أخبار دولية

من “التكفير والهجرة” إلى داعش.. لمصلحة من يتم تفقيس التنظيمات المتطرفة؟!

في الوقت الذي كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، تعلن التعبئة العامة على صعيد الطلبة والشباب في مواجهة العدوان الصهويني على لبنان آخر معاقل المقاومة الفلسطينية المسلحة آنذاك، كانت القوى الإسلامية من إخوان مسلمين وسلفيين بقيادة السعودية، تعمل على تحشيد الشباب والطلبة للمشاركة في الحرب الدائرة في أفغانستان ضد النظام الشيوعي فيها.

انضمام آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الشباب والطلبة العرب للجماعات المسلحة الأفغانية تحت شعار “الإسلام في خطر” و”مواجهة التمدد الشيوعي في الدول الإسلامية”، لم يكن وليد صدفة، بل كانت الآلة الإعلامية الغربية تقوم بعملها على أفضل وجه بالتعاون مع الأنظمة العربية الرجعية التي استخدمت منابر المساجد كواحدة من أهم أدواتها الإعلامية.
لم تكد الحرب في أفغانستان أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حتى بدأ الشباب العرب هناك يعمل على نقل التجربة التي خاضوها إلى بلدانهم، لنشهد نشوء جماعة التكفير والهجرة في مصر ثم الجزائر في منتصف الثمانينيات، ولتمتد هذه الجماعات المتطرفة وتنمو بشكل غريب واستثنائي.
الملفت أن الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كل مرة تظهر فيها إحدى هذه الجماعات المتطرفة، تقوم بالتغاضي عنها إلى حين أن تكبر وتتمدد من ثم تقوم بمحاربتها، لتنشأ بعدها جماعة متطرفة أخرى بنفس الأفكار ولكن تحت مسمى جديد، فمن من تنظيم التكفير والهجرة مروراً بـالقاعدة وابن لادن فقاعدة الجهاد (تحالف ابن لادن والظواهري)، ثم التوحيد والجهاد (أبو مصعب الزرقاوي) وانتهاءً بداعش والنصرة.
أستاذ العلوم السياسية الدكتور عامر سبايلة يرى في حديثه لـ نداء الوطن أنه لا يمكن الفصل بين نمو هذه التيارات وعمليات الاستغلال والتوظيف السياسي التي واكبتها على مدار سنوات نموها المستمر من أفغانستان وصولاً إلى سوريا والعراق. فالمناخات الناتجة عن الصراعات السياسية جعلت من هذه التنظيمات أدوات قابلة للاستغلال في إطار المواجهة عن بعد “War by Proxy”.
هذا التوظيف –وفق السبايلة- جعل من فرص نمو هذه التنظيمات وتطورها كبيرة جداً، لا بل عمل تراكم لخبراتها ومواردها البشرية واللوجستية وانتشار شبكات واسعة لهذه التنظيمات مما جعل التنظيمات تنمو بصورة واضحة تقنياً وتكتيكياً، الأمر الذي ظهر بوضوح كلما سنحت فرصة للظهور على مسرح أحداث الأزمات المختلفة.
ويتفق الأستاذ حسن أبو هنية مع ما ذهب إليه السبايلة، ويؤكد على أن لا جدال بأن “الإرهاب” مفهوم ذاتي غير موضوعي، وليس اعتباطياً عدم تبني تعريف محدد لـ “الإرهاب”، وخلق حالة من التشوش الدلالي وفقدان المصداقية، فقد تحول المفهوم بعد 11 سبتمبر 2001 إلى أداة سياسية فعالة تستخدمه سلطة الدولة الديكتاتورية في مواجهة الخصوم السياسيين، أو الأعداء المفترضين.
ويرى أبو هنية وهو الباحث في شؤون الجامعات الإسلامية أن مصطلح الإرهاب بات يستخدم من قبل الأطراف المتصارعة لأهداف سياسية، وتحول إلى سلعة سياسية واقتصادية رائجة. فقد عملت السياسات الإمبريالية للولايات المتحدة والدكتاتوريات المحلية والإقليمية على بناء استرتيجية تقوم على التلاعب المفاهيمي، عملت على اختزال الحراكات الاحتجاجية الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية واختطاف الثورات الشعبية السلمية في العراق وسوريا باعتبارها ذات طبائع هوياتية إرهابوية، وتم استدخال المكون السني قصراً في تنظيم “الدولة الإسلامية ــ داعش”. ويكشف أبو هنية أن تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة هما نتاج السياسات الإمبريالية والدكتاتورية وفي مقدمتها سياسات التلاعب الهوياتي الطائفي. فقد استثمر تنظيم داعش هذه السياسات لتعزيز مكانة التنظيم في العراق وسوريا ونجح في تقديم التنظيم كدرع واق للهوية السنيّة الممتهنة عقب بدء ثورات الربيع العربي، الذي شهد انبعاث الهويات الطائفية، فدولة البغدادي قامت على أساس هوياتي بالتماهي مع السياسات الطائفية للاحتلال والإمبريالية والدكتاتورية.
من جهته، يشير الرفيق وليد المصري عضو اللجنة المركزية في حزب الوحدة الشعبية، أن هذه المجموعات عندما وجدت نفسها أكثر صلابة، وأكثر حضوراً بدأت، تفكر بالتمدد، وقد جاءت ضرباتها إلى مستخدميها، وكانت القمة في اعتداءات (2001) البرجين، مما دفع بالأمريكان وأصدقائهم العرب أن يغيروا موقعهم من هؤلاء الذين أُطلق عليهم الأفغان العرب، واضطر الأمريكان إلى شن حربين واسعتين في أفغانستان والعراق تحت مبرر ضرب الإرهاب. إنه الإرهاب الذي صنعوه بأيديهم.
ويرى المصري أنه على الرغم من أن هذه الجماعات متطرفة فكرياً، لكنها لا تتورع عن التحالف مع من يخدم أغراضها ولو مؤقتاً. والمصلحة في استخدامهم تختلف من هذه الدولة إلى تلك، ويجري استثمارهم في سياق السياسات الدولية، وهذا هو الحاصل في العراق وسوريا. أمريكا وحلفائها تستخدم هؤلاء لأجل إنفاذ سياستها في سوريا، ليس أكثر.

تراجع داعش وتفريخ داعش جديد
يرى المراقبون أن عام 2016 هو عام التراجع والانحسار لتنظيم داعش، سواء في العراق حيث تواجده الرئيسي في محافظة الأنبار والموصل، أو في سورية التي يسيطر فيها على محافظة الرقة وأجزاء واسعة من محافظة دير الزور، إضافة إلى بعض المدن والقرى في ريفي حلب وإدلب. ويشهد تنظيم داعش تراجعاً كبيراً وخسائر متتالية في هذه المناطق التي يسيطر عليها.
ويلحظ الدكتور عامر سبايلة أنه منذ أن أعلن تنظيم داعش الخلافة، أخذت المعركة مع التنظيم بُعداً كونياً، وبلا شك فإن طبيعة التعامل مع هذه التنظيمات منذ بداية ولادتها، تشير إلى أن هذه التظيمات قادرة على النمو والتفريخ المستمر وفي كل مرة يولد تنظيم جديد يكون التوحش والعنف غير المسبوق هو عنوان هذا التنظيم، لهذا أعتقد أن غياب داعش لا يعني نهاية عملية التفريخ، بل قد نكون على موعد مع نسخة جديدة من داعش، داعش 2، أكثر دموية.
ويتفق الرفيق وليد المصري مع ما ذهب إليه الدكتور السبايلة، مشيراً إلى أننا سنشهد أسماء مختلفة لهؤلاء، لكن سيبقى الجوهر واحد مهما اختلفت المسميات. ويكمل الرفيق المصري “سوف يجري استخدام داعش وغيرها في أي مكان يراه المشغِّل ضرورياً، فلا بأس من رؤية هؤلاء في آسيا أو افريقيا، في دول المغرب العربي أو غيرها من الدول.

القضاء على الجسم وتغذية الفكر
يلفت الدكتور عامر سبايلة إلى أنه لم يتم التعامل إلى الآن مع ظواهر الفكر المتطرف على أنها ظواهر يجب اجتثاثها فكرياً وثقافياً. فالموضوع بالنسبة لكثير من الأنظمة لم يغادر جانبه الأمني، وكذلك فإن عملية التوظيف السياسي ما زالت مستمرة من قبل كثير من الأنظمة التي تحاول أن تشرعن وجودها عبر هويات دينية تحل محل هذه التنظيمات بصفتها غير دموية ولا تنتهج العنف منهجاً. لهذا للآن لم تتولّد رغبة حقيقية واستراتيجية جريئة تعلن ضرورة إنهاء هذه التنظيمات واجتثاثها فكرياً عبر استراتيجية متوسطة الأمد، وتعلن كذلك إنهاء فكرة استغلال الدين للحصول على الشرعية السياسية.
فيما يعتبر الأستاذ حسن أبو هنية أن الحرب على هذه الجماعات المتطرفة تشكل في جانب منها أرباحاً دائمة لمجمع ضخم من المؤسسات الحكومية والتجارية. وفي هذا السياق يغذى المجمع الصناعي العسكري من قبل عدو غامض.
ويحذّر أبو هنية من أن ظاهرة الإرهاب سوف تبقى ملازمة للعولمة، وستعتمد الإمبريالية والدكتاتورية على مقاربات عسكرية أمنية تخلق مزيد من الحركات الإرهابوية، لديمومتها السياسية السلطوية، وفي الوقت الذي يقر كافة الخبراء بأن الجماعات الجهادية هي نتاج أسباب وشروط موضوعية سياسية واقتصادية، فإن مقاربات حرب الإرهاب تتجاهل تلك الأسباب، لسبب بسيط هو ديمومتها في السلطة كإمبريالي أصيل أو كدكتاتوري وكيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى