فاتورة الكهرباء/ إبراهيم المومني
ينادي عامل الجباية على اهل البيت : كهرباء يا اهل الدار..
يشرئب محمود بعنقه من شقٍ فتحه في الباب : الله يعطيك العافية، يقولها ثم يتثاءب..
– ستُفصل الكهرباء خلال اربعٍ و عشرين ساعة، استوجب عليكم دفع ثلاث فواتير
– كم مجمل الحساب ؟
– خذها و احسبها بنفسك
ثلاثون ديناراً ، او لنقل ثلاثون ديناراً لا يملكها..
يقول لنفسه في التماعة ذهنيةٍ خاطفةٍ ما الفرق بين مئة دينارٍ لا املكها، و دينارٍ واحدٍ لا املكه ؟..
– من على الباب يا محمود ؟، يقطع نداء والدته حبل تأملاته ..
– شركة الكهربا يما ، سيفصلونها غداً لاننا لم ندفع ..
تأخذ امه الفواتير و تضعها على البوفيه ، تمسح حبات عرقٍ تكورت على جبينها.. ثم تحدجه بنظرة تشوبها شفقة او حزن مُشاب
– ساستدين من رئيسي في العمل، لا شك انه سيسلفني المبلغ
– ومن اين ستسدد؟
– من الراتب
– وهل تبقى منه شيء؟
– سيتبقى..
تدخل الأم لتتوضأ، تشمّر عن ساعديها و تُبسمل محمود يُناظر اوراق الفواتير في جمودها المُستفز ..
ثلاثون ديناراً ..
يحك رأسه مراراً ، تهبط ذبابة على اذنه فيهشها، تعود لتحط على اذنه الأخرى، يهشها مرةً ثانية، تحط على انفه، و تزعق اغنية وطنية من سيارة عبرت الحاره او من مذياعٍ في بيت ما ، تغور عيناه، يضع رأسه في كفيه و قد بدأ الصداعُ بالتوالد في جبهة رأسه..
يخرج الى الحي، يشعل سيجارة ليتبدد الصداع لكنه يزداد ، يجلس قبالة المقهى، يسرح، يفكر، يشم روائح الكاز و يستنشق ابخرة الاراجيل و الغبار ، و ينتظر كأس شاي تحت الحساب .
تقف امامه امرأة تردد بإزعاج : لو سمحت.. يا سيد.. لو سمحت..
يلتفت اليها بتثاقل، جمالها يوجع القلب و يوخز الروح ..
– تفضلي يا انسة..
عطرها يخيم بسادية لذيذة
– اريد عاملاً ليزيل الاعشاب الضارة من حديقة البيت، قالوا لي اني قد اجد عامل مياومةٍ هنا
تلمع عيناه، يلتهب حماسه و يقول في نفسه : انا سأزيلها، تُكسر الحواجز و تثور الهواجس و المخفيات ..
سأزيلها انا ، قالها خارج قرارات نفسه و هبّ واقفاً..
حين انتهى من ازالة الاعشاب و الاشواك، وارسلت له الانسة ابريق شاي و ثلاثين ديناراً مع خادمتها، كان يحلم بقصرٍ و زوجة و حديقة ، و بمخزونٍ وافرٍ من سجائر المالبورو ، حلم بحفلة عيد ميلاد و رحلة الى باريس..
عاد الى البيت، حاملاً الثلاثين ديناراً و ابتسامة جلية في وجهه ، التفت الى فواتير الكهرباء ، استاء لخمولها فوق البوفيه، امسكها بيساره و اشعلها ثم القاها من النافذة و صاح بأمه : يماا.. استعدي، سنتغدى خارج البيت اليوم..