أخبار دولية

ترامب يفي بوعوده الانتخابية ويتقمص دور “الكاوبوي الأمريكي”

في ظل تصاعد التوتر في الإقليم والعالم، تأتي تداعيات زيارة ترامب للمنطقة العربية وأوروبا لتوسع الهوة بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وتشعل ناراً في الخليج بدأت شرارتها بالخلاف السعودي الإماراتي من جهة وقطر من جهة أخرى. فمن تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران في زيارته الأسطورية للسعودية وتحصيل مئات مليارات الدولارات للخزينة الأمريكية، إلى الانسحاب من اتفاقية باريس بعد جولته في أوروبا والتي يرى فيها ترامب إضراراً بالمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة، يصف المحللون أن سياسة صرف الأنظار التي يتبعها ترامب لن تجدِ نفعاً في إنهاء الهجوم الداخلي الذي يهدد بقاءه في الرئاسة.
سياسة ترامب في الترويج للسياسات الأمريكية بالسمة العامة، والرامية لاستعادة المجد لأمريكا “أمريكا أولاً”، لا تختلف عن سياسات الرؤساء الذين سبقوه إلا بالوضوح الشديد والقساوة في الكلام، فأسلوب الكاوبوي الأمريكي الذي يتبعه ترامب كشف الوجه الحقيقي لتلك السياسات التي تتبع مبدأ الربح والخسارة في التعاملات بين الولايات المتحدة والعالم، والتي تستهدف تمزيق دول العالم وإخضاعها للسيطرة والإرادة الأمريكية. إذن هي السياسات ذاتها لم تتغير، فما الذي يبقي الهجوم على ترامب قائماً، وخصوصاً الاستخباراتي الذي ما زال يهدد وجوده بالتنحي أو الاستقالة؟!

ترامب في السعودية.. وغايات الزيارة “التاريخية”

يرى الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية في حديث خاص لـ نداء الوطن أن اختيار ترامب للسعودية كأولى محطاته خارج الولايات المتحدة منذ توليه الرئاسة، والمشاركة في “قمة معاداة إيران” والتسويق البهلواني للخطر الذي تمثله لأمن واستقرار المنطقة والعالم ما يستدعي الحاجة لبناء حلف معادي لها، وتوجيه كل السهام نحو إيران، كل هذا يشكل ترجمة لمخطط الإدارة الأمريكية الجديدة واستراتيجيتها المتمثلة بتأجيج التوتر والحيلولة دون التوصل إلى تسويات وحلول سياسية لأزمات المنطقة من سوريا إلى اليمن فالعراق وليبيا، لأن أجواء الاستقطاب والتوتر وحرف بوصلة الصراع عن خطها الصحيح، لتصبح بين العرب وإيران، وبناء حلف “خليجي أمريكي صهيوني” في مواجهة قوى المقاومة والممانعة، تحقق الأهداف الاستراتيجية والحيوية لهذا الحلف وعلى رأسه حماية الكيان الصهيوني، وتحفيز صفقات بيع السلاح الأمريكي، وضمان خلط الأوراق للحيلولة دون اكتمال الحل السياسي في سوريا واستقرارها.

السبايلة: الرياض هي نقطة ارتكاز في إعادة ترتيب أوراق المحور الأمريكي وهنالك رغبة أمريكية بإنهاء أدوات ومفاعيل مشروع الاسلام السياسي للمنطقة

فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي د. عامر السبايلة أن اختيار الرياض لتكون أول محطة في أول زيارة للرئيس ترامب تحمل مضامين متعددة الأبعاد، أهمها أن الرياض هي نقطة ارتكاز في إعادة ترتيب أوراق المحور الأمريكي والذي بدأ يأخذ بُعدين رئيسيين. الأول: مكافحة الإرهاب باعتبار السعودية شريك أساسي في بناء الحلف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الأمر الذي يسهّل على الإدارة الأمريكية التعامل والتعاطي مع هذا الملف الشائك، ومن هنا تأتي رمزية وجود المركز العالمي لمكافحة التطرف في الرياض.

ترامب والأزمة الخليجية

بعد انتهاء زيارة ترامب للمنطقة بأقل من أسبوعين، تفجرت أزمة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، كان من تداعياتها فرض السعودية والإمارات والبحرين حصاراً اقتصادياً على قطر وتهديدات لها بضرورة “وقف تمويل المنظامت الإرهابية وقطع العلاقات مع إيران”. وهو الأمر الذي اعتبره بعض المحللين انعكاساً لـ”رؤية ترامبية” جديدة للمنطقة.

ويختلف الدكتور عامر سابيلة مع هذا التحليل، حيث يرى أنه لا يوجد هنالك رؤية ترامبية للمنطقة، بل رغبة أمريكية بإنهاء أدوات ومفاعيل مشروع الاسلام السياسي للمنطقة والذي كان في حقبة “الربيع العربي”،. ويضيف السبايلة أن ترامب يرغب في انتقال المنطقة إلى نوع من الاستقرار وبالتالي هذه الأدوات فقدت قيمتها وانتهت صلاحيتها، وهذا الذي يفسر مثلا تشكل مناخ الهجوم على قطر كونها أصرت على الاستمرار بالسياسة القديمة التي أدت لأزمات سابقة مع دول الخليج. هذا هو الاختلاف والخلاف الأكبر في موضوع قطر.

الدكتور عصام الخواجا برى أن جوهر الخلاف هو في المنافسة على الدور القيادي سعودياً والدور الندّي قطرياً في من يتحكم بمجريات الأحداث في الإقليم من خلال الأدوات الميدانية من مجموعات مسلحة وتكفيرية في ميدان الحرب ضد حلف قوى المقاومة في أكثر من مكان، وفي القلب منها سوريا.

ويؤكد الدكتور الخواجا على أن خيارات قطر محدودة، رغم الحديث عن تحالف تركي-إيراني-قطري. فتشكيل الحلف الثلاثي يستدعي قضايا كبرى مشتركة لدى الأطراف الثلاث، وهذه القضايا المشتركة غير متوفرة حتى اللحظة. ويتوقع الخواجا أن تخضع قطر لإرادة واشنطن والسعودية وتقدم التنازلات وتعود لحظيرة مجلس التعاون الخليجي من موقع أضعف وأقل تأثيراً.

جولة ترامب الأوروبية وتبعاتها

الدكتور عامر السبايلة وفي حديث خاص لنداء الوطن يرى أن البُعد الاقتصادي المهيمن على عقلية الرئيس ترامب تجلّى بصورة واضحة في لقائه بأعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حيث ساد في أوساط الحلف نوع من أنواع القلق حول طبيعة الدور الأمريكي في ظل إدارة ترامب. لكن بالرغم من أن ترامب لم يتخذ أي قرار مباشر، إلا أنه بلا شك أوصل رسائل مهمة بشأن تمويل الحلف ودور أعضائه ومستقبل تواجد الولايات المتحدة وطبيعة دورها في داخل الحلف، مما يشير بوضوح أن العلاقة القادمة لا بد من إعادة صياغتها وأن كثيراً من الدول مضطرة للتعاطي مع رؤية أمريكية جديدة ودور أمريكي أقل انخراطاً في قضايا الحلف وأولويات متفاوتة.

الخواجا: الافتراقات في المواقف بين إدارة ترامب من جهة والدول الأوروبية من جهة أخرى هي تعبير عن التحولات في إعادة صياغة التوازنات الدولية وتعدد الأقطاب

ويضيف سبايلة أن انسحاب الولايات المتحدة من كثير من الاتفاقيات الدولية والانقلاب على المواثيق الموقعة مع حلفائها يبدو أنه إحدى سمات إدارة ترامب، التي تظهر بوضوح أن المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وشركاتها تتصدر أولويات هذه الإدارة، حتى لو كان الثمن الانقلاب على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمناخ والبيئة، وهذا ما تجلّى بالموقف الأمريكي الأخير من اتفاقية المناخ والذي قد تتبعه خطوات أخرى متعلقة بحرية التنقيب على النفط والصخر الزيتي بغض النظر عن المحددات البيئية.

ويرى الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية أن خلاف ترامب مع حلفائه سواء في حلف الناتو أو على مستوى الدول السبع العظمى هو خلاف جدي. وهذه الافتراقات في المواقف بين إدارة ترامب من جهة والدول الأوروبية وباقي الدول الصناعية الكبرى من جهة أخرى هي تعبير آخر عن التحولات في إعادة صياغة التوازنات الدولية وتعدد الأقطاب.

ويضيف الخواجا “لقد تبلورت في العقد الأخير جملة معطيات موضوعية لم تعد بموجبها الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى الأوحد، حتى لو لم يكمل ترامب ولايته، ووصلت مراكز القرار والنفوذ داخل الولايات المتحدة الأمريكية للقناعة بضرورة إخراج ترامب من البيت الأبيض قبل إكمال سنوات رئاسته الأربع، واستطاعت ذلك، فإن كل هذا لن يعود بعقارب الساعة للوراء”.

أزمات ترامب الداخلية

جولات ترامب الخارجية، تزامنت مع استمرار حملات مناهضة له داخل الولايات المتحدة، ابتدأت منذ إعلان فوزه بالانتخابات ولم تنتهي حتى اللحظة.

ويرى الدكتور عامر السبايلة أن ترامب يشكّل ثورة غير تقليدية في طبيعة إدارة الملفات الأمريكية، من الواضح أن نمطه غير التقليدي يواجه كثيراً من قوى الشد التي تمثل إدارات سابقة، لكن بلا شك إلى الآن الواقع الاقتصادي في تحسّن، حيث يعتقد ترامب أن التحسّن الاقتصادي هو مفتاحه إلى الداخل الأمريكي وهدفه الرئيسي في العلاقات مع الخارج. لكن بلا شك أن هناك من يعتقد بأن ترامب يشكل تهديد حقيقي لمصالحه ومصالح الولايات المتحدة، وبالتالي هناك عمل واضح على شيطنة صورته، فلوبي الإعلام يعمل بشكل واضح على التأسيس لفكرة العزل السياسي، لكن من زاوية أخرى لا شك أن ترامب يخدم أيضاً مصالح لوبيات قوية ووازنة في القرار الأمريكي، كـ لوبي السلاح على سبيل المثال، الذي يرى في ترامب نموذجاً مهماً لرئيس قادر على خدمة وتلبية مصالح هذا اللوبي النافذ.

فيما يعتبر الدكتور عصام الخواجا أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الأكثر شعبوية من بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، فهو تعبير عن مستوى جديد من استعصاء الأزمات المتلاحقة والمركبة التي يعيشها وينحدر إليها الاقتصاد الأمريكي كنموذج رأسمالي إمبريالي، لكن كل ذلك في المحصلة، لم يُحدث انقلاباً، في كون القطاعات الاقتصادية الأساسية واستثماراتها وعلى رأسها المجمع الصناعي العسكري تشكل المحرك للاقتصاد الأمريكي برمته بمختلف قطاعاته المدنية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى