المبادرة الفرنسية: شطب لحق العودة وفرض للشروط الغربية ورهان على أوضاع المنطقة
أنهى مؤتمر باريس أعماله نهاية أيّار الماضي دون أن يفضي إلى اتفاق جميع الأطراف المعنية بالموضوع الفلسطيني على المبادرة الفرنسية، خاصة الطرف الأمريكي الذي بدى متردداً وشكّل ضغطاً حقيقياً على فرنسا لعدم الخروج بنتائج ملموسة تُرضي فرنسا، وطرف السلطة، في ظل رفض “نتنياهو” بشكل رسمي لبنود المبادرة ورغبته باستبدال الصيغة الدولية لاستئناف عملية السلام بلقاء ثنائي مع الطرف الفلسطيني، فأضحى الاجتماع الدولي بروتوكولياً.لكن في الوقت ذاته، يشير الاجتماع إلى رغبة فرنسية ملحة إلى مواصلة جهودها من أجل تحريك عملية السلام وفق رؤيتها الخاصة التي جاءت في المبادرة الفرنسية.
في المقابل، عادت المبادرة العربية إلى الواجهة مرة أخرى لتطغى على المبادرة الفرنسية وما تناقلته وسائل إعلام عن محاولات بعض الأطراف العربية تعديلها لتتلاءم مع الواقع الحالي على الرغم من رفض الجامعة العربية إجراء أي تعديلات عليها، وفي ظل تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن دعوته الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي” لاستئناف عملية السلام، مقدّماً مبادرة ما زالت غامضة حتى الآن، إلا أن جميع المتابعين والمحللين السياسيين قالواإنها لن تخرج عن صيغة المبادرة العربية. وأخيراً دخول الطرف الروسي إلى هذا الملف، بتأييده الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، ولمبادرة السيسي.
وحول الجهود الفرنسية لاستئناف عملية السلام، وفرص نجاح المبادرة الفرنسية ومرتكزاتها لذلك، يرى الرفيق عبد العزيز خضر، مسؤول لجنة الرقابة الحزبية في حزب الوحدة الشعبية، أن المبادرة بما تنطوي عليه من تناقضات ومفارقات لن يكتب لها النجاح حتى لو وافق عليها الجانبين الفلسطيني والصهيوني، كون اليمين الصهيوني مرتاح للوضع الراهن ويعتبره مثالياً، حيث أن الطرف الفلسطيني فقد أوراقه التي امتلكها تاريخياً وبات معزولاً بلا تحالفات.
يتفق حلمي موسى مع الرفيق خضر باعتبار فرص نجاح المبادرة الفرنسية ضعيفة جراء الخلافات الدولية بشأنها وبسبب تردد فرنسا في عرض مرتكزات واضحة لها. ويُضيف أن جُلّ ما تهدف إليه المبادرة إبقاء حل الدولتين على الطاولة ومنع “إسرائيل” من قتل هذا الخيار.
محمد خروب بدوره يقول إن المبادرة الفرنسية قد ولدت ميتة، ليس لأن فرنسا لا تملك أي دور أو نفوذ يسمح أحدهما لها بأن تلعب دوراً – ولو شكلياً- في “عملية السلام”، بل وأيضاً لأن نتنياهو رفضها “بحزم”، ودعمه في ذلك الأمريكيون و”معظم الدول العربية” الأمر الذي تجلّى في البيان الهزيل الذي صدر عن الاجتماع اليتيم الذي تم في باريس.
من جانبه ييرى الرفيق جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في حديث خاص لـ نداء الوطن، أن فرص نجاح المبادرة الفرنسية والمرتكزات التي تقف عليها حتى تكون مبادرة قائمة للتمرير مرهونة بالموقفين “الإسرائيلي” والأمريكي ومدى قبول فرنسا ببعض التعديلات على المبادرة لتصبح جاهزة للتمرير، ومن أهمها رغبة “نتنياهو” في مناقشة بنود المبادرة الفرنسية من خلال لقاء ثنائي مع الطرف الفلسطيني بعيداً عن فكرة عقد مؤتمر دولي.
الظروف الدولية والإقليمية، والسير قدماً بتسوية سياسية للقضية الفلسطينية
يشير الرفيق خضر في حديثه لـ نداء الوطن إلى أن العدو الصهيوني لا يرى في ضوء التطورات الدولية والإقليمية الراهنة أي مبرر للانسحاب أو الموافقة على إقامة دولة فلسطينية حتى ولو كانت صوريّة، أما الطرف الفرنسي فيريد إحداث حراك شكلي أيضاً دون إزعاج الكيان الصهيوني في محاولة منه لاصطناع دور له حتى ولو كان بالنيابة عن الولايات المتحدة. كما يرى حلمي موسى أن الظروف الدولية غير مواتية لحل القضية الفلسطينية خصوصاً أن الأفق العربي قاتم.
وفي ذات السياق، يلفت الرفيق جميل مزهر إلى أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، لا سيما الأوضاع المتدهورة المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا… الخ، تلعب سبباً رئيسياً للهاث الدول الغربية من أجل العمل على حدوث انفراجة في عملية التسوية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، ارتباطاً بتغيرات وتحولات استراتيجية قادمة في الإقليم خاصة على الجبهة السورية. لكن للأسف كل الجهود الدولية لن تكون لصالح الفلسطينيين، وستبقى هذه الجهود رهينة للموقف الأمريكي، وللتغول الصهيوني على الأرض.
وحول التقارب “السعودي – الإسرائيلي” والحديث عن تعديلات على المبادرة العربية، علّق حلمي موسى في اتصال أجرته نداء الوطن قائلاً إن التقارب قائم على خلفية ولأسباب مختلفة عن المسألة الفلسطينية التي تشكل عائقاً أمام إشهار التقارب، ولكن عدم وجود هذا التقارب لم يمنع في الماضي أشكالاً مختلفة من التعاون. وطالما أن هناك “مرجعية مشتركة” تتمثل بأمريكا فإن العلاقات سواء كانت علنية أو سرية تحقق غاياتها. وأضاف أنه لا يؤمن أن حكومة الاحتلال تقبل بالمبادرة العربية حتى بعد إدخال أي تعديلات عليها. فمبدأ المبادرة العربية هو الأرض مقابل السلام وحكومة نتنياهو ترفض أصلاً هذا المبدأ.
أما الرفيق مزهر فيرى أن أهم أسباب هذا التقارب هو مواجهة مثلث الرعب بالنسبة لهما خصوصاً السعودية والمتمثل بـ (سوريا – إيران – حزب الله). وإذا أردنا توصيفاً دقيقاً لهذا التقارب، فإن الأحداث الأخيرة والتطورات المتسارعة على الجبهتين السورية واليمنية والتي جاءت في غير صالح النظام السعودي، قد سرّعت من عملية تعزيز العلاقة المستمرة منذ سنوات بين النظام السعودي والكيان الصهيوني، وبالتالي يتم المتاجرة بالقضية الفلسطينية واستخدامها من أجل تبريد الأجواء مقابل تحالفهما في مواجهة الثالوث السابق، وهو ما يحتم على النظام السعودي طرح فكرة إجراء تعديل على ما يُسمى بالمبادرة العربية حتى تجد قبولاً “إسرائيلياً”، وتُطرح كمبادرة لإعادة إحياء عملية التسوية من جديد.
عباس والمبادرة والانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وحق العودة
في معرض الحديث عن قدرة رئيس السلطة الفلسطينية ودوره وقدرته على تمرير اتفاق “السلام” وشطب حق العودة، ودور الفصائل الفلسطينية في مواجهة ذلك، أخبر الرفيق خضر نداء الوطن أنه يرى أن دور الفصائل ما زال قاصراً عن تقديم رد قوي مقنع وفاعل يمنع الانزلاق الفلسطيني نحو تقديم تنازلات جديدة ومؤلمة تنهي القضية الفلسطينية وتضع حق العودة في مهب الريح.
وفي سياق متصل، قال حلمي موسى، إن كل مفاوضات التسوية جرت على خلفية أن حق العودة رمزي وأن حلّه يتم أساساً بالتعويض، مؤكداً أن الضعف الفلسطيني يساعد في حرمان القضية من امتلاك وإظهار عناصر قوتها. ويرى موسى أنه إذا بقيت الفصائل الفلسطينية تواجه الواقع ومعطياته بالروحية القائمة فإنها ستخسر في كل يوم قدرتها على لعب دور في مواجهة محاولات إبعاد الفلسطيني عن حقوقه.
من جانبه، يرى الأستاذ محمد خروب الكاتب في صحيفة الرأي في حديثه لـ نداء الوطن أنه بسبب عدم امتلاك محمود عباس والمحيطين به ممن تبقوا من جماعة أوسلو أي مشروعية أو قدرة على تمرير أي “حل” لا يتضمن في حده الأدنى حق العودة والانسحاب الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، فإنهم سيواصلون البحث عن أي “دور”يبقيهم في دائرة الضوء، إلى أن تجد الفصائل والقوى الفلسطينية الأخرى – الضعيفة والمنقسمة حسب وصفه – الشجاعة والجرأة لقلب الطاولة على ما سمّاهم بـ “الأوسلويين” وأنصار التنسيق الأمني.
وبحسب الرفيق مزهر القيادة المتنفذة بما فيها الرئيس أبومازن، قد وافقت على المبادرة العربية التي تنتقص من حقوقنا خاصة حق العودة، حين تتحدث عن “حل عادل لقضية اللاجئين” وهذا يعني بالمحصلة التخلي عن حق ملايين الفلسطينيين من العودة إلى الديار التي هجروا منها. ولكن يبقى الخيار الشعبي الرافض لنهج عباس التسووي، والواعي للتحركات العربية والغربية المشبوهة جدار صلب لمنع تمرير أي اتفاق مشبوه يسعى للانتقاص من حقوقنا وفي مقدمته حق العودة.
وحول الانقسام، قال مزهر أنه أعطى فرصة وغطاء للاحتلال ليواصل تصعيده وتغوله ضد الفلسطينيين، وعطّل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وفق استراتيجية وطنية لمواجهة التحديات الراهنة، لكن لن يصل لدرجة أن يكون هذا الانقسام سبب في تمرير هكذا اتفاق تفريطي، فالوعي الجمعي لدى جماهير شعبنا هو ضمانة رئيسية لمواجهة تداعيات الانقسام.
أما عن دور الفصائل الفلسطينية، فيُضيف مزهر أن هذا الدور لم يصل لمستوى نجاحها – أي الفصائل – في إجبار السلطة على عدم التعاطي مع المبادرة الفرنسية، على الرغم من أن الجبهة الشعبية كانت أول فصيل فلسطيني كشف خيوط المؤامرة التي تتضمنها المبادرة الفرنسية، وحذّرت السلطة من مغبة التعاطي معها، ودعت لتحركات شعبية مناهضة لها، وقد أيّدها بعد ذلك واتخذ ذات الموقف فصائل كبرى رئيسية مثل حركة حماس، والجهاد، والديمقراطية.
وحول ضرورة تفعيل الانتفاضة الثالثة كرد على هذه المبادرة وقطع الطريق أمام أية تنازلات من قبل السلطة الفلسطينية، لفت الرفيق خضر إلى أن تفعيل الانتفاضة الثالثة وتصعيدها وإنجاز وحدة وطنية حقيقية لن يستطيع قطع الطريق أمام أية تنازلات من قبل السلطة فقط، بل سيحصن الساحة الفلسطينية ضد أي مخاطر وتنازلات تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، وسيوحد الجميع في مواجهة سياسات الاحتلال وجرائمه.
فيما رأى الكاتب خروب أن الفصائل الفسطينية أضعف من أن تقوم بدور فاعل في اتجاه قطع الطريق أمام تنازلات السلطة الفلسطينية على طاولة باريس.