أخبار دولية

اليمين الفرنسي في صعود .. هل يظفر برئاسة الجمهورية

تبدو انتخابات الرئاسة الفرنسية لهذا العام فريدة على أكثر من صعيد؛ للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة، يستنكف فيها الرئيس عن الترشح، وقد دفعه الى ذلك تراجعه المحرج في استطلاعات الرأي، والهجوم عليه  حتى من داخل حزبه، وسط حالة من صراع الزعامات في  الحزب الإشتراكي.

مرشحة اليمين المتطرف تتقدم  أمام الجميع. بينما هناك إتجاهات قوية تُغيِّب الصراع الإجتماعي  وتدفع باتجاه معادلات صراعية مفتعلة بين خط إقتصادي أوروبي ليبرالي، وبين خط محافظ قومي .

تاريخ حزين تعيشه فرنسا حالياً، وكأنها أضاعت فترة  كاملة من تاريخها تعيدنا إلى أجواء الحالة السياسية  بُعيد الحرب العالمية الثانية.

 الظرف الدولي والأوروبي يعيشان أزمة هجرة متصاعدة  ونكوص إلى الهويات المغلقة، والأسئلة الوجودية حول مستقبل أوروبا، وهاجس  خطر الإرهاب، وصعود الصين المحير، وعلاقة أوروبية متذبذبة مع روسيا، وشكوك محقة بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

على الصعيد الداخلي تواجه البلاد تحديات  متعددة كأزمة البطالة، واهتراء أنظمة التقاعد والضمان الإجتماعي،  واختلالات الموازنة وتصاعد الدين العام، وتحديات أمنية وبيئية.

وسط هذه الفوضى يبدو اليسار الفرنسي منقسماً  تجاه التوجهات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. فبرز مؤخراً الإشتراكي بنوا هامو، وهو وزير سابق منشق ويتموضع على يسار الرئيس هولاند. دفعه الحزب  ليبعد به جان لوك ميلانشون، مرشح اليسار الراديكالي الذي يعتبر شخصية ديناميكية ومُحاور صعب، ويطرح برنامجا واعدا، ويمثل في ترشحه اليسار الموحد والحزب الشيوعي وجزءً من الجناح اليساري للإشتراكيين.

من تخوم اليسار أيضاً، يُقدم رجال الأعمال والمصارف الفرنسية الشاب؛ إيمانويل ماكرون، الموظف السابق في بنك روتشيلد  ووزير المالية الأسبق في حكومة فالس، ويتموضع عملياً ضمن الوسط الليبرالي. صعد بصورة مفاجئة في استطلاعات الرأي تحمله فقاعة إعلامية وحملة نجومية،  وحصل على دعم الصحافة الأميركية والبريطانية ويحوز على تأييد بعض اليمين الجمهوري ويسار الوسط، اندفع إلى المعركة  ليواجه مرشحة اليمين المتطرف في الدورة الثانية.

أمام هذه الصورة، بدا وضع اليمين الجمهوري أفضل وإن كان لم يسلم  تماماً من صراع الأفيال داخل صفوفه، قدّم فرانسوا فيون; رئيس وزراء حكومة ساركوزي، شخصاً هادئاً وفعالاً في العمل، متزمت في إصلاحاته الإجتماعية، مشروعه ليبرالي على الصعيد الإقتصادي الإجتماعي ويهدف إلى تقليص النفقات الحكومية، بإلغاء نصف مليون وظيفة عمومية، وتمديد ساعات العمل ورفع سن التقاعد. ينادي بأوروبا قوية، وشراكة  مع روسيا.

يزاود على اليمين المتطرف وينادي بالتشدد في موضوع الهجرة وبفرض قيود ذات طابع عنصري تمييزي. كان يراد له أن يقف بقوة أمام مرشحة اليمين المتطرف، قبل أن تتكشف الفضيحة المالية لزوجته وولديه بتقاضي مبالغ كبيرة من الموازنة العامة مقابل مهام لم يقوموا بها مطلقا!

وسط هذا الإزدحام، تبرز مارلين لوبان  كتحدي إشكالي للإنتخابات الفرنسية القادمة، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية القومية بدون منازع، تدعي  بأنها عملت كثيراً لتخفيف النزعة الشوفينية “للجبهة”، وتجميل صورتها في أوساط الرأي العام على أسس تجديدية.

لكسب أصوات من اليمين الليبرالي، طرحت إنفتاحاً موارباً تجاه الزواج المدني، وحق الإجهاض وسحب عقوبة الإعدام، وفي مغازلة للمزارعين، تدعو لقوانين حمائية، والإستقلال الزراعي. وفي سعيها لخصخصة قطاع الطاقة، تنادي بالخروج التدريجي من الطاقة النووية، وتخفيض سريع من الضرائب على المنتجات النفطية.

معارضة لليورو والعملة الموحدة، وتعد بإرجاع السيادة الفرنسية النقدية، وتذكرنا بسياسات ترامب في الإنكفاء إلى الداخل، مع الاحتفاظ “بالتعاون” الخارجي المجدي، كالدعوة لإقامة شراكة مع روسيا في موضوع الطاقة.

تركز في حملتها على مواقف عنصرية معادية بشراسة للهجرة،  وتدعو إلى حرمان المهاجرين من مكتسبات التجنيس والجنسية.  تتبجح بأنها بذلك إنما تجسد الطموح القومي والعودة إلى فرنسا “العظيمة”.

بعد شهرين من الآن، سيقف الناخب الفرنسي في الدورة الأولى أمام خمسة مرشحين جديّين، وسط حالة من الضبابية السياسية، وسينتقل إلى الدورة الثانية مرشحان ممن يحصلون على أعلى الأصوات. التقديرات تأكد بأن مرشحة الجبهة الوطنية ستجتاز الدورة الأولى. أما في الدورة الثانية، تتحول معظم قوى الجمهورية للاصطفاف إلى جانب منافس اليمين العنصري تحت شعار إقامة السدود في وجه التطرف! هل سنشاهد التجربة تتكرر هذا العام!؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى