الخبير بالدراسات المستقبلية الدكتور وليد عبد الحي لـ نداء الوطن: الشواهد العملية تنفي جدية الخطر الإيراني ولا مصلحة للعرب في عدائها
الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك والمختص في القراءات المستقبلية، هو ضيف نداء الوطن.
ونظراً لأهمية الحديث ولتعدد الملفات التي تم طرحها في المقابلة، فإن هيئة تحرير الجريدة ستقوم بنشرها على جزئين. حيث سيتم في هذا العدد نشر الجزء الأول من المقابلة والذي يتحدث فيه الدكتور عبد الحي حول حقيقة خطر داعش على الأردن، وحول إيران ومستقبلها في المنطقة.
نداء الوطن: قبل عام تقريباً كنت قد تحدثت بأن عام 2016 سيشهد بداية انحسار داعش. مع تحرير الموصل الذي بات قريباً جداً، ومع وقف الإمدادات من الجانب التركي، هل تعتقد بأن الأردن هو أحد الخيارات للقوى التكفيرية، وكيف قرأت العمليات الإرهابية الأخيرة في الأردن وكيف ترى مستقبل داعش في الرقة؟
د. وليد: فيما يتعلق بانحسار داعش، في تقديري أن العامل الذي كسر المشروع التركي في المنطقة، هو الانقلاب على مرسي بغض النظر عن تقييمنا لهذا الانقلاب. فقد تم ضرب العاصمة التقليدية والفكرية لأدبيات الاخوان المسلمين. وبدأ ينعكس ذلك بتداعيات كثيرة على مستوى المنطقة، ومن هنا فقدت داعش مبررها الأول. وثانياً، بتقديري أن داعش جيء بها من قبل الأتراك لكي تمنع وتمتص القومية الكردية، بمعنى أنه بدلاً من أن يبقى الكردي مشغول بقوميته، يدخل الإسلام ويصبح مسلماً وفي إسلاميته يصبح هنالك مجال لدمجه.
إذن، عندما تم ضرب داعش من قبل الأمريكان، و”إسرائيل” تبنّت الأكراد وصاروا يضغطوا، وحتى روسيا لها ميول في هذا الاتجاه، أدركت تركيا أن داعش فقدت وظيفتها. وثالثاً، حتى لو افترضنا أن داعش أقامت دولة، كيف يمكن لهذه الدولة الحبيسة التي ليس لها مخرج على البحر، كيف يمكن أن تتحرك في ظل عداء بيئي كامل ضدها؟!
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فبتقديري الآن أستبعد أن تكون الأردن هدفاً قادماً لهذه التنظيمات إلا من باب حوادث متناثرة. وقد شبهتها بأن الأردن تقع في مكان محاط بأربعة أو خمسة مواقد نار؛ فلسطين احتلال، لبنان بين حين وآخر، سورية والعراق، فمن الوضع الطبيعي أن بعض الشرر من هذه المواقد يصلنا، سواء بضغط من هذه الدول على المجموعات الإرهابية لمحاولة الفرار أو لمحاولة تحقيق إنجاز رمزي. هذا العامل سيلعب دوراً في إضعاف هذا التوجه لأن هذه المواقد بدأت تنطفئ تدريجياً هذا أولاً. وثانياً، أعتقد أن صورة الربيع العربي وفكرة التغيير بدأت تضعف في الشارع العربي، وهذا الذي يفسر لماذا خفت النزوع للربيع في الأردن. في الجانب الثالث، أعتقد أن القوى الإقليمية والدولية التي ساهمت في تحريك الربيع العربي لا ترى مصلحة لها في نقله إلى الأردن. وبالتالي مجموع هذه العوامل، ستساهم في جعل ما يحدث في الأردن لا يزيد عن كونه شرراً متطايراً من مواقد الربيع العربي.
[quote bgcolor=”#ddb373″ arrow=”yes” align=”left”]السيرة الذاتية:
_ مواليد 1950 درس معظم مرحلة الدراسية في الضفة الغربية في مدينة ومدرسة رام الله الثانوية.
_ عام 1969 التحق بالجامعة الأردنية.
_ في عام 1973 وحتى عام 1979 التحق بجامعة القاهرة وحصل على الماجستير والدكتوراه.
_ عمل في الجامعات في الخليج والجزائر لمدة 14 عام.
_ في عام 1994 عاد للتدريس في جامعة اليرموك، وحتى هذه اللحظة. كما درّس سنوات تفرغ في جامعة آل البيت وجامعة العلوم التطبيقية.
_ درّس في الكلية العسكرية في الجزائر مادة الدراسات الإستراتيجية، وفي المدرسة العليا للإدارة لكبار الموظفين.
وفي تلك الفترة عمل دراسة مستقبلية عن الجزائر وكانت دراسة مهمة في حياته بشكل رئيسي لأنها هي التي أدخلته إلى الدراسات المستقبلية. حيث تنبأ في هذه الدراسة عام في 1982 بأن هناك أزمة كبرى ستحدث في الجزائر عام 1990 وهذا ما حدث.
_ عمل في الأردن مستشاراً للمجلس الأعلى للإعلام وعضو مجلس أمناء جامعة الزيتونة وجامعة إربد الأهلية وفي مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان.
_ الإنتاج العلمي يتجاوز الـــ 30 كتاب وأكثر من 100 دراسة منشورة في المجلات العلمية المحكمة والأكاديمية بالعربية والإنجليزية.[/quote]
نداء الوطن: لك دراسات حول إيران ومستقبلها في المنطقة، هل ترى أن التطورات الأخيرة على صعيد الأحداث في سورية واليمن والعراق ولبنان، وتزايد قوة حزب الله مع دخوله الحرب في سورية، تصب في خانة تعزيز الحضور الإيراني في المنطقة، وما هي عوامل نهوض الدولة الإيرانية، خصوصاً أنها كانت محاصرة وخاضت حرب لمدة ثمانية سنوات؟ والأهم: ما مدى جدية أطماعها في المنطقة العربية، هل هذا ما يتم ترديده في المنطقة؟
د. وليد: أنا أنجزت دراسة عن إيران في عام 2008، وكانت بعنوان “المكانة المستقبلية لإيران في 2020”. وبتقديري حتى الآن أنا لم أجد أي تطور جرى مع إيران ليس مشاراً له في الدراسة منذ 2008، بما فيها عدم ضرب إيران، خصوصاً أنه كان الحديث وقتها في إسرائيل وأمريكا عن ضرب إيران، وأشرت في الدراسة بأنه لن يتم ضربها. كما تحدثت في الدراسة بأن الاتفاق النووي سيتم، وستخرج إيران من هذا المأزق بشكل تدريجي، وأشرت للعلاقات الإيرانية الروسية بشكل واضح. فالتطورات الإستراتيجية لإيران لم تفاجئني نهائياً.
الجانب الآخر في موضوع إيران، أن إيران دولة فيها مؤسسات تتخذ القرار بقدر كبير من الحذر والذكاء، نحب إيران أو نكره، هذا شيء، ولكن لا يمكن أن ننكر مدى دقة إيران في حسابات خطواتها.
في 2005 عندما كان رفسنجاني رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وضعت خطة هي “إيران 2025″، هذه الخطة فيها تفاصيل كثيرة، لكن فيها عبارة تدل على الهدف الإستراتيجي وهو أن إيران في 2020 حسب الخطة، يجب أن تكون The core state of middle east” أي “الدولة المحورية أو المركز للشرق الأوسط”. كيف يمكن لها أن تحقق ذلك حسب الخطة؛ بأن تتفوق علمياً وتكنولوجياً على كل الدول المجاورة لها. أي أن المفتاح لتحقيق هذا الهدف هو التطور العلمي والتكنولوجي. إيران حالياً تحتل المرتبة الأولى عالمياً في نسبة الزيادة في الموقع الإلكتروني المختص في البحوث العلمية، وهذا مؤشر على أنها تطبق الخطة التي وضعتها.
الجانب الآخر أن إيران في الخطة تقول ومنذ 2005، أن أسعار النفط ذاهبة للانخفاض، لذلك، ولكي لا يبقى الاقتصاد الإيراني متكئاً على العصا البترولية، لا بد من زيادة نسبة اعتمادها في القطاعات الأخرى، وهو ما حصل فعلاً. والآن البترول لا يشكل أكثر من 55% من ميزانية إيران، وواضح تماماً أنهم خفضوا نسبة الاعتماد على البترول وزادت إنتاجيتهم في القطاعات الأخرى.
والجانب الآخر والذي أعتقد أنه ستبدأ تظهر نتائجه ودلالاته بعد وفاة الخامنئي وهو رجل في عمر متقدم وإلى حد ما مريض، نسبة جرعة التدين في النظام الديني أعلى كثيراً من نسبة التدين المجتمعي، وبالتالي هذه المشكلة قد تفتح فجوة سيبدأ المجتمع يضغط تدريجياً لتخفيف الجرعة الدينية، بمعنى أنه سيفتح المجال أمام نقاش أعتقد أنه قد يصل إلى مرحلة الحدة حول وظيفة المرشد في ظل وجود رئيس.
لكن على المستوى الإقليمي والدولي، في تقديري أننا وقعنا في خطأ لا تريده إيران، ونحن صنعنا الفكرة وتبنيناها، وهي قضية أن إيران تريد نشر المذهب الشيعي في المنطقة. في الحقيقة هذه المسألة من وجهة نظري ليست صحيحة، ليس هناك هلالاً شيعياً. نحن تعلمنا في الجامعة أنه عندما تضع فرضية يجب أن تأتي بالشواهد التي عليها والشواهد التي ضدها. الجانب الأساسي في الشواهد هي القول بأن إيران تنشر التشيع وبأن إيران عملت في سورية كذا وفي المغرب العربي كذا، لكن لماذا يتم إغفال الجوانب المناقضة لهذه الفرضية، وأنا سأعطي بعض الدلائل:
1_ وأبدأ من الخامنئي: سيد قطب يمثل المفكر الرئيسي للحركة الإسلامية العربية، أنا أتمنى من صنّاع القرار العرب أن يقرؤوا ترجمة خامنئي لكتب سيد قطب والمقدمة التي كتبها للترجمة ويعتبره أحد أبرز قادة الثورة الإسلامية المعاصرة، فكيف نفسر أنهم يروّجوا لمنظّر السنة؟!
2_ إذا كانت إيران تدعم حزب الله بحكم الرباط المذهبي، فكيف نفسر دعمهم المعلن والصريح لحماس؟! وهناك مقابلة مع إسماعيل هنية في جريدة السفير يقول فيها بأن حماس (قبل الخلافات الأخيرة) كانت تتقاضى 250 مليون دولار سنوياً من إيران وتدفع رواتب 6 وزارات، ومعروف أن الجهاد الإسلامي وحماس هما من نفس مذهب الاخوان المسلمين السُنة.
3_ أكثر دولة في العالم فيها نسبة شيعة بعد إيران هي أذربيجان التي تبلغ نسبة الشيعة فيها 87% ، إلا أن أسوأ علاقة لإيران هي مع أذربيجان، وعندما وقع الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ، فإن من قام بتسليح أرمينيا “المسيحية” ضد أذربيجان هي إيران، وعلى النقيض من ذلك كانت تركيا تقف إلى جانب أرذبيجان.
الجانب الآخر، مجموع الشيعة في الهند وباكستان يفوق بأضعاف مجموع الشيعة في العالم العربي كله. أتحدى أي مسؤول أن يأتيني ببيان رسمي من الحكومة الباكستانية أو الحكومة الهندية يتهم إيران بأن لها دور فيما يحدث بين السنة والشيعة في البلدين.
والأهم أن الإيرانيين لديهم دراسات تقول إن إثارة الثقافات الفرعية (مسلم ومسيحي وسني وشيعي وكردي وعربي) في المنطقة، ستكون إيران الضحية الأولى في حالة إثارة هذه المسائل في المنطقة، لأن النزعة الإنفصالية للأقليات في إيران نفسها (البلوش، اللور، الأكراد، الأذريين، العرب ) تزداد وتشتد حدتها.
إذن، إيران لا بد أن تقوم برد فعل على كل هذه السياسة، والوضع الطبيعي في رد الفعل هو أولاً: تماسك داخلي وهذا حققوه وكل من يذهب إلى مؤشرات الاستقرار السياسي يرى بأن إيران تمتلك الاستقرار السياسي، وأنا حسبتها بأن معدل الاستقرار السياسي في إيران هو 62,5% وهو معدل جيد.
وثانياً: بناء التحالفات الإقليمية، فذهبت إيران لبناء علاقات مع سورية والجزائر وحتى تنظيمات على المستوى الإقليمي. وعلى المستوى الدولي، وبحكم العقدة الإيرانية من التدخل الأمريكي والبريطاني في عهد مصدّق بأنه لا بد من سند دولي، فبدأت توسع من علاقاتها مع روسيا والصين، واشتركت الآن مع الصين في طريق الحرير (حزام واحد طريق واحد) الذي يربط شرق آسيا بأوروبا، ويمر كله من إيران. وهذا حق طبيعي ومن حق أي دولة أن تبني تحالفات لمساندتها.
لذلك وهذا ما أوصيت به في نهاية دراستي، أن ليس من مصلحة العرب العداء لإيران، لا لأن إيران جيدة أو سيئة، بل لأن هذا التفكير سيقود لنتائج سيخسر الطرفين في حالة الصدام بينهما، إضعاف إيران وإضعاف العرب.
نداء الوطن: هل هناك جدية في أطماع إيران في المنطقة، ولماذا نعزو هذا التدخل الواضح والصارخ في سورية والعراق وفي دعم الحوثيين وما تفسيره هل هو عداء للعرب السنة، أم دفاع عن مصالحها التي تتقاطع مع مصالح الدول العربية ؟
د. وليد: القواعد الأمريكية التي تهدد بضرب إيران موجودة في كل دول الخليج، فما الذي تنتظره من إيران؟ هل تبقى تنتظر حتى تهاجمها القواعد الأمريكية؟ أم تعمل على إيجاد قواعد ارتكاز للدفاع عن نفسها في الإقليم؟ فبدأت تبحث عن من يساندها، فالتقت مصالح سورية واليمن والعراق وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي مع إيران، لقاء المصالح هو الذي أدى إلى هذه النتيجة. والمشكلة هي في أننا نريد من إيران أن تتصرف كما لو أنها دولة عربية.
إيران تتصرف كدولة إيرانية وليس عربية، وهي تبحث عن مصالحها، مثلاً ولنلاحظ الفرق
في تقديري أن الإيرانيين يبحثون عن مصالحهم ويجب أن نحترم حقهم مثلما علينا أن نبحث عن مصالحنا في إيران وهو حق لنا، ولكن أن نطلب من إيران أن تسير كما نريد نحن، هذا غير موجود في العلاقات الدولية، هذا فقط في العلاقات الشخصية.