نداء الوطن

بمناسبة الذكرى 30 لإعلان حزب الوحدة الشعبية

ترافقت الذكرى مع هجمة على الاحزاب السياسية في الاردن، التي تحمل رؤية سياسية يسارية، مستندة الى النتائج الرقمية للانتخابات البرلمانية.

اليسار كتيار اجتماعي بتعبيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الذي يمثل المسًتَغَلين، هو النقيض لليمين الرأسمالي بتعبيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تمثل المسًتَغِلين، الذين يغلفون استغلالهم بأغلفة دينية او ليبرالية.

عبر الزمان اخذ الصراع بين اليسار واليمين اشكالا متعددة وتعبيرات مختلفة، كان احيانا يغلب السياسي على الأيديولوجي  واحيانا الأيديولوجي على السياسي .

مع التقدم الذي احرزته مفاهيم اليسار، كان هنالك ضرورة لأن تأخذه قوى اليمين بعين الاعتبار، مستندة الى الاخطاء التي ارتكبت في بعض التجارب،  التي افرغت النضال الاجتماعي والسياسي من محتواه الديمقراطي، هذه الاخطاء التي تلقفها المفكرون الرأسماليون واخرجوها بآليات محكومة بإتقان لتخدم تحالف راس المال .

منذ ان بدأت المرحلة الترامبية،  التي ارادت ان تعيد رسم العلاقات الرأسمالية بما يخدم مصالح راس المال القومي الامريكي، هذا المفهوم تطلب ان  تخوض الترامبية معركتين متوازيتين.

 الاولى في اطار مراكز راس المال، من اجل تعزيز الدور القيادي لراس المال الامريكي وتحويله من ممول لحماية منظومة راس المال، الى  اعتبار الحماية سلعة راس مالية امريكية يجب ان يدفع مقابلها.

الثانية كانت مع الخصوم التي تجلت في اعتبار ان معركتها معهم هي في الاساس أيديولوجية،  التي تطلبت تصعيد الصراع  الأيديولوجي، وقد اعلنت الترامبية معركتها مع الصين وايران  وكوبا وفنزويلا والى حد ما روسيا من على منبر الامم المتحدة.

من هذا الاستخلاص فان المعركة التي تخاض ضد اليسار تأخذ طابع عالمي، ان كانت من قبل راس المال القومي او العولمي. القومي الذي يقدم الأيديولوجي على السياسي، في حين العولمي يقدم السياسي على الأيديولوجي، الاول ادواته النظم الاكثر رجعية، التي تعبر عن كمبرادورية الدولة والتي تأخذ من الدين السياسي اداة محلية لمجابهة اليسار أيديولوجيا .

في حين العولمة التي تعتمد على منظومة راس المال المالي كأداة للسيطرة على المنظومة المالية العالمية، وتدعم استقلاليتها  في اطار الدولة القومية او الوطنية او منظومة تحالف راس المال المالي.

هذا الاتجاه يعتمد الفكر الليبرالي كأداة للسيطرة على المجتمعات، مستغلا الشعارات الديموقراطية التي رسم حدود ممارستها، والتي تظهر ادواتها ووسائلها في الدول النامية او الفقيرة،  عبر المنظمات  او مراكز الدراسات او الاتجاهات او الشخصيات الممولة، جميعها تستخدم بعض الشعارات  الليبرالية كالحرية او المشاركة او العدالة.

السؤال المهم الذي يجب ان يطرح كيف تصرف هذه الافكار في مجتمعاتنا؟

العنوان السوري كان التعبير الابرز عن تلاقي مصالح راس المال القومي المتحالف مع راس المال الصهيوني، الذي حمل الشعارات الليبرالية من حرية وعدالة ومشاركة، هذه الشعارات التي حملتها القوى الاكثر رجعية، ان كانت في السلطة (دول الخليج) او الاخوان المسلمون الذين ركبوا هذه الشعارات ودخلوا في مساومة مع راس مال العولمة، الذي وجد فيهم اداة اكثر فعالية لتدمير المجتمعات وتفسيخ النسيج الاجتماعي، ولذلك وجدناه دعمهم في تونس ومصر وقدم لهم السلاح والمال في سورية وليبيا.

المدقق في  ما جرى يستخلص ان الدين السياسي والاتجاهات الليبرالية، بالرغم من خلافها من حيث الشكل على الارض لكنها في الجوهر، تخدم مصالح راس المال بشكليه المالي والقومي المتحالفان مع راس المال الصهيوني المحرك الرئيسي لثنائيتهم.

ولهذا يفهم الموقف المعادي المشترك من قبل الثنائية الدينية السياسية والليبرالية  للأحزاب التي تحمل اطارا يساريا عاما.

هذا الهجوم العدائي على الاحزاب، يغذيه ضعف ادائها الناتج عن عدم حسم هويتها المعرفية في السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي كمنظومة واحدة.

 هذه الهوية التي هي ضرورة من اجل ادارة المعركة مع الاتجاهين الدين السياسي والليبرالي .

هذان الاتجاهان اللذان يعكسان اتجاهان في السلطة السياسية، البيروقراطي والليبرالي المدعوم من المنظومة  الرأسمالية المالية المحلية والدولية، ولكنهما يختلفان في الصراع على شرعية تمثيل  كل منهما  في تخريج التبعية لمنظومة راس المال وادواته.

الهوية المعرفية لا تعني فقط اعلان الالتزام اللفطي بها،  بل اعتمادها كناظم في الادارة والقيادة والتخطيط هذه الثلاثية التي كل عنوان منها على درجة  واحدة من الاهمية .

هذه الثلاثية هي المعيار للموقف المعرفي اليساري للحزب السياسي.

التحدي الذي فرضته نتائج الانتخابات والهجمة على الاحزاب، تفرض اعادة قراءة للمشهد الداخلي والوطني والاقليمي والدولي.

المشهد الوطني الذي يشهد هجمة جوهرها مصادرة العمل الحزبي المنهجي، لصالح مجموعة (مراكز الدراسات او التيارات او الشخصيات ) الممولة من قبل  وزارات الخارجية للدول الاوروبية او وزارة الخارجية الامريكية،  هذا التمويل الذي يحمل شعار تنمية او دعم الديمقراطية والتي تستفيد منه بعض الشخصيات او الجمعيات او المنظمات، التي ترشح من قبل بعض الدوائر في الدول التابعة، لتلعب دور ترويجي لسياسات نظمها طالما هي ضرورة لمراكز  راس المال، وتستخدم لتخريب وتمزيق النسيج الاجتماعي في الدول المتمردة.

الاحزاب عليها ان تحدد شعارها الناظم لحركتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الذي يعكس مصالح القوى الاجتماعية المتضررة،  ويرفع شعارا مناهضا للعشائرية والقبلية والعائلية ويحدد برنامجا اقتصاديا يحمل طابعا اقليميا عربيا ليشكل مدخلا  للتعاون الاقتصادي التكاملي، بدلا من التبعية عبر استجداء المساعدات المشروطة، وبذات الوقت فان العدالة  الاجتماعية تتحقق من خلال تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.

ان العدالة الاجتماعية لا يمكن ان تتحقق بدون تحقيق العدالة الفلسطينية، لكونهما مرتبطان من حيث الجوهر السياسي، لا يمكن  اسقاط الفساد السياسي والاقتصادي كون حواضنه في السلطة او داعميها هم من يتحالفون ويستمدون قوتهم من التطبيع مع الكيان الصهيوني الإحلالي، الذي يعتبر بالنسبة لهم مدخلا لحماية نظمهم.

لا مبرر لهذا التشرذم السياسي والتنظيمي للقوى التي تعلن ان هويتها يسارية .

اليسار تيار اجتماعي ناظمه تحقيق العدالة الاجتماعية، التي تفرض نمطا اقتصاديا يقلل ليصل لإلغاء علاقات الاستغلال الاجتماعي، وسياسيا يتيح المشاركة للقوى الاجتماعية ويسعى لتحقيق العدالة الفلسطينية التي هي المعيار للموقف اليساري في مجابهة منظومة تحالف راس المال وتابعيه، بغض النظر عن هويتهم القومية او الاقليمية.

لا يمكن ان تطالب بالعدالة الاجتماعية وتقف ضد العدالة السياسية الوطنية التحررية الفلسطينية.

لكل هذا يفهم الهجوم على الاحزاب، مستغلين بعض جوانب ضعفها الذي هو ليس ضعفا في الفكرة الناظمة، بل ضعف في التعبير عنها بشكل ملموس، وهذا بحد ذاته يفرض صراعا داخل الظاهرة الحزبية ذاتها، كعامل اساسي من اجل  تغيير الاداء الداخلي عبر تعزيز الديمقراطية الداخلية، والسياسي عبر توضيح مفهوم العدالة بثنائيتها والمعرفي بحسم خياره وانعكاسه في السلوك بكل اشكاله .

الليبرالية القائمة في مجتمعنا، هي ليست نتاج تطور البينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل هي  مطلوبة خارجيا لتجميل التبعية وتسهيل الاندماج بمنظومة العلاقة مع الاستعمار الإحلالي الاستيطاني في فلسطين.

والدين السياسي هو اتجاه يستثمر في الموروث من اجل تقويض اية امكانية للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يعتمد العدالة الانسانية كناظم لحركته والعداء للاستغلال الرأسمالي كمعيار.  

بواسطة
نداء الوطن
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى