العروس / ابراهيم المومني
كتبه: ابراهيم المومني
تصبب عرقاً ، أشعل سيجارة و تركها تزن أحزانها بماء عيونها على السرير.
مرّة قالت لهُ أمه أنه لقيطٌ نسيته قبائل النَوَر على ساحة البيادر في وسط القرية ، التقفته أمه وربتهُ مع أشقائه الكُثُر .
يبكي بتفجع، يضحك الأشقاء، يزرّق الفضاء حُزناً ، تحضنه أمه فيحبس الدموع بثوبها حتى ينام .
اسم عروسه ” نَرجس ” ، و هو اسمٌ لورودٍ نادرة الورود على ملامح بيوت القُرى أو بناتها .
غنت النساء ..
” يا هالعريس من بلادك ما اريناها ..
يا بدلتك من جبل عجلون قطعناها ..
و تفصلت في حلب و اهتزت الشام .. ”
و اهتز رهبةً ، اهتز حتى إرتجت اللفافة في يده ..
مرة قال له صديقه : أنت رجل يسهُل نسيانه كأي هامش .. سهل النسيان كمواعيد المحاضرات الجامعية .
كانت مزحة ، مزحة سوداء ..
قال مُعاتباً : نرجس .. ما دُمت لا تحبينني ، لمَ تزوجتني ؟!
لم تُجب .. فتلعثم و قال : أتريدين الطلاق ؟!
لم تُجب ..
قال : أغُصبتِ على ذلك ؟
بكت ..
نرجس كانت امرأة من نارٍ و سنديان، أجمل الورود و أكثرهن حُزناً ، قال لها ذلك عشيقها في قصيدة واهنة ليلة قبلّها للمرة الأولى .
قال بصوته الحامض الكريه : هبيني رحيق غنجك ، هبيني يقطين فرحك ، برقوق شبابك ، هبيني اكتنازاً لا أعرفه ..
فوهبته كُل ذلك ، بصمتٍ جليل ، بصمت يُهاب فيُقدَس .
كُل ذلك جرى في ليلة نديةٍ تبدو الآن كحُلمٍ بعيد .
علم إخوتها بأمر حُب فاجرٍ تتبادله مع أستاذ المدرسة القادم من الغرب ، حاولوا قتله لكنه كان قد هرب و تركها وحيدة في وجه الكارثة .
زوجت لأول طالبٍ أرخى لها إرادته ، هُددت بالقتل إن لم توافق .. فوافقت .
- طلقني ..
وقف أمامها كفسيلة خلعتها الريح ، قال مفتوناً بغطرستها : انتِ طالق .. طالق .. طالق ..
في الصباح قتلها إخوتها على باب منزلها ، شربت الحياة دمها ، فتجشأت كتماناً لف الحادثة من شروشها ، لتُسجل كواقعة انتحار .
أما هو فقد غرق في هوامشه كأي طيرٍ مهاجر او كأي يوم سبت .