لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

حالة الحريات العامة في حكومة الرزاز

24 حالة إعتقال و منع لمسيرات في ضل التعهدات و الإنفتاح

عمّان- جاءت حكومة الدكتور عمر الزراز وسط احتجاجات شعبية ضد قانون ضريبة الدخل، والنهج الاقتصادي، كانت دفعت بحكومة الدكتور هاني الملقي لتقديم استقالتها، وتشكيل الحكومة الجديدة، وسط تفاؤل شعبي، انصب اساسا على شخص الرئيس الذي اظهر التفاعل مع خبر تكليفه “تأييدا شعبيا واضحا، مدفوعا برغبة في التغيير” بحسب مراقبين.

التفاؤل الشعبي ذلك رفع ثقة المواطنين بحكومة يريدونها قادرة على معالجة الخلل الاقتصادي، ورفع منسوب الحريات العامة، وتعالج الظواهر المجتمعية السلبية، وتعزز دور الشباب والمرأة في صنع القرار.

وقد عزز من تطلع الأردنيين لحريات اوسع وإصلاح أشمل، وفكر جديد بالاداء السياسي، التصريحات الأولى التي اطلقها الرئيس الرزاز غداة استلامه المسؤولية، والتي اكد فيها الحرص على الحفاظ على حقوق الأردنيين، ومن بينها الحق بحرية الرأي والتعبير.

الأشهر الخمسة الماضية من عمر حكومة الرزاز كانت كفيلة بتراجع ثقة الناس بها، وحتى بشخص الرئيس، كما يقول ناشطون، سيما في ظل بقاء النهج الاقتصادي كما هو دون تغيير، وعدم احداث انفراج في الحريات العامة والحياة السياسية بشكل عام، يضاف الى ذلك ما يقول الناشطون وفاعليات حزبية ونقابية انه “توسع في الاعتقالات بصفوف حركيين وناشطين نقابيين وحزبيين”.

حتى الآن، وصل عدد الموقوفين في عهد الحكومة الحالية، على خلفيات نشاطات سياسية وعامة، وفق رصد تحقيقي اجرته “الغد”، الى نحو 24 موقوفا، كان اخرها لعضو لجنة الحريات بنقابة المهندسين رامي سحويل وعضو حزب الوحدة الشعبية بشار عساف، لينضما الى الحراكي المهندس سعد علاوين الموقوف منذ نحو 50 يوما.

عدد الموقوفين المذكور والذي تم رصده إعلاميا، لم يتسن لـ”الغد” تأكيده من قبل المركز الوطني لحقوق الانسان، الذي رفض الاجابة عن استفسارات معدة التحقيق حول عدد الشكاوى التي تلقاها المركز حول الاعتقالات بعهد الحكومة الحالية، واعاد المركز رفضه إلى أنه “يعكف حاليا على اعداد تقرير سيصدر عن المركز يتضمن كل المعلومات حول هذه القضايا” بحسب مصدر مسؤول بالمركز.

التوقيفات شملت ناشطين وحراكيين، موزعين على العاصمة عمان، السلط وذيبان، ومن بين أسماء الموقوفين إضافة للعلاوين وسحويل وعساف، كل من أنس التميمي، سمير النمراوي، سالم جرادات، معتصم السالم، حمزة بني عيسى، أحمد النعيمات، أنس أبو كركي، خالد أبو دية، ابراهيم الجمالية وحسام العبد اللات وغيرهم.

ولم تنحصر “التقييدات” الرسمية على الحريات العامة، بالتوقيفات لنشطاء في الفترة الماضية، بل وتم منع عدد من الفعاليات، فبحسب حقوقيين فان عدد الفعاليات التي تم منع اقامتها منذ اليوم الأول لحكومة الرزاز وحتى اليوم بلغ نحو ست فعاليات.

النائب خالد رمضان عبر عن رفضه لما تقوم به الحكومة على صعيد الحريات، وقال بتصريح صحفي أمس، “إن ما يحدث من اعتقالات ما هو إلا محاولة لترهيب الحراك الشعبي المتنامي ضد سياسة الافقار التي تنفذها الحكومة والضرب بعرض الحائط بحق الناس بالتعبير والاعتصام السلمي”، وحمّل رئيس الوزراء والحكومة بجميع أفرادها “المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عما يجري من اعتقالات بحق ناشطين”، مطالبا بالأفراج “الفوري عنهم”.

الحكومة، من جهتها، تعتقد انها تسير في الاتجاه الصحيح، فيما يتعلق بحرية التعبير والحريات بشكل عام، ويرى المنسق الحكومي لحقوق الإنسان باسل الطراونة أن هناك “جدية لدى الحكومة منذ يومها الأول بحماية الحريات وحقوق الإنسان بشكل عام”.

واستذكر الطراونة في حديثه لـ”الغد”، أن الرئيس الرزاز وفي اليوم الأول من عمر حكومته عقد اجتماعا مطولا معه واستفسر عن إجراءات فريق التنسيق الحكومي لحقوق الإنسان واين وصل، وان الرزاز “أوعز بتوجيه ستة بلاغات رسمية الى جميع الوزارات والدوائر الحكومية بإجراءات تكفل وتحمي حقوق الإنسان، فضلا عن حثه على الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني”.

ويؤكد الطراونة أن هناك رغبة من جانب حكومة الرزاز لتعزيز جانب الحريات واطلاق حوار وطني يركز على مطابقة الخطاب الإعلامي مع الخطاب التنموي والحقوقي.

ويستدرك الطراونة قائلا “انه قد يكون هناك بعض من أوجه التقصير في بعض المفاصل ذات البعد الفردي، لكنه لا يعكس المنهجية العامة للحكومة والدولة”، منوها إلى أن كل ذلك “سيلحقه إجراءات علاجية بما يحسن واقع الحريات في المملكة”.

الوسط الحقوقي لا يعبر عن رؤية متفائلة لواقع الحريات العامة في عهد حكومة الرزاز. رئيس لجنة الحريات في نقابة المحامين وليد العدوان يرى، في حديث لـ”الغد” ان “عهد الرزاز تميز بازدياد أعداد معتقلي الرأي سواء من قبل مواطنين أو ناشطين فضلا عن ازدياد نسبة التغول على الحريات، حيث أصبح كل من عليه جرم جزائي وبعد اخلاء سبيله وانصافه من قبل المحاكم يعاد إلى الحاكم الإداري، وهو من يفرض عليه التوقيف من جديد، بحجج غير قانونية، أو يضع كفالات بقيم مرتفعة فضلا عن قرارات منع السفر وهو مايعد مخالفة صريحة للحريات العامة”.

وتنص المادة (15) من الدستور الأردني على: “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون”، فيما تنص المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموقع عليه من الأردن: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير،  ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.

ويؤكد المحامي العدوان ان لجنة الحريات في النقابة “رصدت خلال الخمسة شهور الماضية ما يعادل 20 حالة اعتقال تدخلت اللجنة للدفاع عنهم، منهم من تم اخلاء سبيله ومنهم من لم يخل سبيله حتى الآن، يضاف لاولئك 4 معتقلين جدد”.

الناشط السياسي والمعلم صبري المشاعلة (30 عاما) تم توقيفه وتحويله إلى مركز إصلاح وتأهيل الجويدة، على خلفية مشاركته في اعتصام بمنطقة الدوار الرابع في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وخرج بكفالة قبل حوالي أسبوعين.

يقول المشاعلة، ردا على استفسارات “الغد” حول رؤيته للحريات العامة اليوم: “في عهد الحكومة الحالية التي قدم لنا رئيسها وعودا بانفراج في حالة الحريات العامة، تم اعتقالي أمام طلابي في المدرسة، التي أعمل بها في عمان، ووضع غطاء على عيني أمام طلابي”، ويضيف ان ما حدث معه وما يحدث مع ناشطين من “اعتقالات وتضييقات هو اساءة مباشرة لما يسمى بالديمقراطية والحريات العامة” على حد قوله.

ويرى المشاعلة أن الحريات في عهد الحكومة الحالية “أسوأ بكثير من عهد حكومات سابقة”.

في سياق آخر، يصب بقضية الحريات العامة، منع يوم الجمعة الماضي وفد من لجنة المتابعة المنبثقة عن الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات وناشطين من زيارة المهندس سعد العلاوين في سجن ماركا، والموقوف منذ 22 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي،  وذلك بحسب بيان صادر عن اللجنة.

ودان الملتقى ببيانه قرار المنع، واعتبره خطوة “تعكس حالة التراجع في مناخ الحريات العامة بالبلاد وتحولها نحو الأطر الشكلية وانتهاك الحقوق الاساسية المكفولة دستورياً وقانونياً من خلال تعليمات مخالفة يدعو الملتقى المعنيين إلى ضرورة مراجعتها”.

رئيس لجنة متابعة الملتقى محمد البشير طالب بالافراج عن “كافة معتقلي الرأي وعلى رأسهم العلاوين ووقف الاعتقالات والاستدعاءات”، رافضا ما اسماها “قوننة تكميم الافواه”.

واشار، في تصريح لـ”الغد” الى “إفلاس” مقاربات التقييد للحريات العامة التي “ثبت على الدوام انها عديمة الجدوى ومصدر احتقان”.

مؤسسات المجتمع المدني التي أملت ان يفتح تكليف الدكتور الرزاز بتشكيل الحكومة بابا واسعا باتجاه تعزيز الحريات ودولة المؤسسات والقانون، وجدت نفسها بعد اشهر قليلة تختلف مع الرئيس في امور كثيرة، وتتجادل معه بمفاصل مختلفة رغم محاولات الرئيس المستمرة للاستماع لوجهة نظر تلك المؤسسات، وفتح خطوط تواصل معها، كان اخرها لقاءه بها بمؤسسة عبد الحميد شومان مؤخرا.

المديرة التنفيذية لمركز “تمكين” ليندا كلش رات ان الاشهر الخمسة الماضية “ازداد فيها التضييق على الحريات، واعتقل ناشطون على خلفية منشورات نشروها على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن اجراء تحقيق مع آخرين ومنع فعاليات خلافا لاحكام قانون الاجتماعات العامة، الذي يعطي الحق بالتجمع ولا يتطلب إلا اشعار المحافظ”، وترى ان السلطة التنفيذية “تخالف القانون، وهي التي يفترض بها تطبيقه”.

النقابات المهنية لم يختلف موقفها وتقييمها للحريات بعهد حكومة الرزاز عن تقييم مؤسسات المجتمع المدني، إذ اعتبرت نقابة المهندسين، في بيان لها أمس أن “الوطن يحتاج للاستفادة من كل الفرص الممكنة لاستعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة واجهزتها المختلفة والدفع باتجاه إصلاح وطني شامل يمكن الجبهة الداخلية ويرسخها”، لكن النقابة رأت تناميا لحالات “الاعتقال السياسي واستدعاء الناشطين في تماد مستنكر على الحريات العامة وحقوق المواطن المكفولة دستورياً وقانونيا”.

وطالبت النقابة بالافراج عن المهندس سحويل الذي اعتقل “على خلفية مشاركته بالاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بالاصلاح السياسي وتغيير النهج الاقتصادي ومحاربة الفاسدين”، كما طالبت بالافراج عن “كافة معتقلي الرأي والتعبير السلمي الآخرين وعلى رأسهم العلاوين”.

منظمة “محامون بلا حدود” رأت، كما يقول لـ”الغد” مستشارها القانوني المحامي معاذ المومني، أن ملف حقوق الإنسان في عهد حكومة الرزاز، “شهد حالة من التقدم في آليات وأدوات التواصل إلا أن التأثير والتغيير على الواقع الميداني لتلك الحقوق ما يزال يراوح مكانه”.

وقال المومني “لم تحدث الحكومة أي تغيير جوهري من شأنه أن يحسم أو يعتبر تغييرا نوعيا وجوهريا على القضايا الرئيسية الملحة في ملف حقوق الانسان”.

ويرى أن حالة حقوق الإنسان تحتاج  لـ”عمل مؤسسي غير تقليدي وإجراءات إدارية وتشريعية وتطوير ممارسات لحسم العديد من الملفات التي استنفذت حقها في النقاش، وتحديد الاولويات الوطنية الداخلية والخارجية التي تعتبر نقطة البدء في بناء مشروع وطني حضاري قائم على مفاهيم حقوق الانسان وسيادة القانون”.

ودعا المومني لـ”بناء منهجية وطنية واضحة المعالم وضمن أطر زمنية محددة لعمل اللجنة الوطنية الخاصة بمراجعة التشريعات الوطنية”، معربا عن اعتقاده بأن الوقت مناسب لفتح نقاش حول بناء خطة تشريعية وطنية تقوم على مؤشرات وإجراءات عملية تتبع منهجيات التحليل والبحث التشريعي من خلال تقييم الاثر والاستماع الى وجهات نظر الاطراف ذوي العلاقة”.

الناشطة عروب صبح ترى أن القوانين “المطاطة التي تستعمل لتكميم الأفواه لن تسكت الناس طويلا، وما لا يريدون سماعه بالعلن سيبقى يقال، لانه مقرون بحالة من عدم الثقة”، وتؤكد ان الشفافية ووجود إعلام حر ينقل المعلومة ويبحث عن الحقيقة هو “اساس الحرية”.

وتخلص صبح الى القول ان التوقيف الإداري وتهديد النشطاء وملاحقتهم “لن يفيد الدولة ولا يحميها، وان التضييق على الحريات لا يفيد”.

الصحفي محمد شما وبعد أن يلفت إلى انه كان مأمولا من حكومة الرزاز “ان تكون داعمة وحامية للحريات العامة والصحفية”، يقول انه “منذ فترة جرت اعتقالات طالت نشطاء في الميدان، فضلا عن محاسبة صحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يثير الشك حول مدى احترام الحكومة للحريات العامة”.

ويضيف شما “ان المشكلة احيانا انك تشعر بأن حكومة الرزاز لا يد لها في بعض النقاط، لكن نحن نتحدث عن مبدأ الولاية العامة والتي تقول ان اي اعتقال في زمن حكومة معينة فهو سينسب للحكومة ورئيسها، وان اعتقالات الناشطين بسبب آرائهم يؤثر فعليا على وضع البلد واحترامه للحريات العامة”.

ويرى أن حكومة الرزاز لم تختلف عن حكومات سابقة بموضوع تقييد حرية الرأي والتعبير”، منوها ان نشطاء “كان لديهم أمل بالاصلاح في ظل حكومة الرزاز، باعتبار الرئيس جاء من مربع التنوير والاصلاح، ويقدر حقوق وحريات الافراد”، ويستدرك شما بالقول “سرعان ما أحبط هذا الأمل”.

واعتبر أن الحكومة “فشلت في حماية حريات الأفراد وحقوقهم وأن ما تتحدث عنه من ضمانة لذلك ليس صحيحا”، وقال “هي خرقت حقا أساسيا وجوهريا للمواطنين وهو حق حرية الرأي والتعبير سواء في الميدان او مواقع التواصل الاجتماعي”.

المصدر
نقلاً عن الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى