زيتونة جدي الجميلة
كان جدي في مزرعته الجميلة، كانت بمثابةِ بيتٍ له، يُحِبُها كأنها السبب في سعادته، يرعاها و يهتم بِها كأنها أحدُ أبناءه، في يومٍ من الأيام هممتُ بسؤاله، جدي لماذا تُحِبُ هذه الأرض لِهذا الحد؟ أجابَ قائِلاً:إنها ليست قطعةُ ارضٍ فَقط يا صَغيرَتي، إنها حياتي بأكمَلِها، أشجارُ الزيتونِ هذه،تُخَبِؤني من أشِعَةِ الشَّمسِ عندما أقف في ظِلِها، تُرابُها يَحتَضِنُني، استَلقي على أرضِها و كأن الهواء يَحمِلُني، عندما أروي جُذورَها بالماء،تَروِني بالحُبِ و العَطاء، هذه الأغصان تحمِل حبات الزيتون عليها، كالأُم التي تَحمِل طِفلَها في حضنِها، جُذور الأشجار تُمسِك في تُراب أرضِها، تَشكُره على إحتِوائِها، موسم قِطاف الزيتون بالنسبةِ لي، كالعيد بالنسبةِ للأطفال، هم يَفرَحون بالمَلابس الجديدة بِحَلوى العيد، أما أنا أفرَح بأشجاري التي كَبِرَت،بالثِمار التي وُجِدَت، لَم أكن أكره الخَريفَ يوماً، كان يُهدد بعض مزروعاتي أجل،ولكن لم يُهدد يوماً زيتونتي، فقد كانت دائمة الخَضار و إنَما لم تكن دائمة الثِمار، بدأت أكره الخَريف عندما خَيم على بلادِنا بأكمَلِها سنة ١٩٤٨، فهذا الخريف لم يكتفي بقتل مزروعاتِنا، قتل أطفالُنا، نِسائنا، سعادَتنا، وحدَتنا، قُوَتنا، دَمَرَ أراضينا، و قطع زيتونَتُنا،هذا الخَريف لم يَكن مُجَرَدَ فصلٍ فقط،كان عدو مُبيناً، الكيان الصهيوني يا صَغيرَتي، قَتل كل ما هو جميلٌ بداخِلِنا، كالخريف الذي يمر على أشجارِنا يَقتُلُها، مر على أراضِينا و أهلَكَها، كالإعصار المُدَمر هَدموا بُيوتنا، سَرَقو أراضينا، أَخَذوا حُقوقَنا، هذه معركَتُنا، و سنفوز بأرضِنا، ما هو ملكٌ لَك لا يَحِق لأحدٍ غيرك، الربيع قريب، سينبت به زَرعُنا، ستزهر به ارضُنا، ستحيا به قُلوبُنا، رَبيعُنا مُتَمَثِلٌ بأسرانا، شُهدائِنا، مُقاوَمَتِنا لأعدائِنا، طالما أن هُناك فلاحٌ يَزرَع أرضه، أسيرٌ يُضرب عن طَعامه، شهيدٌ نفخر به، و مُقاوِمٌ يَرمي الحِجارة، سنعود لأرضِنا لِنَزرَع زيتونَتُنا، فِلَسطين انتِ في الروح جذرٌ لا انتِهاء له!