أوباما وآل سعود.. و”القاعدة” ثالثهما
بعد سنوات من التردد، توصلت الولايات المتحدة إلى تحديد أهدافها في سوريا. ففي المعركة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، قررت الوقوف إلى جانب تنظيم “القاعدة”. هذا ما تبدى جلياً منذ سقوط بلدة جسر الشغور شمال شرق البلاد في 25 نيسان الماضي في قبضة تحالف مسلح مدعوم من تركيا والسعودية ويتألف من “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”، ومجموعة من الفصائل المسلحة الأصغر، التي يقال عنها إنها “معتدلة”.
“جبهة النصرة”، المدعومة من السعودية وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، هي الفرع السوري الرسمي لتنظيم “القاعدة”. أما كتائب “أحرار الشام”، المفضلة لدى قطر، فهي أيضاً ارتبطت بـ”القاعدة”، ونسقت مع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “داعش”. أما باقي المجموعات المسلحة، كـ”تجمع صقور الغاب” و”الفرقة الساحلة”، فهي جزء من “الجيش السوري الحر” المدعوم من واشنطن، ومن المفترض أنها مناهضة للإرهاب، بقدر ما هي مناهضة لـ”نظام” الأسد. ولكنها بالرغم من ذلك، “ركبت على ظهر” الهجوم الأخير لـ”النصرة”، وهي المفردة التي استخدمتها تحديداً صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، وبذلت كل جهدها لدعم تقدمها.
هكذا، ساعدت الدول التي تدعمها واشنطن “القاعدة” للسيطرة على منطقة إستراتيجية في سوريا. ولكن هذا ليس كل ما فعلته الولايات المتحدة. فهي سهلت حصول المسلحين على صواريخ “تاو” الموجهة حرارياً لتدمير عشرات الآليات العسكرية للقوات السورية، وهو ما أكدته مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا الخصوص، أكد القيادي في مجموعة “فرسان الحق” المدعومة أميركياً فارس بيوش لـ”وول ستريت جورنال” أن “صواريخ تاو قلبت موازين القوى”، وشكلت “الرافعة التي مكنت المسلحين من طرد القوات السورية من المدينة”.
ومع اتهام سوريا الجيش التركي بتقديم الدعم اللوجتسي للمسلحين، يبدو أن هؤلاء قد قاموا بنقل الصواريخ عبر الحدود التركية، التي لا تبعد أكثر من ثمانية أميال عن غرب جسر الشغور. وما إذا كانت المجموعات المدعومة أميركياً أو “النصرة” هي من نقلت الصواريخ، فهذا غير واضح تماماً. أما المصدر فهو مؤكد.
في أواخر العام 2013، حجزت السعودية مكان لها في هستيريا سباق للتسلح في المنطقة، وقامت بشراء أكثر من 15 ألف صاروخ “رايثيون” المضاد للدبابات بمبلغ إجمالي وصل إلى مليار دولار. هذه العملية أثارت التعجب، بما أن هذه الصواريخ فعالة فقط ضد الدبابات، وهو خطر لم يهدد السعودية، أقله منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق.
ولكن اليوم، يبدو كل شيء واضحاً. ففي ظل إعلان النفير ضد “التقدم الشيعي” في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يبدو أن “القوس السني” الذي تقوده الرياض قام بعملية الشراء هذه بنية نقل الصواريخ للإسلاميين في سوريا على أمل تمكنهم من ضرب “المد الشيعي”.
قوانين الولايات المتحدة واضحة، وهي تمنع انتقال السلاح الذي تبيعه إلى طرف ثالث. بالرغم من ذلك، غضت واشنطن الطرف عما حصل. كما أن السياسة الأميركية في الشأن السوري تقضي بتسليح “المقاتلين المعتدلة” شرط ألا يكون لهم أي علاقة بـ”القاعدة”، وفي هذا الشأن أيضاً، لم يصدر أي تعليق عن الإدارة الأميركية.
