تركيا في الشمال السوري بضوء أخضر أمريكي متأخر: استهداف للأكراد أم للدولة السورية؟!
العملية العسكرية التركية التي انطلقت في الشمال السوري، وتستهدف التواجد الكردي في المنطقة، فسرتها الدولة السورية على أنها استهداف لوحدة سورية وانتهاك لأراضيها، فيما رأت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، محاولة مكشوفة لقطع الطريق على خطتها بحاجز كردي يفصل سورية عن العراق، بينما ظل الموقف الروسي غامضاً حتى اللحظة.
أوهام تركيا في الشمال السوري
يرى السياسي والكاتب الصحفي التركي الأستاذ بركات قار أن تركيا التي لطالما كانت ترفض الحل السياسي السلمي للقضية الكردية في تركيا، لا يمكن لها فرض رؤيتها وإسكات الشعب الكردي في سوريا تحت أي ذريعة كانت، خصوصاً بعد الانتصار الذي حققه الأكراد ضد داعش في كوباني والرقة وعفرين. ويلفت إلى أن رفض الأكراد السوريين للانصياع لأهداف السلطات التركية بإسقاط الأسد هو الذي جعلهم اليوم بمرمى نيران المدفع التركي.
ويتساءل قار؛ إلى أي مغامرة يذهب أردوغان بسياسته الخارجية تجاه جيرانه في سورية والعراق التي تهدف أولاً إلى شد أعصاب المجتمع التركي وإنشاء الجبهة القومية في الداخل تحت ذريعة “الأمن القومي” حتى يضمن نجاحه في الانتخابات القادمة في 2019. وثانياً، عودته إلى الملعب السوري الذي خرج منه بخسارة كبيرة رغم القيام بدوره بكل ما طلب منه من دعم للمعارضة الإسلامية المسلحة على مدى 7 سنوات، واستخدام عفرين ورقة ضغط للتفاوض حول مصير القوة المتحالف معها في إدلب والتي بدأت تتراجع أمام القوات السورية وحلفائها، ومن جانب آخر اغتنام الفرصة للتفاوض مع روسيا حول قائمة المشاركين في مؤتمر سوتشي ورفض مشاركة الأكراد السوريين. وبتقديره كل هذه العوامل وبضوء أخضر من روسيا تمت المغامرة ضمن شروط وبزمن محدد. ولكن السؤال الأهم، هل ستلتزم تركيا بما تم الاتفاق عليه مع روسيا بعدم قصف المدنيين بعفرين والاكتفاء بضبط الحدود أمنياً؟ يجيب قار: لا أتوقع الالتزام بذلك.
فيما يرى د. جمال الشلبي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية، على أن تركيا لا تستطيع فرض رؤيتها للمسألة الكردية في سورية، ولكنها تستطيع أن تحد من ارتفاع “سقف الطموحات والآمال” الكردية في بناء كيان سياسي ما في سورية “الدولة الجريحة” التي تقع تحت تأثير “حرب عبثية” منذ 7 سنوات شاركت فيها تركيا بشكل مباشر على أمل أن تحقق نفوذها السياسي على كامل الشرق العربي عبر “البوابة السورية”.
فالشعور التركي بالخوف من أن يمتد هذا التأثر “الكردي السوري” على “الكردي التركي” في تركيا جعلها تسبق المستقبل، وتسعى عبر سياساتها واستراتيجياتها العامة إيقاف “الحلم الكردي” من التحقق بعدما ارتفع “منسوب” ذلك الحلم في ظل ما يسمى “الربيع العربي” في عام 2011.
عفرين..
بين المدفع التركي والوحل الأمريكي
ويشير د. الشلبي، إلى أنه بالرغم من التوافقات التركية الأميركية، بالعموم، في سورية وعلى سورية، سواء فيما يتعلق بإسقاط الرئيس بشار الأسد أو حتى في ما يطلق عليه” مواجهة الإرهاب”، إلا أن حالة من الشك بدأت تدب بين الطرفين بسبب الاتصال والتواصل، والدعم المادي والعسكري الأميركي لقوات (قسد)، حيث يتشكل عمودها الفقري من قيادات كردية منبثقة مما يسمى “وحدات حماية الشعب الكردي”؛ وهذا ما سبّب قلق وخوف تركي من أن تزداد قوة الأكراد، لا سيما إعلان أمريكا عن تشكيلها جيش من 30 ألف جندي من الأكراد ومدهم بالسلاح الثقيل، ووضعهم على شكل “قوة حدودية” مهمتها الانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالاً والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات. هنا، بدأت تستشعر تركيا الدور الأميركي ليس فقط في تفكيك سورية وتقسيمها، بل وتفكيكها ذاتها. ولا يستبعد د. الشلبي فكرة أن الأمريكان يلعبون على الحبلين التركي والكردي في الشمال السوري.
ويبين أن تركيا قد عبّرت عن رفضها لهذه السياسة الأميركية إزاء الأكراد عبر حملة “غصن الزيتون” إذ تريد أن ترسل رسالتين؛ الأولى للأكراد: مضمونها بأنها لن تقبل بأي كيان سياسي كردي على حدودها قد يشكل تهديداً على أمنها القومي بعيد المدى. والثانية للأميريكان: تعلن فيها بأن تركيا لن تتردد في مواجهة حليفها الاستراتيجي إذا كان الأمر متعلق بوجودها وبأمنها القومي!
ويؤكد أنه ليس لدى أمريكا أي قدرة على إيقاف حملة “غصن الزيتون” لسببين؛ الأول: صلابة الموقف التركي في هذا الشأن والذهاب حتى النهاية في هدفها. والثاني هيمنة روسيا على تلك المنطقة وتركها للأتراك قبل انطلاق الحملة بقليل؛ ما يعني ليس فقط الموافقة الروسية بل والتنسيق الكامل بينهما!.
فيما يعتقد الأستاذ بركات، أن التوافق بين تركيا وأمريكا أمر وارد، كون الدولتين الأمريكية والتركية ضمن حلف الأطلسي، ولديهم مصالح مشتركة ليس من السهل التخلي عنها من طرف واحد. وفي الحقيقة الخلاف بين الدولتين أقل من اتفاقهم بكثير, فالطرفان يتفقان على دعم المعارضة المسلحة لإسقاط النظام السوري والحد من نفوذ إيران وإخراج القوات الداعمة للأسد والحد من السيطرة الروسية على المناطق الحدودية ابتداءً من باب الهوا حتى الحدود العراقية وبالأخص شمال سورية الغني بحقول الغاز والماء التي بقيت تحت سيطرة قسد المدعومة أمريكياً.
بيض الأكراد في السلّة الأمريكية!!
يؤكد د. الشلبي على أن الأكراد السوريين لم يتعلموا من “درس” الأكراد العراقيون عندما حاولوا الاستقلال عبر “استفتاء باهت” وتبعات هذا الاستفتاء الذي كان بدعم كامل من أميركا وإسرائيل، وبعض الدول العربية “السنية”. وللأسف الشديد، يتكرر الوضع نفسه في سورية اليوم، مع اختلاف الواقع السياسي والعسكري؛ فالأكراد في سورية ليسوا تحت سيطرة العاصمة المركزية “دمشق”، ولديهم قوة تسيطر على مناطق حساسة وغنية بالنفط والغاز، ومناطق حساسة لدى الأتراك. ولذلك، لا يستبعد د. جمال أن يتم القضاء تماماً ليس على “القوة الكردية” بل على “فكرة التمدد” لدى هذه القوات لبناء دولة أو حكم ذاتي؛ وكلما زادت الحرب التي ابتدأت سيكون الثمن باهظ والخاسر هم الأكراد والأكراد السوريين فقط!
فيما يرى الأستاذ قار أن وجود القوات الأمريكية ودعمها للأكراد بقيامهم الحكم الفدرالي ليس حبّاً بالأكراد بقدر ما هو الحفاظ على مصالحها التي بدأت تتراجع على مستوى المنطقة مع صعود خط المقاومة الوطنية للشعوب الذي أربك قوات الاحتلال الصهيوني أيضاً. ويضيف: ربما الأكراد بانتصارهم على داعش اغتنموا فرصة تاريخية للتعبير عن أنفسهم ضمن إطار وحدة سوريا بإدارة ذاتية بدون التفاوض مع المكونات الأخرى والحكم القائم حالياً، وهذا أعطى الفرصة لأمريكا أن تتحرك لتتبنى وتدعم الكيان الكردي الجديد بهدف استخدام الورقة الكردية ضد الدولة السورية والأتراك وإيران حسب مصالحها والتفاوض مع روسيا حول ملفات إقليمية أخرى بما فيها مستقبل سورية. وبتقديره أن الأكراد واعين لهذا التآمر تماماً بحكم التجارب التاريخية السابقة وآخرها في كردستان العراق. إنما تهديد النظام التركي من جهة وعدم التفاهم مع سورية دفعا الأكراد بالاعتماد على الحماية الأمريكية والمراهنة التي لا نعرف شروطها وحدودها بل نعرف حق المعرفة أن أمريكا لا يمكن أن تتخلى عن بلد مثل تركيا الحليفة لها تاريخياً مقابل الدفاع عن كيان كردي لا في سوريا ولا في العراق.
الأوهام الأمريكية بحزام أمني كردي على طول الحدود السورية العراقية والتركية
يشير د. الشلبي إلى وجود صعوبة كبيرة لتحقيق ذلك على أكثر من صعيد. فعسكرياً، يحتاج هذا الحزام إلى جيش كامل يحمي هذه الحدود الطويلة الممتدة بين حدود ثلاث دول؛ وهذا ليس أمر بسيط وسهل، وستكون كلفته المالية عالية؛ وهل ستسمح الدول (العراق وسورية وتركيا وإيران) بإنشاء هذا الحزام الذي يشكل خطراً على أمنها القومي؟
لكل ذلك، يستبعد د. الشلبي تماماً أن تقوم أمريكا بتحقيق هذا الحزام لمعرفتها بهذه الأسباب المانعة؛ وهي بلا شك تدرك هذا الأمر جيداً!
سورية وروسيا.. والقول الفصل!!
ويعتقد د. الشلبي أن الدولة السورية ترى في عملية “غصن الزيتون” هي إضعاف للعنصر الكردي الذي يريد الاستقلال في ظل ظروف صعبة تعيشها سورية من ناحية، ودفعها ثمن باهظ للأكراد لرفضهم “العرض الروسي” الذي طلب منها بتسليم مناطقهم للدولة المركزية السورية من ناحية ثانية. ودفع تركيا لتقع في “الرمال المتحركة” من الصراع مع الأكراد، وهي الدولة التي ساهمت، بشكل مباشر، في تدمير سورية. وهكذا، تدخل تركيا في صراع دائم ليس فقط مع أكراد تركيا بل وأكراد المنطقة كاملة؛ ما يجعلها دولة غير مستقرة وغير آمنة.
فيما يؤكد الأستاذ قار على أن الجميع بات يعرف أن الملف السوري بين أيدي روسيا. وبأن أمريكا باسم التحالف الدولي وتحت حجة مكافحة داعش ومساندة (قسد) قامت باحتلال شمال سورية بشكل غير شرعي مخالفة المواثيق الدولية وانتهاك السيادة السورية مع التحدي لروسيا والدولة السورية.