مؤتمر دافوس (2017) تمركز الثروة وتوليد الفقر
انتهت أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي أو ما يسمى اختصاراً مؤتمر دافوس في سويسرا، والذي كان قد عقد جلساته في الفترة بين (17 _ 20) يناير 2017. وقد حضر اجتماعات المنتدى أكثر من (3000) شخصية يمثلون رؤساء حكومات ورؤساء دول ورؤساء شركات ورجال أعمال في مختلف المجالات الاقتصادية بالإضافة إلى شخصيات إعلامية ومنظمات مدنية، كلهم تم انتقائهم بتروٍ ووفق شروط ومواصفات تتماهى مع سياسة المنتدى وأهدافه.
ولاحظ المراقبون أن مؤتمر دافوس هذا العام لم يكن له ذلك الوهج الإعلامي الذي حظي به غيره من المؤتمرات السابقة ويعود ذلك في نظر المراقبين إلى فقدان الثقة بالرؤساء والزعماء السياسيين ولأن الناس يرون أن قادتهم قد خذلوهم في توفير الحدود المقبولة من العيش والكرامة والأمان، وكذلك لأن معظم مواطني الدول لم يلمسوا أية آثار أو نتائج إيجابية من مؤتمرات دافوس على امتداد (14) عاماً حيث انعقد أول اجتماع لدافوس عام (2003).
وقد تركزت الاجتماعات واللقاءات الثنائية على البحث في الدور التعبوي لسياسات النيوليبرالية للبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والتي تستهدف بالأساس _ كما أفادت التقارير الصادرة والمتسربة عن المؤتمر_ خصخصة الخدمات السياسية وتحرير السوق وخلق مناخ للاستثمار وإصلاحات سياسية حيث يهيمن على المؤتمر لفيف من النخب الاقتصادية إلى جانب ممثلي كبرى الشركات المتعددة الجنسيات أمثال نستلة ونيكي، ومايكروسوفت، ويكتل.
أما رؤساء الحكومات والوزراء وبعض منظمات المجتمع الدولي فقد تم (اختيارهم بعناية) وفق ما أفادت التقارير.
وهؤلاء اجتمعوا في الواقع على خلفية صورة لواقع العالم الذي كانت تقوده الإمبريالية الأمريكية وفشلت فيه، وهذا الواقع كما ورد في تقرير أوكسفام يشير بأن عددهم ازداد أضعافاً، خاصة في الدول التي اتسعت فيها الفجوة وعدم المساواة، حيث بين التقرير أن (7) من كل (10) يعانون من الفقر، وأن (10%) من الفقراء ازداد دخلهم (2.7) دولاراً سنوياً فيما (10%) من الأثرياء ازداد دخلهم (182) مرة. وعلى ذلك، فإن الاستطلاعات تخرج بنتائج مثيرة وخطيرة وانطباعات عن تزايد العداء من جانب شريحة كبيرة من الشعوب في أوروبا، حيال العولمة وقطيعة متزايدة بين النخب السياسية والطبقة الوسطى.
وعلى ذلك، فقد أصبحت العولمة التي لعبت درواً شريراً في هلاك الدول النامية والفقيرة، وثم فيق وأحيط المجتمعون في دافوس (2016) بكراهية شعوب العالم لها، هذه العولمة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت، وذلك على الرغم من أن العولمة كانت سبباً للأزمات الأوروبية كالهجرة.
وفي ضوء هذه المخاوف من انهيار العولمة في ظل انسحاب الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب وانعزالها عن العالم، فإن المجتمعون الرئيسيون في دافوس بذلوا مزيداً من المحاولات لإنقاذها، لقد تبين حسب تقرير لمنظمة بلجيكية نشرت حول الفقر، أن ثروة (8) أشخاص تعادل ثروة نصف سكان العالم.
وأظهرت نتائج اختيار السببية (VAR) Vector Autoreg ression أنه لا يوجد للاستثمار الأجنبي وتحرير التجارة أثر إيجابي على معدل النمو الاقتصادي، ويعد تهديد ترامب بإلغاء مناطق التجارة الحرة في مناطق في العالم، فقد اعتبر ذلك في المنتدى بمثابة قرع جرس الإنذار، وحسب نتائج (VAR) فإن الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)Foreign Direct Investment، انخفض عام (2015) بنسبة (5.5%) مقارنة مع عام (2014) حيث يمثل هذا الاستثمار إحدى الصور الأساسية للعولمة والشركات متعددة الجنسية الدور الرئيسي في تدفقاته وهنا يحاول رجال دافوس تقديم صورة مغايرة لتلميع الصورة بالقول، أن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل مما كان عليه قبل سنوات، وأسواق الأسهم تزدهر وأسعار النفط في طريقها للصعود وثمة تراجع في خطر تباطؤ سريع مثل في الصين الذي كان مصدر قلق للعالم قبل سنة.
إذن، فإن كلاً من العولمة والتجارة الحرة، والرأسمالية القائمة على اقتصاد السوق، أصبحت تفتقر إلى أي بريق، وهذا ما يعتقده الكاتب جاي ستاندينع الذي ألّف العديد من الكتب عن طبقة جديدة تفتقر للأمان الوظيفي والإيرادات المضمونة.
وإذا كان الأمر كذلك، فأين العرب الذين تتم دعوتهم سنوياً لحضور المنتدى؟ لقد أطاحت الانتفاضات بالعديد من الرؤساء والوزراء العرب (12) رئيساً ووزيراً كانوا يدعون سنوياً إلى دافوس ذهبوا حيث أطيح بهم.
ومن حضر من العرب يعانون في بلدانهم من شتى أنواع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبلدانهم مثقلة بالديون، ويفتقرون إلى الاستثمارات، والفرص الاستثمارية، إذن لماذا يدعون إلى دافوس، لا بد وأن دعوتهم تنطوي على أبعاد أخرى، أبرزها الإبقاء على أوضاع بلدانهم بدون مشاكل تهدد مصالح الشركات الكبرى ونهب الخامات والثروات، ونشر ثقافة (السلام) وثقافة (التطبيع) مع (إسرائيل)، مثال على ذلك، تلتقي النخب السياسية العربية في هذه المؤتمرات ويشربون الأنخاب مع الإسرائيليين.
وحول مشاركة الأردن، حيث الأردن من أكثر البلدان التي حظيت باجتماعات المنتدى، وعقد المنتدى (8) مرات في منطقة البحر الميت، والمؤتمر التاسع سيعقد في الفترة بين 19 _20 أيار المقبل فإن محاولة عقد المنتدى كما في كل مرة هو إبراز الأردن كوجهة استثمارية مستقرة، ويأمل الأردن في جذب مشاريع مولدة لفرص عمل للأردنيين.
ووفق ما صدر عن المؤتمر في دافوس بسويسرا، فإن الاجتماع المقبل في أيار سوف يتناول التحولات الجيوسياسية والتحديات المرتبطة بالعمل الاتحادي والإنساني في مسعى لمعالجة التحديات في سوريا والعراق وليبيا.
هذا كل ما يمكن أن يقال عن دافوس (2017)، كل الحديث انصب على حضور الرئيس الصيني شي جيننغ، لقد اعتبر نجماً للمؤتمر، وحضوره كان إشارة إلى ثقل الصين المتزايد في العالم. لقد هيمن الحضور الصيني على المنتدى، هكذا تقول معظم التقارير، حتى رئيسة وزراء بريطانيا، والرئيس الفرنسي كان حضورهما هامشياً، فيما غابت المستشارة الألمانية عن المؤتمر. إنه بحق مؤتمر صيني في دافوس.