سؤال برسم الإجابة!…وسام الخطيب
عمان.. التي إذا كنت تخرج صباحاً قاصداً عملك، أو مدرستك، أو جامعتك، أو.. أو.. ترى الناس تتدفق بشوارعها تدفق الدم بالشريان، أو حتى لو قررت الخروج مساءاً سترى نفس المشهد النابض بالحياة.
كعادتي منذ بدأت أجوب شوارع عمان زائراً، خرجت إلى الشارع صباحاً كي أتمشى باحثاً عمّا لم أجد في زيارتي السابقة.. رجعت إلى البيت وقد قررت الخروج مساءاً لأكرر محاولتي في البحث فربما أُوفّق في إيجاد ضالتي التي لم أعثر عليها صباحاً، لكن للأسف حتى في المساء عدتُ أجرّ ذيول الخيبة مرة أخرى..
لقد استبدلوا قلب عمان ببطارية، وباتت شوارعها تعمل بها – البطارية – عوضاً عن القلب والشرايين.. فأينما قررت الذهاب وبأي وقت كان – صباح، مساء – أو حتى بأي يوم من أيام الأسبوع ستجد نفسك عالقاً وسط ماكنات حديدية تفوق استيعاب شوارعنا – الضيقة أصلاً – !!
يا الله كم أصبح شعبي مرفهاً!! فالغالبية يركبون سيارات بمختلف أنواعها، رغم أنهم غير قادرين على تحمل تكاليف تعبئتها بالوقود! وإن سألته – أي صاحب السيارة – عن الإشارة التي تقول أن خزان الوقود في سيارته قد شارف على الانتهاء، يقول: “الضو خربان!”، عجيبٌ أمر هذا “الضو”، أَكُلّ السيارات التي تدخل الأردن تأتينا بـ “ضو خربان!”..
وعلى ذكر “الضو” يراودني سؤال بريء: “ما هو الرابط العجيب بين ضو سيارتك الخربان الضاوي دائماً، وضو بيتك الطافي غالباً على الدوام؟!!!”.. بيتك الذي لا تملك منه غير مفتاح معدني تضعه في جيبك، فالعفش والكهربائيات بـ “التقسيط”، والبيت بالإيجار، وحتى إن كان تملكاً فهو ليس لك، لأنك اشتريته بـ “التقسيط المريح” لمدة 40 سنة، وأنت عمرك – تقريباً – نفس هذا الرقم، أي أن البيت سيكون لولدك الذي سيحتفل بسداد القسط الأخير – إن شاء الله – !
وبالإتيان على موضوع السيارات و “التقسيط” لا يحتاج الأمر لكثير من الحنكة أو قليل من السحر والشعوذة لمعرفة أن غالبية من يركبون السيارات لم يقوموا بسداد القسط الرابع أو الخامس المترتب عليهم للبنك الذي سَهَّل لهم شاكراً معاملة شراء السيارة وغيرها عن طريقه! فالسؤال الأكثر تداولاً الآن لم يعد “بكم اشتريت سيارتك، أو بيتك، أو…؟!” بل أصبح “كم قسطاً يتبقى عليك بعد سدادك هذا القسط؟! أو ما هي المدة التي تم تقسيط المبلغ عليها وتقسيمه؟!”.. فها هو أردننا أصبح معروفاً بـ “التقسيط”!..
إن الأمر يتعدى حدّ الشهرة، فلقد أصبحنا ننافس غيرنا باحتراف بامتصاص دم الشعب بـ “التقسيط”.. لا أعلم صراحة، أهي سياسة كرم الأخلاق والتسهيلات من البنوك وأصحاب رأس المال في الأردن لامتصاص دم الأردنيين بـ “حنيّة وبالتقسيط”، أم أنها سياسة “تاجر البندقية” التي تستدعي أن يبقى المدين الأردني جائعاً لاهثاً وراء لقمته، وأن يبقى بحاجتهم ويرجع إليهم في كل مرة حتى وإن استدعى الأمر أن يسدّ دينه بأن يقطع من لحمه – إن وجد لكثرة جوعه -، أم أنه سيدفع من كرامته!.. سؤال برسم الإجابة…!