وعود ترامب.. هل سيفي بها، أم ستذهب أدراج النسيان؟!
التهديد والوعيد والتمزيق، كلها وعود أطلقها ترامب في خطابه الانتخابي والرئاسي، فمن تهديد بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني، إلى الوعيد للإخوان المسلمين بإصدار قانون يعتبرهم جماعة إرهابية، إلى التهديد باجتثاث الإسلام الراديكالي وبمحاربة الإرهاب بطريقة غير تقليدية، إلى وعود تقليدية وتلطيفية يغازل بها ترامب حليفه نتنياهو بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. وبانتظار أن يذوب الثلج عن هذه الوعود، بدأت تظهر ملامح السياسة الأمريكية في العهد الترامبي الجديد، فمن الرئيس الأمريكي ترامب رجل الأعمال الملياردير، إلى تعيين كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية من المتشددين أيديولوجياً والعنصريين، نكون أمام مشهد جديد سيترك أثره العميق على المنطقة والإقليم.
السفارة الأمريكية في فلسطين المحتلة.. مكانك سر
كعادتهم في حملاتهم الانتخابية، كل المرشحين للرئاسة الأمريكية يغازلون إسرائيل ويطلقون الوعد تلو الوعد بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وبترجيح الكفة لصالح (إسرائيل) وبأحقيتها في الوجود …إلخ. هذه المرة، ترامب أطلق الوعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وعد قطعه في بيانه الانتخابي ولم يذكره في بيانه الرئاسي، في وقت كان فيه الكيان الصهيوني يتحضر للاحتفال بذكر الوعد في هذا البيان، هل سيفي ترامب بوعده، أم هناك عراقيل أمام تحقيق هذا الوعد الدعائي؟!
يوضح د. منذر سليمان أن تعيين سفير أمريكي لا يعترف بحق الشعب الفلسطيني بالوجود ومؤيد للاستيطان، والتصريحات التي صدرت من أكثر من مصدر في أمريكا بالدعوة لهذا الأمر، تعني أن هناك رغبة بأن يتم ذلك، ولكن وجدنا في بعض التصريحات مؤخراً بعد فوز ترامب، بأن هناك محاولة للتمهل في إصدار قرار، وتم الحديث بأنهم في بداية البحث ودراسته، معنى ذلك أنه قد يتم نوع من الإبطاء في مثل هذه الخطوة رغم أنه ممكن ابتداع طرق ملتفة للبدء بمثل هذا المشروع.
ويشدد د. سليمان على أنه لا شك بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تسمع للآخرين، إلا أنها يبدو عندما اشتدت التحذيرات لها، حتى من دول إقليمية خاصة من الأردن ومصر تحديداً، وبشكل مخفف من دول الخليج، بأن هذا سيشكل خطراً، لا بل أن هناك تحذير أتى من مؤيدي (إسرائيل) بأن هذا قد لا يخدم (إسرائيل)، فبعض القوى الصهيونية تنظر أن مصلحة إسرائيل تقتضي بأن لا يتم اتخاذ مثل هذا القرار الخطير، فالكيان الصهيوني ينعم راهناً ولسنوات خلت بواقع حرف الصراع من عربي إسرائيلي إلى عربي عربي وإسلامي إسلامي، وهذا القرار سيعيد الصراع إلى ما كان عليه سابقاً، فلماذا نعيد الأمر إلى نصابه؟
ويشير بأن كل هذه العوامل قد لا تؤدي إلى الإسراع في اتخاذ القرار، لكن التفكير قائم فهذه الإدارة يتحكم فيها منطق شعبوي ومنطق أيديولوجي وبعض العناصر النافذة في هذه الإدارة هي صهيونية وتتصرف بنظرة عدائية مستهترة بالمسلمين وبمقدساتهم.
فيما يعتقد د. عصام الخواجا أنه برغم الجدية التي أبداها ترامب سابقاً عندما أطلق تصريحاته لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتدخله في مرحلة مبكرة بالضغط على مصر لسحب مقترحها بخصوص الاستيطان في مجلس الأمن الدولي، وإعلانه بدء بعض الإجراءات بهذا الخصوص؛ إلا أن مسافة كبيرة تفصل بين هذا التوجه المعلن من ترامب وتطبيقه، والسبب أن ترامب الرئيس، وأمام هذه القضية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية، سيضطر لإعارة الانتباه لأطراف مختلفة قبل التهور في تطبيق هذا التوجه لما له من تبعات وردود فعل ستكون خارج إطار التقدير والاحتواء، ما قد يهدد حليفته “إسرائيل” وكيانها قبل كل شيء.
أما انعكاسات هذا القرار على التسوية ودور الولايات المتحدة في المفاوضات الجارية فسيكون مدوياً بحسب د. الخواجا، وسيقوّض كل “أوهام التسوية”، وسيؤدي لمزيد من تعرية الموقف الأمريكي المنحاز لصالح الكيان الصهيوني.
الإخوان المسلمين والإسلام الراديكالي والمسلمين عموماً بعيون ترامب
لا يعتقد د. الخواجا أن ترامب سيكون مضطراً لإصدار قانون يعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، فتصريحاته في خطاب التنصيب بتعهده “محاربة الإسلام المتطرف والإرهابي” تستند لقرارات سابقة بقائمة التنظيمات المصنفة إرهابية لتنفيذ أي من تهديداته، وهنا لا بد من الإشارة لما أعلن من قبل جماعة الإخوان المسلمين عن إلغاء قرار مقاطعتهم للولايات المتحدة الأمريكية في محاولة من قبلها لتجنب اتخاذ قرار ترامبي باعتبار هذه الجماعة إرهابية، وكون موضوع الإخوان المسلمين يمس حزب أردوغان الحاكم في تركيا، والأخيرة بدأت استدارة جيوسياسية ساهمت في تسهيل الطريق أمام المسار السياسي السوري، ما سيعيق وصول ترامب إلى نقطة تحديد جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية.
ويشير إلى أنه بالرغم من الدعم غير المسبوق “إعلامياً” من قبل ترامب لصديقه نتنياهو ووعوده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أنه لن يترافق مع إطلاق العنان لنتنياهو لاجتياح غزة لأسباب لها علاقة بإعادة تموضع نفس حركة حماس، معللاً ذلك، بدخول حماس في اتصالات ومفاوضات وتفاهمات مع الحكومة المصرية، وبرغم استمرار “كتائب القسام” وحديثها في استعداداتها وإعادة بناء قوتها العسكرية، إلا أن حماس تتجه إلى خيار “تسوية” بما يحفظ لها استمرار نفوذها في غزة برضا مصر وعدم استفزاز “إسرائيل” ، وبرغم انخراطها وحركة فتح في مفاوضات إنهاء الانقسام وحضورها الاجتماعات التحضيرية لانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد، إلا أنني أعتقد أن كلا الطرفين غير جاد في الوصول إلى اتفاق يفضي إلى تنفيذ عملي على الأرض، ولا يعدو ما يحصل استجابة وتكيفاً مع المستجدات والمتغيرات الكبرى القادمة في المنطقة، وليس استجابة صادقة لحاجة الشعب الفلسطيني الملحة لتحقيق الوحدة على برنامج مقاومة شاملة وصولاً للتحرير ودحر الاحتلال، بحسب د. عصام الخواجا.
فيما يرى د. منذر سليمان أن المساعي في أمريكا من قبل أوساط متشددة داخل الكونغرس كانت قائمة قبل مجيء ترامب، وخلال عهد أوباما ولم تنجح المحاولات، لأنه كان هناك مقاربة في إدارة أوباما بالتعامل مع الإخوان المسلمين بطريقة غير رسمية والحرص على إبقاء العلاقة مع تركيا التي تمثل نموذج أيديولوجي مرتبط مع الإخوان، منوهاً إلى أنه قد تستمر هذه المحاولات خاصة في ظل الخطاب السياسي الذي يعبر عن العداء للإسلام الراديكالي والإسلام عموماً.
ويضيف، أن مجيء ترامب الذي هو من خارج سياق المؤسسة التقليدية للحزبين الحاكمين في أمريكا ونظرته إلى أن أمريكا أولاً، تعني أنه يرغب في الانكفاء داخلياً من جهة ويوجه الأمور لبناء البنية التحتية الداخلية، وبنفس الوقت لديه أولوية هي مكافحة الإرهاب، إذن هو لن يتوانى عن اتخاذ خطوات تصعيدية يمكن تؤدي إلى الانخراط العسكري طالما أنه يغطيه تحت عنوان مكافحة الإرهاب، دون أن يؤدي ذلك إلى الإقدام إلى تدخلات عسكرية واسعة، هو سيتبع مقاربة متطورة عن أوباما ولا نستطيع الحكم الآن، فقد طلب من إدارته وضع خطة لكيفية مواجهة داعش وحتى أن تبرز الخطة، سيتبع نهج أوباما، وهو في نفس الوقت ينظر أيضاً إلى ضرورة الحيلولة دون تحقيق نفوذ لإيران ويعتبر أن المحور المؤيد لإيران والمتحالف معها يشكل خطراً وهنا يتلاقى مع الموقف الإسرائيلي. لذلك أحد المفاتيح لفهم كيفية تصرف ترامب في المنطقة ستكون مدى تحقيق تفاهم أو عدمه مع روسياً أولاً، ومدى قدرته على ترتيب العلاقات مع الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية ومصر، ليضمن تنفيذ سياسة جديدة.
منوهاً أن هذا الحديث عن القرار، يأتي في ظل مناخ تعاطف لم يكن قائم سابقاً في ردة الفعل على قرار الحظر مؤخراً على سبع دول، وبدا هناك تعاطف شعبي لم يُلمس في السابق مع الجاليات الإسلامية ومع المسلمين عموماً، وهذا قد يعرقل من المساعي ولكنه قد لا يفشلها. ولكن في ظل هذا المناخ، سيكون هناك محاولة لإيجاد فرق بين الإسلام الراديكالي والمسلمين عموماً.
المساعي ستبقى قائمة، ولن يكون هناك محاولة قبول لتصنيفات بأن هناك إسلام معتدل وإسلام غير معتدل، وهذه الإدارة تنظر بشكل سلبي وفيها من كبار المسؤولين المتشددين وتصريحاتهم واضحة في عدائيتها ضد المسلمين، لذلك الموقف العدائي، سيبقى قائماً، ويمكن توظيفه إلى أقصى مدى، ولكن حالة التعاطف ضد القرار الجائر بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة قد يؤدي إلى فرملة الاندفاع نحو القرار ولكن المسار في هذا الاتجاه قائم.
ويؤكد د. سليمان على أن “إسرائيل” لا تحتاج إلى ذريعة للتصرف، وهي مصنِفَة كل المنظمات الفلسطينية كإرهاب، ولا يعتقد بأنها بحاجة لقرار حول الإخوان المسلمين لاجتياح غزة، وليس بالضرورة أن تلجأ إلى الاجتياح، ولكن سيكون لديها كارت بلانش في استهداف القيادات واستمرار حرب الاغتيالات، وربما العمليات المحدودة، لأنها تخشى من أن تقع في مفاجآت أو خسائر عالية.
ويتشارك د. منذر الرأي مع د. عصام أن الملفت أيضاً في هذا الأمر أنه سيكون خاضع لتجاذبات دولية من جهة مثل تركيا التي لا ترغب بأن يصدر مثل هذا القرار ولا تشجع عليه، وبالمقابل هناك دول عربية في مقدمتها الإمارات ومصر سترحب بمثل هذا القرار.
إيران والعقدة الأمريكية
يرى د. منذر سليمان في مقاربة ترامب للاتفاق النووي الإيراني، أن هناك مسعى لإعادة التفاوض على الاتفاق النووي الذي أبرم باعتباره ليس مناسباً وأكثر فائدة لطهران، وهناك إمكانية لإدارته أن تحرز التوصل لاتفاق أفضل، بمعنى إعادة التفاوض. ولكن المشكلة هنا بأن هذا الاتفاق هو اتفاق دولي وليس ثنائي، وبالتالي تستطيع أمريكا أن تخرج من الاتفاق ولكن سيتوقف الأمر على كيفية تصرف إيران. إيران قد تقابل خروج أمريكا من الاتفاق بالخروج أيضاً، وأن تتصرف وفق مصالحها الخاصة. هناك عدة عوامل تساهم في إبقاء حالة الخطاب العدائي والتوتر مع إيران، فتقليدياً لم تتخلص بعد أمريكا من عقدة احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين ولا من استهداف المارينز في لبنان، وتتهم طهران بأنها وراء الهجوم، ناهيك عن الاتهام الأميركي لطهران بأنها وراء مقتل آلاف الجنود الأميركيين في العراق بعد الغزو والاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، التعبئة والتحريض من قبل الدول التي تنظر إلى الصراع في المنطقة بوصفه صراعاً مذهبياً، وأن طهران تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، والموقف الأمريكي يتماشى إلى حد كبير مع الهواجس الخليجية، وخاصة السعودية والإمارات. لذلك مسألة تمزيق الاتفاق ليست مسألة سهلة من جهة، وقد يتم تجميد مفاعيل تطوير أي علاقة مع إيران دون الوصول إلى إلغاء أو تمزيق الاتفاق النووي، وسيستغرق بعض الوقت لمحاولة الضغط على إيران من أجل إعادة التفاوض عليه للحيلولة دون أن يكون هناك انفتاح عالمي على طهران، وتعطيل عودة إيران الكاملة للمجتمع الدولي حتى لا تستفيد طهران من الاستثمارات الخارجية ولإبقائها في العزلة بهدف التأثير على وضعها الداخلي بحسب د. سليمان.
ويؤكد د. الخواجا أن ترامب الذي دشن سياسته الخارجية بعد توليه الرئاسة باعتبار الاتفاق النووي مع إيران ما كان يجب أن يتم ولا بد من إلغائه، بأنه يتقاطع مع موقف نتنياهو وحكومة الكيان الصهيوني. لكن الاتفاق النووي لم توقعه الولايات المتحدة لوحدها، بل كان نتاج جولات مفاوضات طويلة ضمن صيغة 5 + 1، وهذا بحد ذاته يصعب اتخاذ موقف جماعي من هذا الاتفاق، والدول الموقعة الأخرى، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت بخطوات تعزيز علاقاتها الثنائية مع إيران من خلال بحثها عن حصص كبيرة للاستثمار في قطاعات إستراتيجية في إيران، وتحولت إلى تطبيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها. كل هذا سيعرقل فعالية الموقف الأمريكي لتمزيق الاتفاق.