تداعيات اتفاق دول الأوبك الأخير في الجزائر
في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، تداعت دول الأوبك الــ 14 إلى الاجتماع في الجزائر لوضع سقف محدد للإنتاج وإيجاد توازن في السوق، بعد 8 سنوات من فوضى الإنتاج التي أطاحت بأسعار النفط العالمية، بحيث فقد سعر البرميل 50% وأكثر من ذلك، ثم تهاوى السعر من حوالي 120 دولار للبرميل إلى أقل من 30 دولار.
وكانت دول الأوبك قد أخفقت في التوصل إلى الاتفاق على تحديد سقف للإنتاج في مؤتمر فيينا في 2/6/2016، وقد توصل المجتمعون في الجزائر إلى الاتفاق بالإجماع على تخفيض إنتاج المنظمة من 33,24 مليون برميل يومياً إلى 32,5 مليون برميل، حيث وافقت المملكة السعودية على خفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل، فيما وافقت إيران على خفض إنتاجها تدريجياً ليصل إلى 3,7 مليون برميل من أصل 4 مليون برميل.
ونتيجةً لهذا الاتفاق، قفزت أسعار النفط بما يزيد على 5% للبريمل وذلك يوم إعلان الاتفاق الذي لم تكن دول الأوبك نفسها تتوقع التوصل إليه بهذه السهولة، فما الذي دفع بالمجتعمين إلى اتفاق تعذر منذ عام 2008؟ ومَن من دول المنظمة كان له الدور المؤثر في ذلك؟
أولاً: هناك إجماع بين المؤتمرين على أن الجزائر لعبت دوراً مؤثراً في إقناع المجتمعين على التوصل إلى الاتفاق، وقد استجابت كل من السعودية وإيران للطلب الجزائري، وقد أظهر الاجتماع القوة التفاوضية للجزائر، حيث نجحت في جمع فرقاء لم تجمعهم طاولة مفاوضات جنيف بشأن القضايا السياسية.
ثانياً: قبل يوم من الاتفاق يوم الثلاثاء، أطلق وزير الطاقة السعودي خالد المفلح تصريحاً لافتاً قال فيه “ينبغي السماح لإيران ونيجيريا وليبيا بالإنتاج بالمستويات القصوى المعقولة”. لقد اعتبر هذا التصريح تحولاً استراتيجياً للسعودية التي غالباً ما رددت أنها ستخفض الإنتاج فقط في حال قيام الدول الأعضاء (أي أوبك) والمستقلين (أي روسيا) بالمثل.
ثالثاً: لقد عانت أسعار النفط الخام خلال السنتين ونصف الماضية من تخمة المعروض ومحدودية الطلب، مما أدى إلى تراجع سعر البرميل من النفط إلى مستوى متدني، وترافق هذا التراجع مع تراجع الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وأصبحت معظم الدول تعاني من عجز في موازناتها العامة مما أدى إلى انخفاض إيراداتها العامة، وهذا دفع ببعض الدول مثل السعودية والكويت والإمارات إلى تخفيض إنفاقها الحكومة وفرض زيادة معدلات الضرائب.
وهنا يبرز السؤال التالي: هل انخفاض إيرادات هذه الدول وإنفاقها الداخلي والخارجي تسبب في إنهاكها اقتصادياً وتسبب لها بكوابيس سياسية حتى تتخلى عن تشنجاتها مع دول مثل إيران وروسيا، وإلى ماذا تقود هذه المرونة التي أبدتها في الاجتماع؟
البعض يرى أن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة ستشهد توتراً كبيراً في الأشهر القادمة بسبب قرار الكونجرس الأمريكي ضد السعودية “جاستا”، كما وأن تمويل الصراع في كل من سوريا واليمن وليبيا تبخر بدون فائدة وبدون تحقييق أي إنجاز يوازي الأموال التي أنفقت، ولم تعد تتحمل مزيداً من الإنفاق على التدخل في صراعات المنطقة، حتى أن أحد الخبراء وصف الاجتماع بأنه بادرة خير من الناحية السياسية في حل المشكلة السورية وربما تقارب سعودي إيراني.
من الطبيعي المرور على الاتفاق ومدى تنفيذه قبل اجتماع فيينا في 30/11/2016، هل تنجح اللجنة المعينة في أوبك بمشاركة روسيا في تحديد سقوف الإنتاج لدول أوبك؟
في الحقيقة لا يوجد إجماع بين المحللين والخبراء على نجاح دول الأوبك في اجتماع فيينا، فالبعض يرى أن القرار غامض وهو مجرد (ضربة إعلامية)، ونجاحه مرهون بأزمات دول الربيع العربي، وإلى ذلك يرى خبير نفط عراقي أن هناك دائماً مخاطر كبيرة في استقرار سوق النفط خاصة وسوق السلع عامة ليس بسبب علاقة ذلك بالعرض والطلب فحسب بل بتطور الأوضاع السياسية والأمنية أيضاً، ولذلك نلاحظ أن الشكوك حول تنفيذ الاتفاق أطاحت بالزيادة التي شهدها سعر البرميل يوم الأربعاء ووصل سعر البرميل إلى 49 دولاراً وإلى 48,5 دولار في اليوم التالي الخميس.
الخطر الوحيد حسب الخبراء على الاتفاق يأتي من الولايات المتحدة، ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط، حيث يخشى أن أمريكا في حال خفضت أوبك وروسيا إنتاجها أن ترفع من إنتاجها من النفط الصخري، وهذا يؤدي إلى نتائج عكسية، وهنا تصريح لمبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة (آموس هوكستاين) يوم الخميس يقول، أنه لا يعتقد أن اتفاق أوبك سيرفع أسعار الخام العالمية لفترة طويلة.
ومما لا شك فيه، أن دول كثير تحبذ انخفاض أسعار النفط، إذ من المعروف أن النفط لعب دوراً استراتيجياً في السياسات الدولية، كونه المصدر الأكبر والأهم للطاقة والمحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، وتهاوي أسعاره يمثل فرصة ذهبية لإنعاش اقتصادات هذه الدول وتوفير مليارات الدولارات، ومن هذه الدول، تركيا (90% من حاجتها للطاقة مستوردة)، ومنطقة اليورو، والصين، والهند، وأمريكا، وإذا شئنا التطرق للأردن، نقول، إن فاتورة النفط سجلت خلال الـــ 11 شهر الأولى من العام 2015 نحو 2,349 مليار دينار بانخفاض 41.4% مقارنة بنفس الفترة من العام 2014، إذ بلغت 4 مليار دينار بالرغم من ارتفاع حجم الاستيراد من النفط 16%، والسؤال، إذا كانت الدول ذات الاقتصادات الكبرى قد عرفت كيف توظف الفارق، فهل الأردن وظف ما يحصل عليه من أموال في تخفيض أزمته المالية والاقتصادية؟