نظرة على قدرات “اسرائيل” في الحرب الإلكترونية
استيقظ الأميركيون صبيحة يوم 23 من الشهر الجاري على خبر فريد شديد الاقتضاب، نقلته شبكة “بي بي سي “البريطانية، وهو غير مسبوق حيث يفيد بتراجع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة العدل الأميركية، عن دعواهما القضائية ضد شركة “آبل” العملاقة، بعد مقاومتها تيسير دخول الأجهزة الأمنية الرسمية لبرامجها الخاصة بالهواتف الذكية.
شركة “سيليبرايت”: هوية تجارية بأهداف عسكرية
الشقّ الأول في الخبر: “صباح يوم الاثنين، 21 آذار/ مارس الجاري، ارجأ مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) متابعته القضية القانونية المرفوعة قائلاً ربما تمكن “طرف ثالث غير حكومي” من التوصل لطريقة تخترق جهاز الهاتف دون الحاجة لمساعدة شركة آبل“.
ونقلت الشبكة عن مكتب الأف بي آي قوله “يتعيّن علينا اختبار تلك الطريقة .. ولهذا تقدمنا من المحكمة بتوسل لاتاحة فرصة زمنية اطول لطَرْق هذا الخيار“.
وأضافت أن “الطرف الثالث عرض تجربته يوم الأحد، 20 آذار/ مارس .. وعلينا الإنتظار“.
الشقّ الثاني والأهم: “شركة إسرائيلية للهواتف النقالة (سيليبرايت) توّفر الدعم لمكتب التحقيقات الفيدرالي لفكّ شيفرة جهاز الهاتف العائد لسيد رضوان فاروق، الذي أطلق النار برفقة زوجته على موظفين مدنيين في سان بيرنادينو كاليفورنيا“.
وعليه، لن تحتاج وزارة العدل وأجهزتها الأخرى تعاون شركة “آبل” لاختراق شيفرة الجهاز المذكور “في حال نجاح شركة سيليبرايت“.
وأضافت شبكة “بي بي سي” أن شركة “سيليببرايت” أبرمت عقداً مع “الأف بي آي” عام 2013 لتحليل قضايا حاسوبية .. وعقداً جديداً آخراً عقب رفض شركة آبل الامتثال لطلب الجهاز العمل على برنامج خاص لنظام تشغيلها من شأنه اعاقة جهود الغاء محتويات الجهاز ان تعرض لمحاولات متتالية لاستخراج كلمة السر“.
وأردفت أن “سليبرايت وفرّت خدمات مماثلة لأجهزة الأمن البريطانية، ما أتاح لها إلقاء القبض على شخص مطلوب عام 2012 بعد استرجاع الرسائل النصية الملغاة من جهاز آي فون“.
هوية تجارية باهداف عسكرية
تأسست شركة “سيليبرايت” عام 1999 في فلسطين المحتلة، ومقرّها مستعمرة “بتاح تكفا،” القريبة من مدينة يافا، لتطوير جهاز لاستخراج البيانات المخزنة على اجهزة اتصال محمولة، من بينها الهواتف النقالة والاجهزة اللوحية، والتوصل لاستعادة البيانات الملغاة من قبل المستخدم، وفك التشفير وكلمات السر.
ولدى الشركة مكاتب فرعية في ولاية نيوجيرسي وألمانيا أيضاً، يصل طاقمها التقني إلى نحو 500 فرد.
تزعم الشركة ان قدراتها تتمثّل في استغلال الذاكرة السريعة المتضمنة في كافة الهواتف النقالة، والتي تستند إلى بيانات لوغاريتماتية ترمي لتخزين بيانات الهاتف لاطول فترة ممكنة، حتى بعد إقدام المستخدم على الغائها.
لا تخفي “الشركة” علاقاتها الوثيقة “والعميقة بالجيش وأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية،” وخاصة “وحدة 8200 للتجسس الالكتروني” التي تعدّ المصدر البشري للشركة؛ وتضم بين رؤسائها ضباط سابقون، منهم عميت غروس مدير ابحاث الاجهزة النقالة، وشاحار طال المدير العام السابق للوسائل التقنية في الجيش.
وما رشح عن نشاطاتها الاستخباراتية إقرارها بامتلاك القدرة على فكّ رموز الرسائل النصية المرسلة عبر تطبيق “تلغرام،” الذي قيل إن نشطاء”داعش” يستخدمونه بكثرة.
اختراق الشركة للأجهزة الأميركية نمى إلى مسامع النقابة الأميركية للحقوق المدنية، عام 2011، من قبل فرعها في ولاية ميتشيغان الذي سعى للحصول على أجوبة من جهاز الشرطة المركزي في الولاية حول استخدام عناصره “معدات تصنعها سيليبرايت لتنفيذ مهام غير قانونية بتفتيش أجهزة الهواتف النقالة للمواطنين“.
في عام 2013 أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي مذكرة داخلية يعلن فيها عن نيّته “شراء أجهزة تصنعها سيليبرايت .. وهي إحدى القلائل التي تملك القدرة على استعادة سريعة للصور واشرطة الفيديو، وسجل البيانات الملغاة والرسائل النصية بدقة تصل نحو 59% لكافة اجهزة الهواتف النقالة – تتضمن عدة نماذج من اجهزة آي فون“.
سعت الحكومة الأميركية لتخفيف الانتقادات المتوقعة، حول نفوذ شركة “أجنبية” تمنحها صلاحية اختراق البيانات الخاصة، باعادة تركيز الانظار على “الخطر الايراني” في مجال الحرب الالكترونية، ووجهّت تهماً لسبعة أفراد “مدعومين من ايران حاولوا تعطيل عمل سد للمياه في ولاية نيويورك .. واختراق اجهزة الكمبيوتر الخاصة ببورصة نيويورك ومؤسسات مصرفية اخرى لنحو 40 شركة أميركية“.
الأفراد المتهمون لا يزالوا طلقاء ويجري البحث عن أماكن إقامتهم.في الوقت عينه، وبالتزامن مع توجيه التهم القضائية، أعدت وزارة المالية الاميركية لائحة باجراءات مقاطعة ضد عدة اشخاص ايرانيين على خلفية اطلاق طهران تجارب على صواريخ باليستية، وصفتها يومية “واشنطن تايمز” اليمينية، 24 آذار/ مارس، بانها أتت لتعزيز عزم ادارة الرئيس اوباما عدم الرضوخ لايران امام خصومه السياسيين.
وأضافت الصحيفة أن لائحة الاتهام للسبعة تعد “المرة الأولى التي تلجأ اليها الأجهزة الحكومية ملاحقة مواطنين (اميركيين) متهمون بالتعامل مع دولة اجنبية بهدف عرقلة اداء اجهزة البنية التحيتة في الولايات المتحدة.”
وأوضحت نائبة رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ، دايان فاينستاين، عمق القلق في الدوائر الرسمية بالقول “إن استطاع القراصنة الظفر بالسدود، وشبكة توزيع الكهرباء، والمطارات، ومصادر المياه او المفاعلات النووية، فان حجم الضرر الناجم عنها سيكون هائلاً“.
البعد السعودي
لسنا هنا بصدد الإشارة إلى تنامي العلاقات “الرسمية” بين الرياض وتل ابيب، إذ أنها ليست بحاجة لتقديم الدلائل والقرائن سيما وأن اصحابها لا يخجلون من الإعراب عن تلازم علاقتهم ومصيرهم السياسي بالكيان الصهيوني.
الأمر الأهم هو الذي يتعلق بالحرب الالكترونية، التي تفتقد السعودية لأي من مكوناتها ومستلزماتها التقنية والبشرية، بينما يقتصر دورها التمويلي تكملة لوظيفتها في خدمة الاستراتيجية الاميركية، واستراتيجية الكيان الصهيوني دون مساحيق تجميلية.هنا المسألة تتعلق بتضافر الجهود الاميركية “والاسرائيلية” في استهداف اجهزة الطرد المركزية في ايران، ببرامج الكترونية ضارة، أشهرها “ستاكسنت و فلايم“.
المؤرخ الاميركي البارز باري لاندو، صاحب كتاب “شبكة من التضليل: تاريخ التواطؤ الغربي في العراق، منذ شرشل لكندي وجورج دبليو بوش،” ينقل عن تقرير صادر عن “جامعة تل ابيب” مطلع العام الجاري يشير فيه إلى السعودية بأنها “الأمل الاخير وخط الدفاع عن اسرائيل .. فالسعوديون يشكلون الأمل النهائي للدولة اليهودية لحماية مصالحها السياسية في العالم العربي“.
ويضيف نقلاً عن “مصدر خاص رفيع في الحكومة الاسرائيلية” قوله إن “رئيس الموساد الاسرائيلي قصد السعودية عدة مرات للبحث مع نظرائه هناك (تركي الفيصل ولاحقا بندر بن سلطان) إبرام اتفاقية من شأنها تُقدم السعودية على تمويل جهود (اسرائيل) تنفيذ جملة اغتيالات لعدد من كبار علماء الذرة في ايران .. تتقاضى بموجبها مليار دولار“.
واستطرد بالقول إن مصدره الرفيع قال إن السعوديين “اعتبروا المبلغ رخيصاً مقابل حجم الضرر الذي سيلحق ببرنامج ايران النووي، “ليس من العسير الذهاب بالقول إن ما يتيسر من امكانيات تقنية لدى “سيليبرايت” سيسخّر (أو أنه مسخّر عملياً) في خدمة الحكومة السعودية مقابل أموال طائلة ايضا؛ بل لدول الخليج الأخرى إن لم تكن مجتمعة فباغلبيتها.
القرصنة صناعة ومهنة
في لحظة نادرة من الصراحة العلنية، أوضح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية “الاسرائيلية،” عاموس يادلين، طموحات وخطط جهازه لتسخير التقدم التقني والالكتروني في برامج عسكرية.
وقال في نهاية عام 2009 أمام “معهد دراسات الأمن الوطني،” أحد نخب مراكز الابحاث الصهيونية، “دعوني أوضح لكم أمام هذا المنبر المرموق أن مجال الحرب الإلكترونية يتطابق تماماً مع العقيدة الدفاعية لدولة اسرائيل .. وهو مجال لا نستطيع فيه الاعتماد على دعم خارجي او تقنية ليست من صنعنا“.
تشير البيانات الاقتصادية المتوفرة إلى قطاع مزدهر في مجال التقنيات الالكترونية “الاسرائيلية،” بلغت وارداتها عام 2015 وحده نحو 6 مليارات دولار، استقطبت نحو 20% من اليد العاملة في قطاع الاستثمارات الخاصة؛ فضلا عن عائدات التصدير التي تفوق احيانا صادرات “الاسلحة الاسرائيلية“.
جذور برنامج الأمن الإلكتروني، بكافة تلاوينه وتطبيقاته، تجدّ أرضيتها في قطاع المؤسسة العسكرية “الاسرائيلية،” كأكبر واضخم جهاز في الكيان يعززها الاستثمارات المستدامة والعالية في المجالات العسكرية المختلفة، لا سيما في قطاع الاستخبارات.
من المعلوم أيضاً أن عدداً لا بأس به ممن خدم في تلك الاجهزة استفاد من خبرته التقنية لتوظيفها في أعمال “تجارية” الطابع لخدمة اهداف واحتياجات المؤسسة العسكرية.
كما أن السياسة “الحكومية تنحاز لتقديم مختلف التسهيلات والاعفاءات الضريبية“.
للإضاءة على نمط العلاقة التبادلية علينا الإشارة إلى أبرز برامج “الأمن الالكتروني” الخاص بالشبكات، برنامج “شيك بوينت،” الذي أضحى البرنامج المفضل للحضور الإلكتروني الأميركي منذ عقد التسعينيات.
يترأس شركة “شيك بوينت” غيل شويد، بعد خروجه من الخدمة الفعلية لأهم الوحدات الالكترونية “السرية – وحدة 8200” في المؤسسة العسكرية “الاسرائيلية” حقق فيها منصبا “رفيعا بالغ السرية“.
ويستقطب شويد موظفيه من صفوف الاجهزة العسكرية والالكترونية، أحدهم الرئيس السابق لتلك الوحدة، نير ليمبيرت، وآخرين. في مطلع العام الجاري عقد مؤتمر في تل ابيب “سايبرتك 2016” استقطب الاف الكفاءات التقنية من الخارج، بحضور بنيامين نتنياهو، كان احد محاوره “الأمن الالكتروني للسيارات“.
يذكر أن تقنية الإلكترونيات الحديثة تدخل في مكونات صناعة السيارات مما يجعلها عرضة للقرصنة والتسبب في تعطيل الكوابح عن بعد وربما مقتل ركابها.
جاءت إشارة عابرة لإهتمام “اسرائيل” بتقنية الكترونيات السيارات في مقال نشر عام 2014 أوضح أن “القيادات العليا تولي اهتماما عالياً لتلك المسألة منذ عدة سنوات؛”تتعلق بتطبيقات مختلفة لقرصنة الاجهزة السيارة، بل ان “بعض المنظمات ودول اخرى باستطاعتها الحاق الضرر باهداف وشخصيات محددة عبر شبكة الانترنت“.
واستفاض مصدر المقال بالإشارة “الإفتراضية” لرغبة جهاز استخباراتي معين التخلّص من شخصية ما في بلد اجنبي “عبر السيطرة على أجهزة التحكم الالكترونية في سيارة يقودها، عادة ما تكون حديثة العهد.
حينئذ ما عليك إلاّ إجراء اتصال عن بعد مع أجهزة الكمبيوتر بداخل السيارة، ومعرفة كيفية تتبع أي جهاز محمول في حوزة السائق، حتى لو كان خارج الخدمة أو معطلاً. باستطاعتك حينها متى ستحاول السيارة السير في منحدر منخفض والتحكم بإبطال عمل نظام الكوابح حالاً. عندئذ تكون قد حكمت على نهاية كل من كان بداخل السيارة.”من نافل القول أن اعضاء تلك المؤسسة الالكترونية يستغلون ميزاتهم الاقتصادية إلى أبعد حد، للانخراط في صفقات “تجارية” مع نظم متعددة لا سيما في دول العالم النامي في منطقة آسيا الوسطى بشكل خاص، جورجيا واذربيجان مثالا، بما يمكنها من الحصول على بيانات حصرية غير مقيدة لمعلومات تخص اتصالات مواطني تلك الدول ونشاطاتها المتعددة على شبكة الانترنت، دون رقيب.يشار إلى أن “بعض تلك الشركات الاسرائيلية” وجهت لها تهم مساعدة جهود وكالة الأمن الوطني الأميركية في التلصص والتجسس على المواطنين الأميركيين.
هيكلية اجهزة الحرب الالكترونية
بالإشارة إلى “وحدة 8200” عالية السرية فانها تتخذ مقراً لها في صحراء النقب، وتطورت تدريجياً من جهاز اشارة ملحق بالجيش “الاسرائيلي” إلى أبرز الأجهزة في مجال الحرب والقرصنة الإلكترونية.
إحدى الشركات الأميركية المختصة بتقييم صلاحية الشركات والمنشآت الاخرى اعتبرت “وحدة 820 من بين مجموعة من ستة لكبار الأجهزة المبادرة للهجمات الالكترونية في العالم“.
من ضمن أولويات الوحدة المذكورة ما يعرف “بجرف المعلومات والبيانات، والتعامل مع كم هائل منها يقدر بالملايين للتوصل الى معلومة تعتبرها مهمة، والتعرف على عادة التكرار في البيانات مما يؤشر على مسار غير سوي ضمن تصنيفاتها“.
تشتهر تلك الوحدة أيضاً بقدرتها على انتاج البرامج الضارة – الفايروسات. وقد أوضح المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني، ادوارد سنودن، لمجلةدير شبيغلالالمانية أن “اسرائيل ساعدت الولايات المتحدة في انتاج فايروس ستاكسنت .. عام 2010” ضد اجهزة الطرد المركزية في ايران.
جهود “وحدة 8200” للتجسس وتجنيد الفلسطينيين لا تعرف حدوداً لها، ولا تقتصر على العناصر المصنفة “معادية لاسرائيل” فحسب، بل لأفراد عائلاتهم وأقربائهم وجيرانهم، وكل من قد يشكّل مصدراً للمعلومات تخص “الحالة الصحية والوضع المالي والمسلك الشخصي” للفرد.
رئيس الأركان غادي ايزنكوت كافأ “وحدة 8200” بتطوير وضعها الميداني إلى “قيادة سايبيرية،” بقرار أصدره مطلع الصيف الماضي، ، يخوّلها بموجبه “الإشراف على كافة الأنشطة العملياتية في الفضاء الإفتراضي“.
ونجح بعض المنتسبين اليها باجتياز دورة تدريبية في نهاية العام الماضي، امتدت أربعة اشهر.وفق تلك الرؤيا، من المتوقع إيلاء “القيادة السايبيرية” مهاما هجومية ودفاعية في آن، بتنسيق وثيق مع الوحدات الميدانية الأخرى لاختراق اجهزة التحكم والسيطرة للطرف المعادي.
نقلاً عن موقع الميادين