد مقتل فلويد خنقا، حيث صوت معظمهم ضد ترامب. أما الملف الثاني فقد كان الملف الصحي، حيث كان لإلغاء التشريع المسمى “أوباما كير”، والذي وضعه الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، والذي تضمن تعزيز ولاية الدولة على النظام الصحي وتوسيع مظلة التأمينات الصحية لأوسع فئات المجتمع الأميركي، أثره في تدني وانهيار النظام الصحي الأميركي بشكل مريع أمام تحدي فيروس كورونا وتحوله الى وباء مستفحل يحصد ارواح آلاف مؤلفة من الأميركيين، خاصة الفقراء والمسنين، وعدم اكتراث ترامب بل واستخفافه بكل الاقتراحات المقدمة لمواجهة الوباء، وفشله في إدارة أزمة وطنية صحية بهذا الحجم، بل لجوئه الى الاستخفاف او حالة انكار لجسامتها على المجتمع، الأمر الذي فاقم حالة الاحتقان الشعبي ضد سياسة ترامب الصحية ودفع الملايين للتصويت ضده من خلال مكاتب البريد التي يحاول التشكيك بها. أما الملف الثالث والذي فضح اخفاق إدارة ترامب، فرغم مظاهر انتعاش اقتصادي تأتى من بيع مظلة حمائية أميركية لدول الخليج وغيرها مقابل ملايين الدولارات والاستثمارات الخليجية التي فتحت وظائف جديدة وقلصت معدل البطالة إلا أن هذه الفوائد لم تقلص بؤر الفقر المنتشرة في الولايات المتحدة خاصة بعد ارتفاع معدل التضخم المالي وتدني القيمة الشرائية للدولار الأمر الذي زاد الضغوط الاقتصادية على الطبقات الفقيرة، وحصر فوائد ذلك الانتعاش في جيوب الرأسماليين من اتباع ترامب. الملف الرابع كان الملف السياسي، فرغم ما اعتبره ترامب نجاحا أو فتحا سياسيا بعد توقيعه لاتفاقيات التطبيع بين أنظمة الإمارات والبحرين والسودان مع الكيان الصهيوني المحتل، وتجسير الهوة بين تنظيم القاعدة الإرهابي “الأصولي” والحكومة الأفغانية، إلا أنه فشل في إدارة ملف “الإرهاب”، وفاقم العداء مع الصين وانقلب على الاتفاق النووي مع ايران وفشل في الوصول الى اتفاق نووي مع كوريا، وكل تلك العوامل أدت إلى خلق معارضين لإدارته حتى بين أعضاء مؤثرين وأنصار لحزبه الجمهوري، كما أن الاتفاقيات السياسية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تهم المواطن الأميركي بقدر اهتمامه بالنظام الضريبي الذي يخضع له. وإزاء هذا الفشل في إدارة كل هذه الملفات لم يكن غريبا أن يخسر ترامب في الانتخابات الأميركية، وإن كنا لا نراهن على بديله “الديمقراطي”.

بواسطة
نداء الوطن - خاص
المصدر
هيثم الصادق
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى