لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

بين موتين!

عشرات الكيلومترات فصلت عن مكانَي موت تسع ضحايا بحادثين قاسيين في إربد والرصيفة أول من أمس، لكن مشهد الموت بين الموقعين كان واحدا.. فاجعا.. قاسيا.. رسم يوما أردنيا ذا دلالة رمزية، لا تخطئها عين!


لا فرق بين الموتين؛ ولا في دموع الأحبة التي انهمرت على فراق ستة أبرياء في تدهور الحافلة العامة بحادث إربد، وعلى فاجعة موت ثلاثة حالمين بالثراء السريع وهم يبحثون، في الرصيفة، عن ذهب في قعر بئر سحيقة، لم يجدوا في آخرها سوى الموت الرابض هناك.
لن يكون هؤلاء الضحايا أول ضحايا حوادث السير المروعة وحوادث حلم الثراء الذي يغشي الأبصار، ولن يكونوا الأخيرين، فهم ضحايا مسلسلين مفتوحين على مداهما، في بلد أنقذه الله من حريق الإقليم الذي يحصد الأرواح والدماء بالعشرات والمئات يوميا من حولنا، لكنه، بغالبية سكانه، لم ينجُ من فقر وضيق حال وتدهور مستويات المعيشة، كما لم يحسم بعد آليات قانونية ومجتمعية تردع الرعونة والاستهتار بأرواح البشر في النقل العام والخاص.
لن يتوقف الكثيرون طويلا عند هذه الأرواح التي فارقتنا بفاجعتين جماعيتين، وستكون قصتا الحادثين مجرد حكاية سريعة، ومؤثرة وقتيا، في سهراتنا ونقاشاتنا لعدة أيام، ثم كفى الله المؤمنين شر القتال!
لن تردع فاجعة حادث إربد المروري القائمين على نظام النقل العام، ولا أقول حافلة أو أصحاب حافلات عامة، ليعيد حساباته، باتجاه ضبط عملية النقل العام، والحرص على صيانة الحافلات والمركبات العامة وعدم الاستهتار بمواصفاتها الفنية وصيانتها دوريا. ولا أعتقد أن هذه الفاجعة أو غيرها، قد تقنع أحدا من المعنيين بهذا النظام بضرورة العناية بأوضاع فئة سائقي الحافلات والسيارات العمومي، وتوفير تأمين صحي وضمان اجتماعي ومستوى جيد من الأجور لهم، ليستطيعوا بعدها تقديم أفضل مستويات الخدمة، والحرص حقا على أرواح البشر.
أما فاجعة الشباب الثلاثة، الذين دفعوا أرواحهم بحثا عن سراب الذهب المعتق في أعماق الأرض، وقضوا اختناقا بعد أن ضنّ عليهم قاع الحفرة حتى بقطرة من أوكسجين، تمكنهم من الهرب وانتشال أنفسهم من السراب والموت، هذه الفاجعة لن تردع مئات، وربما آلاف الحالمين بذهب الأقوام الغابرة وكنوزها المشتهاة، عن المغامرة والمخاطرة بأرواحهم وحرياتهم، وحتى بما ملكوا من أموال أو ديون في سبيل العثور على الذهب!
ومثل هاتين الفاجعتين، سيستمر مسلسل فواجع الموت، القادم عبر جرائم ما يدعى الشرف، التي لا تطال في أغلبها سوى الفقراء والفقيرات، وبصورة تكاد تكون يومية. ومثلها أيضا عشرات ومئات حالات الانتحار ومحاولات الانتحار، التي باتت حوادثها خبرا معتادا يوميا في صحفنا وإعلامنا.
هي صنوف موت مختلف، حطبها في الغالب فقراء ومتوسطو حال، باتت أرضنا الطيبة لا تسعهم، بعد أن اغرقتهم في الفقر وذل الحاجة، وبعد أن قهر ضيق ذات اليد الرجال، وبات عزيزا تحقيق معيشة مقبولة ومستورة للكثيرين، فيما تنخر قيم الذكورة القبلية الزائفة والشخصيات المسحوقة عقول ذكور بتبييض شرف توهموا المسّ به من قبل شقيقات قاصرات، عمّدن بدمائهن البريئة مأساة فقر وجهل أطبقا وعشعشا طويلا في العقول.
فآه يا موت.. وآه يا وطن!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى