مساعٍ أمريكية لاستخدامها أداة لتنفيذ أجندتها الإقليمية الدولة الكردية بين حق تقرير المصير ومشاريع تفتيت المنطقة
أعادت الأزمة السورية الحديث عن “الدولة الكردية” إلى الواجهة مرة أخرى، مع ارتفاع الأصوات المنادية بدولة سورية فيدرالية تفتح المجال أمام الأكراد السوريين لتقرير مصيرهم.
ولا يزال حلم الدولة الكردية التي تضم الأكراد المنتشرين في الدول الأربعة المتجاورة (تركيا، سورية، إيران والعراق) يراود الكثير من الأكراد الذين يعتبرون أنفسهم أكبر المتضررين من اتفاقية سايكس – بيكو. ويرون في الأحداث المتلاحقة في المنطقة، من سقوط النظام البعثي في العراق، والهجمة التي تتعرض لها سورية، وتراجع النفوذ التركي في المنطقة، إضافة إلى وجود مصلحة أمريكية في تقوية حضور بعض القوى الكردية السياسية. إلا أن الأكراد أنفسهم منقسمون في رؤيتهم لمستقبلهم في الدول التي ينتشرون فيها. فالقوى السياسية الممثلة للأكراد في هذه الدول، تحمل رؤىً متباينة تصل حدّ التناقض، فيما يتعلق بمستقبل الأكراد في المنطقة.
[widgetkit id=”17″ name=”كرد”]
الأحزاب الكردية: صراع في الآليات والأهداف
وتعتبر الخارطة السياسية للأكراد الأكثر تعقيداً، كون الأحزاب الكردية تتوزع على الأربع دول التي ينتشر فيها الأكراد.
ووفقاً للباحث الدكتور موفق محادين، فإنه منذ ظهور المسألة الكردية في بدايات القرن العشرين, لم يحدث أي توافق للمجاميع الكردية السياسية. ويعود ذلك –وفقاً لمحادين- إلى تباين مواقع ومواقف القوى الكردية المختلفة. فالحزب الرئيسي لأكراد تركيا, وهو حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي, حزب الشعوب, حزب اشتراكي مرتبط باليسار العربي واليسار الثوري التركي, كما تدرب في معسكرات المقاومة الفلسطينية، وقدّم عشرات الشهداء في صفوف هذه المقاومة.
فيما ينقسم أكراد العراق بين حزبين كبيرين, حزب الاتحاد الوطني ومقره السليمانية, وهو حزب وسطي برئاسة جلال الطالباني الذي عيّنه الأمريكيون رئيساً للعراق بعد احتلاله وتحطيم دولته الوطنية المركزية (يشار إلى أن الطالباني سبق وعمل أيضاً لفترة قصيرة مع المقاومة الفلسطينية).
أما الحزب الآخر, الحزب الديموقراطي الذي يدير إقليم كردستان العراق, فهو حزب لا ينكر علاقته مع العدو الصهيوني وسلطة أردوغان. وهناك قوى جديدة في الإقليم تتراوح بين السلفية والوطنية الكردية, بالإضافة لأوساط مقربة من الحزب الشيوعي العراقي.
ويضيف محادين “فيما يخص سوريا فالأكراد السوريين يتوزعون بين تيارات متعددة, منها الجماعات الصوفية والسلفية والحركة الشيوعية والأوساط المحسوبة على صالح مسلم”.
ويشير الكاتب محادين إلى أنه فيما يخص أكراد إيران، فإنه لا يُعرف الكثير عنهم منذ فشل جمهورية مهاباد التي أعلنت لفترة قصيرة بدعم موسكو بُعيد الحرب العالمية الثانية.
ويؤكد الدكتور موفق محادين في حديثه لـ نداء الوطن، أنه بالمجمل، فإن التجربة الدولية من زاوية تاريخية لا تسمح بقيام دول كردية مركزية. فبعد سنوات قليلة من اتفاقية سيفر التي أعقبت الحرب العالمية الأولى واعترفت بالأكراد, تمكّن مصطفى كمال أتاتورك بدعم روسي من إلغاء هذة الاتفاقية واستبدالها باتفاقية لوزان التي عادت وكرّست السيطرة التركية على مجمل الأراضي المعروفة بتركيا الحالية.
والأهم من كل ذلك، أن دول الإقليم التي يعيش فيها الأكراد تتوافق فيما بينها ضد قيام مثل هذه الدولة, التي لم تكن أكثر من ورقة ضغط وابتزاز بيد الأمريكان ودول الأطلسي.
ويرى الدكتور عصام الخواجا نائب أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، أنه بالرغم من وحدة هَمّ الهوية القومية لدى الكرد، والمعاناة الناجمة عن الغبن التاريخي الذي لحق بالشعب الكردي وحرمانه من حقه في تقرير المصير، إلا أن رؤية هذه الأحزاب لحل المسألة الكردية ليست واحدة، وهنا قد يكون من الصعب استعراض مواقف كل الأحزاب والفصائل الكردية في دول الإقليم المتجاورة ، إلا أن هناك رؤيتان تمثلان في مجموعهما رأي غالبية الكرد.
ويوضح الدكتور الخواجا في حديثه لـ نداء الوطن، أن الرؤية الأولى تسعى في خطابها الصريح للانفصال وتأسيس دولة كردية في شمال العراق، وهي امتداد لخيارٍ أسس له الملا مصطفى البرزاني منذ ستينيات القرن الماضي، وحظي بدعم صهيوني صريح، ويتبناه بشكل رئيسي “الحزب الديمقراطي الكردستاني – مسعود البرزاني” وقوى كردية أخرى في كردستان العراق.
الرؤية الثانية –وفق الخواجا- تدعو لحل المسألة الكردية من خلال “إعادة بناء الجمهورية والحل الديمقراطي للقضية الكردية”، و”التحول الديمقراطي في بُنية الدولة والسياسة والمجتمع” حسب الزعيم التاريخي عبدالله أوجلان في مرافعته أمام المحكمة في تركيا. ويضيف أوجلان “إن الحل الديمقراطي للقضية الكردية يكون من خلال الجمهورية الديمقراطية ودستور ديمقراطي جديد”. وبذلك “سيتم تحقيق وحدة البلد على أرضية أكثر صلابة من خلال إحياء الكرد لكيانهم الثقافي واللغوي، عن طريق الأخوة في وطنهم الأم”، وفق خطاب سابق لأوجلان.
أما حزب الاتحاد الديمقراطي – سوريا، الذي يمثل القوة الأكبر والأكثر تأثيراً ونفوذاً في في الوسط الكردي السوري، ويشكل امتداداً فكرياً لتجربة حزب العمال الكردستاني، فيتبنى مفهوم الإدارة الذاتية وفق المفاهيم والمبادىء التي تتقاطع وما تحدث به أوجلان أعلاه.
أوجلان – البرزاني: صراع زعامات أم صراع مشاريع
الصحفي وعضو المجلس المركزي لحزب الشعوب الديمقراطي في تركيا بركات قار وفي حديثه لـ نداء الوطن، أكد أن كافة الأنظمة في الدول الأربعة التي يتواجد فيها الأكراد تتفق على رفضها سلفاً فكرة حق تقرير المصير للأكراد رغم معاناتهم التاريخية، بل إنهم يتهمون الأكراد بالانفصالية والعنصرية عند قيامنا بالمطالبة بأدنى حقوقنا الإثنية والديموقراطية المشروعة كقومية.
ويشير قار إلى أن القوى الكردية المنظمة أصبح لها ثقلها في جميع أماكن تواجدها الطبيعية والتاريخية وخاصةً بالعراق وتركيا وسوريا. لكن من المعروف ونتيجةً للتفاوت في النمط الاقتصادي والسياسي الحاكم بين الدول الأربعة, فإن القوى الكردية تختلف في طرح برامجها السياسية والمطالبة بحقوقها المرحلية والنهائية في كل بلد على حدا.
ويلفت القيادي قار إلى أن الأحزاب والتيارات الكردية في تركيا متفقة على أن الأكراد في تركيا يعانون اغتصاب حقوقهم واضطهادهم، بينما تختلف على أشكال النضال وتحقيق الحريات المطموسة والتخلص من السلطات التركية. فحزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان برغم اعتماده الكفاح المسلح، يطالب بالحل السلمي والتفاوض لقيام الدولة الموحدة الديمقراطية، ويرفض قيام الدولة الكردية المستقلة. بينما الحزب الاشتراكي الكردستاني، يطالب بالفدرالية الكردية. فيما حزب الدعوة الحر الإسلامي التوجه يعادي جميع الأحزاب الكردية متفقاً مع النظام التركي على حقوق ثقافية ومعتقدات طائفية.
ويشير بركات قار إلى أنه من المعروف أن حزب العمال الكردستاني هو الذي يقود النضال سراً وعلناً ضد النظام التركي، ويختلف مع الأحزاب التقليدية الكردية التي تتمثل بالبرزاني والطالباني في العراق، وخاصةً اختلافه مع البرزاني اختلافاً كلياً، فيما عدا الاتفاق على وجود القومية الكردية وشرعية حقوقها كالقوميات الأخرى.
ويكشف قار أن مسعود البرزاني يعادي حزب العمال الكردستاني لأسباب عديدة منها، أولاً: رفضه لقيام الدولة القومية الكردية. ثانياً: للدفاع عن مجلس موحد للأكراد في الأقسام الأربعة. ثالثاً: الدفاع عن الكونفدرالية في المنطقة والتعايش السلمي بين الشعوب والأديان بديمقراطية المجتمع والقبول بجميع الحريات والتعددية.
الأكراد وتاريخ العلاقة مع “إسرائيل”
ويكشف عضو المجلس المركزي لحزب الشعوب الديمقراطي بركات قار أن نهج البرزاني السلطوي لا يتقبل مثل هذه التوجهات التي يطرحها أوجلان. وأنه يلجأ لنهج سلطوي يمارسه ضد جميع الأحزاب في كردستان العراق لكي يبقى رئيساً لدولة كردية متعاونة مع جميع الأنظمة بما فيها “إسرائيل”.
إلا أن قار يرى أنه من الواضح أن نهج البرزاني أصبح ضعيفاً أمام المعارضة العراقية الكردية. وتقدم حزب العمال الكردستاني في تركيا والعراق وسوريا يوماً بعد يوم رغم شن الحرب المستمر عليه من قبل نظام حزب العدالة والتنمية في تركيا على كل الأصعدة بالتعاون مع البرزاني وقوة تكفيرية مختلفة في سوريا والعراق.
ويتفق الباحث الدكتور موفق محادين مع ما ذهب إليه قار، ويرى أنه في العلاقة مع العدو الصهيوني, فإن الحزب الديموقراطي بزعامة عائلة البرزاني هو العلامة البارزة في هذة العلاقة منذ عقود, وزعيمه ضيف دائم في تل أبيب ومؤتمرات هيرتسليا الصهيونية التي سبق واقترحت إقامة كونفدرالية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية والأردن وإقليم كردستان العراق رابطة ذلك بإحياء خطوط وطرق حيفا – كركوك – أربيل.
فيما يشير الدكتور عصام الخواجا إلى أن التاريخ الموثق للعلاقات الكردية – الصهيونية يعود إلى العام 1963، عندما زار بدير خان وبمبادرة من مصطفى البرزاني “إسرائيل”، واجتمع خلالها برئيس حكومة الكيان الصهيوني في حينه ديفيد بن غوريون.
وتعززت العلاقات الثنائية بين مصطفى البرزاني و”إسرائيل” لدرجة أن البرزاني زار الكيان الصهيوني عدة مرات بين الأعوام 1966 و 1973، والتقى بقيادات الكيان الصهيوني من أمثال زلمان شوفال، ليفي اشكول، موشي دايان، ومناحيم بيغن.
وحديثاً، سار مسعود برزاني على خطى والده، حيث يشير الدكتور الخواجا إلى تصريحات قادة صهاينة أمثال نتنياهو، وبيريز وليبرمان تؤيد قيام دولة كردية في شمال العراق، وورد على لسان وسائل إعلام مقربة من القادة الصهاينة عن مساع “إسرائيلية لمساعدة الأكراد في بناء دولة مستقلة يعترف بها العالم، ما يتماشى مع رغبة الكيان الصهيوني في إضعاف العراق وتفكيكه، كما حصل في السودان وانفصال جنوبه بجهود وتدخل “إسرائيلي” منهجي، ولأن في ذلك بالتحديد إضعافاً للعراق وسوريا”، وهذا ما يؤكده الجنرال الصهيوني ميخائيل هرتسوغ بأن تقسيم العراق وسوريا إلى دويلات متنازعة يخدم مصلحة “إسرائيل.”
ويرى الدكتور الخواجا أن توطيد العلاقات لم يقتصر على بُعد التعاون اللوجستي العسكري ليتطور إلى شراء الكيان الصهيوني النفط المصدر من كردستان عبر ناقلات بحرية ترسو في ميناء عسقلان.
أكراد سورية ودعوات الفيدرالية
يشير عضو المجلس المركزي لحزب الشعوب الديمقراطي بركات قار إلى أن وقوف حزب العمال إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية (P.Y.D) وقوات حماية الشعب في سوريا، قد غيّر الموازين، وأدخل القضية الكردية في المعادلة الإقليمية بشكل فعلي لأول مرة. خاصةً نضالاته البطولية ضد داعش. وهو الأمر الذي جعل أميركا وروسيا تفكر بدعم الـــ (P.Y.D) خلافاً لتركية والسعودية.
لكن قار يرى أن محاولة إعلان الفيدرالية من قبل الأكراد في سورية، بدون اللجوء لرأي مكونات المجتمع السوري الذي يمر بمحنة، كبديل عن الحكم الإداري المقبول تحت السقف الدولة الواحدة. هذا الإعلان كان ولا يزال موضع نقاش بين الحلفاء داخل وخارج سوريا. فالأحزاب الكردية والعربية في سورية بأغلبها لم توافق على هذه الخطوة، إذاً المفيد إعادة النظر بذلك.
ويتفق الباحث محادين مع ما طرحه قار حيث يؤكد على أن الموقف الكردي ليس موحداً إزاء أفكار مثل الكونفدرالية وغيرها.
ويرى محادين أن القضية الكردية في سورية تختلف اختلافاً كبيراً عنها في البلدان الأخرى، ذلك أن الأكراد في سورية هم مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وينبغي أن يرتبط نضالهم بمصالح الشعب السوري ومستقبله في إطار سورية واحدة موحدة.
فيما يلفت الدكتور عصام الخواجا إلى أن الأمريكان يحاولون استخدام طموحات الكرد كأقلية إثنية في سورية بما يخدم مصالحهم في المنطقة، ضمن منظومة حلفائها الرئيسيين، تركيا و”إسرائيل” والسعودية.
ويرى الخواجا أن السياسة الأمريكية بالنسبة لأكراد سورية ترمي لخلق تحالف شبيه بالتحالف الأمريكي مع أكراد العراق، حيث أضحت العلاقات الأمريكية الثنائية مع الكرد في العراق بالتحديد، جزءاً مكوناً وركناً أساسياً من السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وتصنيفهم ضمن حلفائها المقربين.
من المهم، وفق الدكتور الخواجا الإشارة إلى أن إبراز القضية الكردية من الناحية الإثنية في العراق أو سورية، يُستخدم من قبل أمريكا لتنفيذ رؤيتها للشرق الأوسط الجديد، وليس انطلاقاً من التمسك بحق الشعوب في تقرير المصير.