هل تخلت روسيا عن خياراتها الاستراتيجية؟! .. خفايا الانسحاب العسكري الروسي “الجزئي” من سورية
كما كان دخولها على خط الحرب في سورية مفاجئاً، جاء قرار “السحب الجزئي” للقوات الروسية من سورية حاملاً عنصر المفاجأة للأصدقاء قبل الأعداء، وفي توقيت غاية في الحساسية: انتقال ساحة الحرب العسكرية إلى جنيف حيث المباحثات وعنوانها الرئيسي “الأسد والحكم في سورية”، إضافة إلى الحديث عن استعدادات لشن حرب تحرير الرقة من داعش.
د. موفق محادين:
ويرى الدكتور موفق محادين في حديث خص به نداء الوطن أنه من السذاجة السياسية النظر إلى الفراغ الروسي كما لو أنه انقلاب أو تغيير في السياسة الروسية إزاء سورية، فالقواعد الروسية باقية بالتأكيد، وقد تشهد الأيام القادمة طلعات روسية سورية مشتركة ضد قواعد الإرهابيين في البادية السورية، ومن المؤكد أن الجيش العربي السوري وحزب الله قادران على الحفاظ على المكاسب الميدانية وتوسيعها. والأهم هو أن العلاقات السورية الروسية محكومة لاعتبارات إستراتيجية وتعود إلى نصف قرن على الأقل. من جهة أخرى، لا يجب التقليل من وجود نقاط تباين على الصعيدين العام والراهن العام، انطلاقاً من أن سورية ليست روسيا وليست إيران، وهكذا.
أما على الصعيد الراهن، يقول محادين فلا يعود التباين فقط إلى ما يقال حول مباحثات التفاوض الحالية مع جماعة السعودية في جنيف، بل لاعتبارات إقليمية أيضاً. منها تداعيات ما يقال أيضاً عن تفاهمات تاريخية إيرانية تركية أولية، وضعت إيران كأهم قوة إقليمية ولاعب في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يتجلى في مظاهر عديدة من بينها التوافق الإيراني التركي وربما السوري ضد أي شكل من أشكال الفدراليات التي تمنح الأكراد سلطات سياسية موسعة. فإذا كان الروس قد ذهبوا إلى توظيف الشريط الكردي على الحدود السورية التركية، إلى حدود لا توافق عليها دمشق، فإن هذا التكتيك قد يكون أحد مصادر التباين الروسي السوري.
ويختم الكاتب الدكتور موفق محادين بالتأكيد أن هناك مسافة بين اللاعب الإقليمي الأول في المنطقة وهو إيران، واللاعب الدولي في المنطقة الآن وهو روسيا. لا أستبعد أن تحدث تفاهمات غريبة عجيبة منها على سبيل المثال، تحسّن العلاقات الروسية السعودية، لأكثر من سبب، فالأتراك بدؤوا يتنصلون من العلاقة مع السعودية ويذهبون إلى إيران.
لن تتأثر المكاسب الميدانية للجيش السوري بذلك الانسحاب، وذلك لأن المصدر الحقيقي للإرهابيين في سورية هو تركيا، وتركيا مقبلة على صفقة كبيرة مع إيران. أما بقية الجماعات في سورية فهي جماعات هشة وضعيفة ولا قيمة لها على الأرض.
عامر سبايله:
أما الكاتب عامر سبايلة فأكد لـ نداء الوطن أن القرار هو قرار سياسي بامتياز من حيث المضمون والتوقيت والشكل، إلا أنه عندما نتحدث عن أي انسحاب عسكري جزئي أو كلي، عادة ما يتم الإعلان عنه ضمن جدول زمني. لكن الطريقة الروسية جاءت بطريقة تحمل في مضامينها رسالة سياسية. ولا يمكن أن نرى مثل هذه الخطوة إلا من زاوية إنجاح جنيف 3 بعد أن تم استصدار القرار الدولي وتحديد لوائح الإرهاب ووقف إطلاق النار اليوم وصلنا إلى جنيف بصورة مختلفة.
ويرى السبايلة أن روسيا اليوم مضطرة أن تقدم تنازلات في موضوع الحساب على حالة التوازن السياسي في المشهد السوري وثانياً بأن تمارس على حلفائها ما مارسته الولايات المتحدة على حلفائها، أي الضغط المباشر والتهيئة للحل السياسي.
في الجزء الآخر، يضيف الباحث عامر السبايلة أن القراءة سياسية في موضوع الانسحاب، يجب أن لا نفسر موضوع الانسحاب بأنه هو خروج من المشهد السوري أو تضحية بكل ما أنجزته موسكو في السنوات السابقة، لهذا التصريح الروسي واضح في الإبقاء على قواعد البحر الأبيض المتوسط (طرطوس واللاذقية) والدور السياسي لهذه القواعد، بعقد المصالحات وتسليم الفصائل لسلاحها وضبط إطلاق النار، ولكنها ترسل رسالة أخرى بأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد المتبقي أمام الجميع.
فالكرة –وفق السبايلة- في ملعب دمشق وقدرتها على المضي في الحل السياسي لأن كل المراقبين رصدوا من جنيف 2 إلى الجولة الأولى من جينف 3 حجم الترويض السياسي الذي مارسته الولايات المتحدة على حلفائها من السعودية وتركيا وفصائل المعارضة، وبالتالي مما يفسر أن الحكومة السورية هي التي ظهرت بصورة حجر العثرة في هذه المفاوضات سواء بتصريح المعلم التي سبقت الذهاب إلى جنيف أو بتعليقات الجعفري على طرح دي ميستورا بموضوع الانتخابات الرئاسية.