مع الدخول الروسي على خط الأزمات في أوكرانيا وسورية هل بتنا على مشارف نظام عالمي جديد؟ وما هي ملامحه؟
انسحاب أمريكا من العراق لم يكن مجرد انسحاب دولة مهزومة.. تعقيدات في مناطق مختلفة من العالم لم تنته بنهاية عام 2015 ليتم ترحيلها إلى عام 2016 ابتداءً من سورية والعراق فاليمن وليبيا وليس انتهاءً بأزمة أوكرانيا والأزمات المشتعلة في بحر الصين الجنوبي.
أزمات متنقلة توحي ببداية تشكل نظام عالمي جديد، بعد تفرد أمريكي بعالم أحادي القطبية لأكثر 15 عاماً.
[widgetkit id=”4″ name=”الصين وروسيا”]
د. منذر سليمان: ابحث عن الصين
الدكتور منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية في واشنطن، يرى أنه من الملفت في هذه اللحظة الراهنة، أن كل الأنظار مشدودة إلى الصين ووضعها الاقتصادي، بسبب أن ما يجري من تطورات تتعلق بحجم النمو الصيني تؤثر الآن على الأسواق المالية في كل أنحاء العالم. فمعظم الأسواق المالية في العواصم الرئيسية في العالم، تأثرت بما جرى في البورصة الصينية مؤخراً، وبنفس الوقت من المعلومات حول إمكانية تباطؤ الاقتصاد الصيني.
ويضيف سليمان في حديثه لجريدة نداء الوطن، أن هذا مدخل لفهم طبيعة الاعتبارات التي ستتحكم في طبيعة النظام الدولي وتشكيله. فالعامل الاقتصادي وفق سليمان، يكمن وراء المنافسات الدولية، وهو سيكون له تأثير كبير في تحديد هوية القوى التي من الممكن أن يتشكل منها هذا النظام العالمي الجديد.
ويؤكد د. منذر سليمان بأن النظام العالمي سابقاً كان قائماً على الفرادة أو التفرّد الأمريكي، لكن الآن بدأ النظام ينتقل بشكل بسيط نحو نظام لا قطبي أو نظام متعدد الأقطاب، وربما لم نصل بعد إلى النظام التعددي الثابت، إلا أن هناك حالة انتقالية للنظام الدولي، وإحدى تجلياتها كانت في كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، مما أدى إلى أن تنخرط كل من روسيا والصين في فيتوات مزدوجة متعددة تعبيراً عن عدم رضا على سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى سليمان أن الصين لا تتحرك سياسياً أو عسكرياً على المسرح الدولي بنفس الدرجة التي تتحرك فيها روسيا في مواجهة الولايات المتحدة، ولكن الصين قوة صاعدة أساسية وقوة اقتصادية جبارة استطاعت من خلال النمو وتأمين متطلبات هذا النمو وتبادلاتها التجارية… إلخ، استطاعت أن تحتل مكانة ولو أنها مستترة أو غير طاغية إعلامياً، إلا أنها مكانة حقيقية، فشبكة العلاقات الاقتصادية الدولية أضحت مركزاً حيوياً أساسياً للصين.
ويلفت سليمان إلى أنه في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تغزو العالم بالقوة العسكرية للسيطرة على مصادر الطاقة من خلال الهيمنة السياسية، كانت الصين تغزو مصادر الطاقة بالعلاقات التجارية والعلاقات السياسية أكثر مما تستخدم عضلاتها العسكرية. لذلك، فتشكيلة العلاقات الدولية القائمة حالياً بدون شك ليست نهائية، خاصة أن الولايات المتحدة تتزعم المعسكر الغربي وتسيطر على حلف الناتو.
ويصف وضعية النظام الدولي ب” غير الثابتة”، مشيراً إلى وجود مساعي محمومة من كل الأطراف لتجد صيغة تحقق توازناً وتكون أكثر عدلاً. فقد أصبح هناك ضرورة لإعادة النظر في هذا النظام، وطالما أننا لم نصل إلى حالة فيها تصويب للمؤسسات الدولية التي يفترض أن ترعى النظام الدولي وأن ترعى الأمن العالمي، فهذا يعني أننا لا نزال في مرحلة تنافسية طابعها الأساسي هو ليس بالحرب المباشرة، بل طابعها هو حرب بالوكالة، أو صراع بالوكالة، وهذا ما يجري في أكثر من منطقة من العالم، وفي عدة مستويات.
قد تكون صراعات المستقبل ليست كما الآن هي على مصادر الطاقة فقط، ستكون أيضاً على مصادر المياه، وبفعل التغيرات المناخية والبيئية. ولكن في نظرة موضوعية، الأشكال القائمة حالياً، حرب الوكالة، وبهذا الشكل العنيف الدائرة على المسرح العربي والإسلامي، في آسيا وافريقيا، لن تنتهي، أما المنافسات أو التوترات التي تحصل في المناطق الأخرى فلا تزال غير ناضجة أو مؤهلة لتصبح بؤر توتر أوسع، لذلك لا يجوز استباق أن ما يجري من منافسات اقتصادية أو مثلاً بشكل أساسي موضوع بحر الصين الذي يشهد توتراً أكثر ليصل الأمر إلى حدود المواجهة العسكرية إن كان إقليمياً بين الصين والدول المجاورة لها، أو الصين والدول الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة في تلك المنطقة.
د. سعيد ذياب: روسيا بدأت تبرز كقوة قائدة في تحالف دولي يضم نصف البشرية تقريباً
الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية أشار إلى أنه كما أسست الحرب العالمية الثانية لنظام عالمي جديد قوامه القطبية الثنائية، فإن مجيء غورباتشوف ووقوعه تحت مطرقة سباق التسلح، والتخلف الاقتصادي لبلاده، وفشله في إعادة البناء قاد إلى تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره، الأمر الذي أدى إلى بروز نظام دولي جديد تفردت فيه الولايات المتحدة وتربعت على القمة كقطب أوحد على المستوى الدولي.
ولفت ذياب في حديثه لنداء الوطن إلى أن حرب الخليج الثانية، مثلت أبرز تجليات النظام الدولي الجديد الذي أعلن عنه جورج بوش الأب في 13/4/1991. ويشير الرفيق ذياب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية استندت في فرض زعامتها على العالم إلى قوتها العسكرية والنووية مما أدى إلى انفرادها بالقرارات دون الالتزام بالشرعية الدولية، وبالتالي أصبحت هي المتحكم الدولي الرئيس وراحت الأزمات الدولية تنتظر رأياً أمريكياً من أجل الحل. كما أن تجاهل الأمم المتحدة وتهميش دورها في لعب أي دور لمعالجة الأزمات الدولية فاقم من استفراد الولايات المتحدة في القرار الدولي.
ويرى ذياب أن معاناة الوطن العربي جراء هذا التفرد الأمريكي كانت كبيرة جداً، حيث راحت الولايات المتحدة تكشف عن مخططاتها بشكل واضح لتقسيم المنطقة وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية لاستنزاف قدرات دولها وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية والضمان المطلق للأمن الإسرائيلي.
وأشار الرفيق ذياب إلى أن الجنوح الأمريكي باستخدام القوة يكاد يكون غير مسبوق خاصة في ظل قيادتها من قبل المحافظين الجدد، هذا الجنوح الدائم للقوة، كان في جوهر الأمر منه تدليلاً على السيطرة الاستعمارية الفجّة. باختصار –يقول ذياب- لقد كنا أمام مشروع أمريكي للهيمنة على العالم.
إلا أن هذه المرحلة (مرحلة القطبية الواحدة) راحت تشهد انحساراً في مناطق هيمنتها مقابل صعود آخر ولقوى دولية أخرى. ويعتبر الدكتور سعيد ذياب أن هزيمة أمريكا في العراق وأفغانستان أكبر دليل أن للقوة حدود، وأن إرادة الشعوب هي الأقوى، وأن قدرة هذه القوة غير ممكنة على إدامة الهيمنة.
ويكمل ذياب: “جاءت الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008، والتي لا يشبهها بحدتها إلا الأزمة التي شهدها العالم عام 1929، هذه الأزمة التي امتدت لتشمل أوروبا، في أثناء أزمة 2008، تصاعدت الآراء وتحدثت عن بداية تصدع الهيمنة الأمريكية وانهيار نظام الأحادية القطبية”.
في مقابل هذا التصدع في الوضع الأمريكي، بدأنا نلحظ صعوداً وتنامياً في الدور الروسي والصيني. ويشير الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الدكتور ذياب إلى أن هذا التنامي في الدور الروسي وضح من خلال العديد من المقومات، وفي المقدمة منها سعيها لإقامة نظام عالمي أكثر توازناً وسعيها لاستعادة مكانتها ودورها في المساهمة في قضايا الأمن والسلم العالمي والترتيبات السياسية والاقتصادية بحيث لا تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد ذلك. حيث جاء هذا السعي بعد التعافي الاقتصادي الذي شهدته روسيا، وبعد إعادة وتسليح الجيش الروسي بأسلحة حديثة.
ويلحظ ذياب أن المشروع الروسي ارتكز على الدعوة لنظام عالمي متعدد الأقطاب من جهة، وتفعيل دور الأمم المتحدة في حل الأزمات الدولية من جهة أخرى، ومطالبتها بأن يكون لها دور أكبر في حل القضايا الأساسية الدولية.
ولدعم مشروعها هذا، راحت تنسج تحالفات اقتصادية وسياسية وفي المقدمة منها دول البريكس (روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا، الهند، الصين) ومنظمة شنغهاي للتعاون (الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا، طاجكستان، وأوزبكستان) أي أن روسيا راحت تبرز كقوة قائدة في تحالف دولي يضم نصف البشرية تقريباً هذا التحالف يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون الدولي.
حروب بالوكالة والمنطقة العربية رهينة إعادة “تشكل” النظام العالمي
يستبعد الدكتور منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية في واشنطن أن يحصل اشتباك مباشر أمريكي أو أوروبي روسي في المسرح الأوروبي، فعلى الرغم من أنه لا يزال هناك مشكلة في أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، إلا أن طريقة التعاطي في هذه المنطقة، لم تتجاوز حدود الحرب بالوكالة، ومحاولة تطويق روسيا ومحاصرتها وإضعافها ستبقى من أهداف حلف الناتو ولكن لن تصل الأمور إلى التدخل العسكري المباشر.
ويلفت سليمان إلى أن الولايات المتحدة لم تعد في وارد الانخراط العسكري الواسع النطاق في أي بقعة وخاصة في منطقة العالم العربي، لذلك نلاحظ أنه يتم الاعتماد على القوات الخاصة، وحتى وصل الأمر إلى أن قائد القوات المركزية الجديد كان قائداً للقوات الخاصة.
والأمر نفسه يضيف منذر سليمان ينطبق على التدخل الأمريكي في قيادة خاصة في افريقيا USAFRICOM)) يعني القيادة العسكرية الافريقية لمحاولة تتبع أيضاً ليس فقط موضوع انتشار المنظمات الإرهابية، وإنما أمريكا لديها شعور بأن الصين تتسلل إلى إفريقيا وتحاول أن تعزز المبادلات التجارية والمشاريع الاقتصادية الكبرى والاستثمارات والقروض بسبب حاجتها الماسة للطاقة لتشغيل آلتها الصناعية الجبارة التي تغزو العالم بمنتجاتها.
ويضيف سليمان أن الملف السوري يعطينا فكرة عن طبيعة تشكيل النظام الدولي وانعكاساته الإقليمية في حال التوصل إلى هدنة طويلة أو حل سياسي. هذا نموذج، فالحرب على سورية هي حرب كونية فعلاً، وأي حل سياسي سيكون له انعكاساته الدولية والإقليمية، خصوصاً أن الانخراط الروسي الموسع عسكرياً لا يزال هو الذي سيتحكم، ولا بد من أن تحقق هزيمة ميدانية للمعسكر المعادي لسورية وأدواته، لكي يكون هناك عملية سياسية ثابتة وناجحة. وبغض النظر عن كيفية إخراج التسوية؛ المحصلة ستكون أحد عناوين صياغة النظام الدولي الجديد، لأنها ستعكس التوازنات وحدود المنافسة وحصيلة الصراعات وحصيلة حرب الوكالة وغيرها.
هذه التسوية وفق سليمان، ستكون مدخلاً بالتأكيد لتركيز وضعية إيجابية فيما يتعلق بمعسكر المقاومة عموماً، لتحقيق نفاذ من حالة الاستنزاف إلى دخول عملية تشكيل وعي وأمل عربي يعيد تصويب بوصلة الصراع في المنطقة، فالصراع يجب أن يكون ضد الهيمنة الأمريكية وضد الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين.
إذن، يختم الدكتور منذر سليمان حديثه بالإشارة إلى أن هناك بدون شك منافسة اقتصادية ومالية وثقافية معنوية، وهناك المنافسة بالحروب بالوكالة. ويصف سليمان ما يجري في منطقة العالم العربي في أكثر من جانب تعبيراً عن هذا الأمر، والذي هو اصطفاف معسكرات، ولكن علينا أن نقر أنه في ظل عدم وجود نظام دولي مستقر وثابت، بعض اللاعبين الإقليميين خصوصاً في منطقتنا يحاولون جاهدين توسيع نطاق القدرة على المناورة وعلى توسيع الدور والنفوذ، هنا نجد بعض جوانب المنافسات تجري مثلاً بين تركيا وإيران والسعودية، وغياب مصر عن القدرة على لعب دور مركزي أساسي، بالإضافة إلى غياب سورية بإبعادها وأيضاً تكبيل العراق لمنعه من لعب دور أساسي، والمؤسسات العربية أصبحت مؤسسات شكلية مثل جامعة الدول العربية وغيرها، هذا أحد الدلالات على المخاض الذي يعيشه الوضع الدولي بانتظار أن يتم إرساء نظام دولي جديد أكثر ثباتاً وتوازناً وأكثر عدلاً يعكس ما جرى من تطورات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.
الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية، يرى أن التوجه الروسي إلى الحزم في المسألة الأوكرانية ونجاحه في حربه مع جورجيا، أظهر أن روسيا غير مستعدة للتهاون مع أي تهديد لهيمنتها في موضوع الطاقة.
ويلفت ذياب إلى أن التدخل العسكري الروسي في سورية جاء ليزيد من مساحة التأثير بل يفرض نفسه كلاعب رئيسي في المنطقة، وعدم السماح للولايات المتحدة بالتفرد والاستمرار بمخططاتها.
ويختم الدكتور ذياب حديثه لنداء الوطن بالتأكيد على أننا بتنا على مشارف انتهاء عصر القطبية الواحد، ولكن السؤال هو عن طبيعة العصر القادم، ونمط العلاقة بين القوى الدولية، ونوع القوة التي يمكن الاستناد إليها، خاصة وأن تغييراً حصل ويزداد تعمقاً من أن التحالفات الاقتصادية هي التي باتت تتصدر المشهد الدولي. ويكمل: “روسيا الصاعدة والصين الصاعدة وبقوة، والباب مفتوح، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاستمرار في التربع على رأس العالم، هذا العالم يريد التخلص من هيمنة الجانكي”.
ويبدو أن الموقع الجيوسياسي للمنطقة العربية يفرض عليها أن تبقى رهينة النزاعات الدولية، منذ الاحتلال العثماني مروراً بتقاسم النفوذ البريطاني الفرنسي (سايكس – بيكو) ووعد بلفور وانتهاءً بالنظام العالمي أحادي القطبية الذي فرض أمريكا الإمبريالية والحليف الإستراتيجي للكيان الصهيوني كقطب أوحد في العالم وما جرّه هذا من ويلات على الأمة العربية. وبالتالي فإن كسر هذه الأحادية سيصب بالتأكيد في مصلحة الأمة العربية والمشروع القومي.