في ذكراك.. بعضٌ من قلم، لنُجدّد القَسَمْ!/وسام الخطيب
لم أتعجب تجمد بحور الحبر في قلمي وارتعاداته المتواصلة والمتتالية، ومحاولاتي العبثية في تثبيته على الورقة عَلّي أستطيع الكتابة بكل ما أوتيت من قلم..! بيدَ أني أدركت أن ارتعادة قلمي ما هي إلا ردة فعل لجسدي المرتعد!!
عشية السادس والعشرين من شهر كانون الثاني للعام الثامن بعد الألفين.. لا زلت أذكر تفاصيل عشية السبت الباردة تلك، التي كان مجرد الحديث عنك يقحم الدفئ فيها، وكأن الشمس تسطع بداخلي أنا ورفيقي الذي كان يجالسني غرفتي.. لا زلت أحسن تلك الفرحة العارمة التي اجتاحتني ورفيقي لحظة اعلامنا أن اليوم التالي – الأحد – سيكون دورنا في السهر على راحتك وأنت ترقد على سرير الشفاء، وكيف أبحرنا في بحر الغد الذي سيجمعنا بك… لكن، فجأة.. يأتي جرس هاتف رفيقي ليكبح جماح مشاعرنا الهائجة، وبعد إخباره لي أنه والده – المُتصل -، أجاب المكالمة بكلمتين فقط: “ألو” – و “لا يابا!”، ثم أقفل ولم ينبس ببنت شفة! وعند سؤالي له ما الخطب؟ لم يُعرني انتباهاً كأني لم أكن هناك، أشعل سيجارة ونفث دخانها متنهداً وقال: “الحكيم..!”، وسكت، فتَجَلَّدْتُ.. ثم قال: ” والدي يقول أن الحكيم قد رحل…!”… أيُعقل أن القدر اتخذ قراره ونفّذه سريعاً؟! مهلاً مهلاً أيها القدر.. ليلة أخرى فقط!
الشيء الوحيد الذي لا أذكره هو كيف هرعنا – أنا ورفيقي – مسرعين لنجد أنفسنا مع باقي الرفاق.. توجهنا إلى المستشفى في صبيحة اليوم التالي، حيث كان قد سبقنا بعض الرفاق لتجهيز الترتيبات للقاء الأخير.. نعم إنه ليس وداعاً فحكيمنا كالشمس يشرق فينا كل لحظة باعثاً فينا الحياة، مجدداً فينا الأمل..
عام آخر مر على ترجّل حكيمنا وضميرنا النابض فينا عن صهوة جواده.. ترجّل ليعتلي عنان السماء، ترجّل وترك فينا مدرسة فكرية وثورية بفلسفتها أيقظت أرواح العروبة الميتة.. مدرسة الزعتر والزيتون والبرتقال الحزين المتأصل في تراب حيفا ويافا واللد المجبولة بروحه الكنعانية.. مدرسة الثبات والرد السريع الهادر كأمواج غزة التي تتحد مع روحك وبحرها النابض في الحياة دوماً…
كنعان الذي حشرجت عينيه اشعل البرق وأطلق الأغنيات غضباً، ونحن كما عهدتنا جئناك اليوم تتعالى صرخاتنا أن وقت الأحلام والسبات العميق والانتظار والمراوحة انتهى.. جئناك ونقسم أن نكون وعد الشمس فوق هضاب القدس، وأن نبقى نحن الدرب حتى نحقق المستحيل ونخلق هانوي العرب، ونبني جسر الحرية على جماجم وعظام شهدائنا.. وقسماً ببرتقال يافا وذكرياتنا سنحاسب كل بائعٍ ومشترٍ ومتهاون، ولن نستكين حتى نعيد حنظلة لأُمّه ونُري العالم أجمع ابتسامته..
اليوم ونحن في حضرتك وفي ظل ربيعنا العربي الذي يغزو حدائقه الشوك، والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى أن يتحول لخريف أصفر بعد أن جاءنا العم سام ولصوصه ليقطفوا زهوره – الربيع العربي -، وليزرعوا المزيد من أشواكهم السرطانية بيننا.. إن أشد ما يؤلمنا ليس أشواك العم سام يا أبي! إنهم اخوتنا الذين أضحى الذئب منهم أرحم…! لكن شمسك تشرق كل صباح ليتنفس فيَّ الأمل، حين أسمعك تناديني وتقول: “لا تستوحش طريق الحق لقلة السائرين فيه”، فأراني أردد من بعدك:” إن هذه الجماهير، إن عمالنا وفلاحينا، مع هذه البنادق.. ستعرف كيف تحول الهزيمة إلى انتصار”.. “وفي الغد مهما طال زمن، سنحتفل حتماً بتحرير الأرض، تحرير القدس.. تحرير كل أرض فلسطين”..