هل تغيرت قواعد “اللعبة الدولية” في سورية؟!!
دخلت الساحة السورية معطفاً جديداً يبدو الأكثر أهمية بعد العدوان الأمريكي على مطار الشعيرات – بحجة استخدام الجيش العربي السوري الكيماوي-، ولعل هذا المنعطف الحاد قد يؤثر على المشهد الإقليمي أيضاً، وتحديداً من الناحية العسكرية وتوازن القوى.فعبارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف “مستقبل العالم يتوقف على الشكل الذي تنتهي عليه الأزمة السورية”، تعني أن موازين القوى في العالم الجديد تتشكل انطلاقاً من الحرب على سورية واستناداً إلى نتائجها. فإلى أين يتجه الصراع في سورية والإقليم خاصة بعد خان شيخون؟ هل هو باتجاه التصعيد أم التسوية؟
العدوان الأمريكي على “الشعيرات” .. نوايا ورسائل!!
يرى المحلل العسكري العميد إلياس فرحات في قصف مطار الشعيرات، إضعافاً للقدرات الجوية السورية ضد تنظيم القاعدة تماماً مثلما قصفت الطائرات الأمريكية جبل الثردة لتؤمن لداعش احتلاله ولإضعاف الجيش السوري. ورغم حشد طاقات سوريا وإيران وروسيا، إلا أن تنظيمي القاعدة وداعش لا يزالان يتلقيان الدعم من الغرب وتركيا والخليج وهذه هي المشكلة.
فرحات: روسيا ليست في وارد المقايضات، فهي تدافع عن أمنها في سوريا وتمنع إنشاء نموذج طالباني فيها وهو ما يسعى الغرب والخليج لإنشائهويرى فرحات أن سوريا وحلفاءها يقاتلون في الغرب والشمال والجنوب الغربي تنظيم القاعدة وحلفاءه، وفِي الشرق تنظيم داعش، وما يسمى المجتمع الغربي الدولي يدعم تنظيم القاعدة تحت اسم المعارضة السورية.
فيما يشير الدكتور علوان أمين الدين مدير مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية في بيروت، إلى أن ضرب مطار الشعيرات يحمل العديد من الدلالات الاستراتيجية والرسائل الداخلية والخارجية أهمها، أن السياسة الداخلية الأميركية تتمحور في رغبة الرئيس الأميركي ترامب في إثبات وجوده كرئيس أميركي قوي بعد انتقاده سياسة أوباما واعتباره أنه أضعف الوجود الأميركي في العالم وأنه يجب عودة أمريكا العظمى.
وفيما يتعلق بالرسائل الخارجية للضربة الأمريكية، يرى أمين الدين أن تزامن الضربة بعد دقائق معدودة من استضافة ترامب للرئيس الصيني شي جين بيغ على مائدة العشاء، خلال زيارة الأخير للولايات المتحدة، وهذه رسالة كبيرة، إذا ما أخذناها على الصعيد الدولي، خصوصاً مع الفيتوهات الصينية على قرارات كان سيتم اتخاذها ضد سوريا.
د. علوان أمين الدين في حديثه لنداء الوطن، يعتقد أن الرئيس ترامب لا يريد معاداة روسيا بدليل أنه وفي حملته الانتخابية كان يريد التفاهم معها على العديد من الملفات الدولية، بالإضافة لاختيار وزير خارجية معروف من قبل روسيا وتم تكريمه منها، والأهم إبلاغ الروس بموضوع الضربة قبل تنفيذها.
ويشير إلى أنه تجدر الإشارة إلى الاتفاق الذي تم بين الروس والأميركيين على عدم القيام بمثل هذه الضربات مستقبلاً. بالإضافة إلى أن الضربة كانت غير مؤثرة على الصعيد الاستراتيجي، وهذا الأهم، بدليل أن الطائرات السورية عادت وأقلعت من نفس المطار بعد ساعات معدودة على استهدافه.
الجبهة السورية الجنوبية.. أهداف عسكرية واستراتيجية
بعد تمثيلية الكيماوي في خان شيخون، بدأت أمريكا وحلفاؤها بالتحضير لمعركة الجنوب السوري وتحشيد القوات العسكرية على الحدود الأردنية السورية بحجة محاربة الإرهاب.
الخبير الإستراتيجي الدكتور علوان أمين الدين، يعتقد بأن تواجد قوات التحالف على الحدود الجنوبية، له بُعد إستراتيجي كبير أبعد من موضوع سوريا، خصوصاً وأن تصريحات الرئيس الأميركي أكدت على أن مسألة بقاء الرئيس الأسد من عدمها لم تعد مهمة بالنسبة لواشنطن.
أمين الدين: أمريكا يهمها أمرين؛ أمن “إسرائيل” التي تتوجس من قيام عمليات لحزب الله في الجولان، والأمر الثاني قطع المنافذ البرية لـ “طريق الحرير” الصينيولكن ما يهم الولايات المتحدة، وفق أمين الدين هما أمرين؛ أمن “إسرائيل” التي تتوجس من قيام عمليات مقاومة لحزب الله في الجولان المحتل. والأمر الثاني وهو الأهم وبالصميم، هو محاولة قطع المنافذ البرية لما يُعرف بـ “طريق الحرير” الصيني. فواشنطن تسعى إلى إكمال الطوق، لما سمي بطوق “الأناكوندا”، عليها بعد محاصرتها بحرياً في منطقة المحيط الهادئ، سواء بالوجود العسكري في المحيط أم بإقامة علاقات وثيقة مع الكثير من دول الجوار الصيني. وهذا ما دعا بكين إلى التفتيش عن طُرق أخرى لنقل بضائعها إلى العالم عن طريق البر وخصوصاً أنها ناشطة في تشييد خطوط سكك الحديد التي وصلت إلى إيران، وإلى بريطانيا وإسبانيا عبر روسيا، برحلات منتظمة والسعي إلى ربط العراق وسوريا ولبنان مع إيران بتلك الخطوط من أجل إيجاد منفذ لها على المتوسط للولوج إلى أوروبا، بحسب د. أمين الدين.
ويضيف: أما بالنسبة إلى البريطانيين، فهم يريدون حصة في التسوية السورية، ولن يكون لهم ذلك إلا بتواجد عسكري على الأرض من أجل حجز مقعد لهم على طاولة الحصص في المستقبل خصوصاً وأن مستقبل سوريا واعد بالنسبة للاستثمارات سواء من خلال ملفي إعادة الإعمار وقطاع الطاقة (الغاز والنفط). وهذا ما يفسر إنشاءهم لقواعد عسكرية في الجنوب لا سيما القاعدة التي تم استحداثها على معبر التنف الحدودي بين العراق وسوريا والقريب من الأردن.
في البُعد العسكري للجبهة الجنوبية يشير الخبير العسكري العميد إلياس فرحات في حديث خاص لنداء الوطن، إلى أن المشكلة الأساسية في انتشار وحدات أمريكية وبريطانية هي أن دول الغرب لا تريد أن تقاتل بجنودها وتتكبد خسائر ولهذا تحاول تجنيد عشائر ونازحين سوريين يائسين من أجل قتال داعش مثل ما جرى قبل عام عندما هاجم جيش سوريا الجديد البوكمال وفشل فشلاً ذريعاً. فما تزال الولايات المتحدة تحاول تجنيد أفراد عرب يقاتلون عنها ويموتون لتحقيق أهدافها. أما الأردن، فيستبعد العميد فرحات أن تتورط الحكومة الأردنية بهجوم بري على سوريا لأنها تدرك تماماً عواقب ذلك على الأمن الوطني الأردني.
وفي ملف محاربة الإرهاب، يرى الدكتور أمين الدين، أن قرار تصفية “داعش” في العراق قد اتخذ أمريكياً بدليل أن الولايات المتحدة تغض النظر عن تقدم الحشد الشعبي في معركة الموصل وإنهاء “داعش” في العراق. وللتذكير فقط، توقف الحشد الشعبي العام الماضي عن التقدم بعدما قامت طائرات التحالف، الأميركية بالتحديد، بقصفه لمنعه من التقدم. فهذا الوضع تغير الآن. يترافق ذلك مع زيادة عدد القواعد العسكرية في العراق، لا سيما قاعدة القيّارة التي يقال بأنها ستضاهي ويمكن أن تأخذ مكان قاعدة انجرليك في تركيا.
ويشير إلى أن اللافت هو التصريح الروسي بأن أي قوى أجنبية موجودة على الأراضي السورية بغير رضا الحكومة يعتبر وجوداً غير شرعي. وهذا التصريح يحمل في طيّاته الكثير من الأمور، أهمها أن إجراء عمليات عسكرية ضدها، في المستقبل، هو عمل مشروع بناء لقواعد القانون الدولي الذي تتمسك روسيا بتطبيقه في كل مناسبة.
ويتشارك العميد فرحات الرأي مع د. أمين الدين، في أن ما يظهر من نوايا الولايات الأمريكية في قصفها لخان شيخون هي محاولة إطالة عمر داعش ما أمكنها ذلك، ونذكر أنها شكلت تحالفاً دولياً عام ٢٠١٤ لقتال داعش وبعد تشكيله توسع داعش في العراق وسوريا والعالم. فمن يقاتل داعش هو الجيش السوري وحلفاؤه والجيش العراقي والحشد الشعبي، ونلاحظ أن الولايات المتحدة منعت الحشد الشعبي من المشاركة في معركة الموصل من أجل إطالتها. كما أنها نفذت إنزالاً في الطبقة السورية لتمنع الجيش السوري من التقدم نحو الرقة. وهذا يعني أنها تريد إطالة عمر داعش من أجل تنفيذ خططها في إنشاء قواعد في المنطقة.
روسيا وأمريكا.. هل من مقايضات على الساحة السورية؟!
يبدو –وفق الدكتور علوان أمين الدين- أن هناك تفاهماً واقعياً روسياً – أميركياً ضمنياً عبّرت عنه الوقائع الميدانية لا سيما ما حملته من مؤشرات قيام قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكياً، بتسليم بعض المناطق الشمالية للجيش السوري، واستبعاد تركيا من العمليات العسكرية المقبلة في الشمال السوري، لا سيما في الرقة، أو الحديث عن دور محدود لها في تلك العمليات.
ويلفت علم الدين إلى التواجد العسكري الروسي المباشر في الشمال، لا سيما في منطقة عفرين، ومناطق أخرى بطلب من قوات حماية الشعب الكردية مخافة وحماية من أي قصف تركي قد يستهدفهم. إن الموضوع، في غالبه، استراتيجي دولي وما يحدث اليوم ليس أكثر من تكتيك يخدم الإستراتيجيا.
فيما يؤكد العميد فرحات أن روسيا ليست في وارد المقايضات، فروسيا تدافع عن أمنها في سوريا وتمنع إنشاء نموذج طالباني فيها وهو ما يسعى الغرب والخليج لإنشائه لضرب الدول المدنية ونشر ثقافة طالبان في المنطقة وصولاً إلى جنوب روسيا وآسيا الوسطى وهي الحديقة الخلفية لروسيا. لذلك روسيا ستقاتل حتى القضاء على داعش والقاعدة رغم دعم الغرب لهاتين المنظمتين، أما بالنسبة للغزو الغربي “فلا أعتقد أن الأردن يقبل بهذه المشاريع أو يدفع بجيشه إلى سوريا لأن الوضع دقيق وحساس”.