لقد اعترف مسؤول أميركي رفيع لصحيفة “واشنطن بوست” أن البيت الأبيض “قلق حول إمساك النصرة بزمام القيادة”. ولكنه أضاف أن ذلك “متوقع، لأن الوقائع على ارض المعركة تفرض على المعارضة المعتدلة أن تتعايش مع المجموعات الإرهابية”، كما أقر أن “الإدارة الأميركية ليست عمياء عن حقيقة أنه سيكون من الصعب تفادي وقوع سلاحها بأيد إرهابية”. ولكن كل ما خرج منه في هذا الصدد هو أن إدارته “لن تمتنع عن إثارة هذه المسألة مع شركائها”، ما يؤكد أن هذه الإدارة تعلم جيداً أن شركاءها يعملون مع “القاعدة”، وأن سلاحها يشق طريقه إلى الإرهابيين، ولكنها ستعمل على إثارة الموضوع في وقت لاحق. أما الآن، فهي على مركب واحد مع “النصرة”.
وكأن 11 أيلول 2001 لم يحصل يوماً. ولكن لماذا؟
لطالما كانت علاقة الولايات المتحدة بتنظيم “القاعدة” أصلاً غامضة، وبغموض أكبر بكثير مما أرادت السياسة الخارجية، سواء للحزبين الجمهوري أو الديموقراطي، للمواطن الأميركي العادي أن يفهمه، منذ أيام محاربة السعوديين للنظام السوفياتي إلى عهد جورج بوش وصولاً إلى اليوم. وللإشارة فقط، جرى قمع فصل مؤلف من 28 صفحة لتقرير أساسي للجنة في الكونغرس حول أحداث 11 أيلول، كما تم طرد محقق حاول إثارة التساؤلات حول التمويل السعودي. ورفض جورج بوش الإبن ونائبه ديك شيني نشر أي شيء يتعلق بالسعودية. هذا على الأقل ما تذمر منه وزير البحرية السابق جون ليهمان، معلقاً أن “كل ما له علاقة بالسعوديين، لسبب ما، يخيم عليه نوع خاص من الحساسية”.
إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش كانت تستبسل لإيجاد علاقة بين أسامة بن لادن وصدام حسين، وهي علاقة غير موجودة، ولكنها في المقابل كانت سريعة في إزالة وإخفاء البراهين الوفيرة حول الروابط بين “القاعدة ” وآل سعود.
الأمر ينسحب أيضاً على “داعش”. لم تتحرك واشنطن إلا عندما توسع التنظيم المتطرف في العراق.
ولكن، بعدما كانت الولايات المتحدة تدير علاقتها بـ”القاعدة” من “تحت الطاولة”، لم تعد الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط تسمح بالمزيد من الكتمان.
لقد وصل إلى الحكم في السعودية ملك متشدد، وفي إسرائيل فاز بنيامين نتنياهو مجدداً برئاسة الوزراء، في وقت تعول الإدارة الأميركية على اتفاق نووي غير مسبوق لتحسين علاقتها بإيران.
هذه التطورات يبدو أنها تحتم إعادة تحديد القواعد، ولكن ليس كما كان من الناس العاديون يتوقعونها. فبينما يفترض أن يمهد الإتفاق الذي لا يزال عالقاً بين إيران وواشنطن لـ “أكبر عملية إعادة تمحور للسياسة الخارجية الأميركية منذ جيل”، الحقيقة تبدو أن الديموقراطيين والجمهوريين يسرعون لطمأنة حلفائهم الإستراتيجيين أن “التحالف القديم” لن يمس به.
لم تجرؤ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على الاعتراض عندما تشكل “جيش الفتح”، بعد اتحاد “النصرة” و”أحرار الشام” في جبهة إدلب السورية، وذلك بعد لقاء الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، بعد شهر من وصوله إلى رأس السلطة، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان طيب أردوغان.
الإدارة الأميركية استمرت في صمتها أيضاً عندما شنت السعودية حربها على اليمن في 26 آذار الماضي، في الوقت ذاته التي أصبح فيه الإتفاق النهائي بين واشنطن وطهران على نار حامية.
قال مسؤول أميركي رفيع في وزارة الدفاع الأميركية: “يجب أن يعلم السعوديون أننا موجودون إلى جانبهم”. النتيجة: مقتل أكثر من ألف يمني حتى الآن، ونزوح أكثر من 300 ألف آخرين، فيما كان تنظيم “القاعدة في الجزيرة العربية” أكثر المستفيدين من الفوضى.
ما يحصل اليوم مع الولايات المتحدة هو نتيجة تسلسل لا إرادي للأحداث يحصل منذ سنوات.
أوباما الذي يكافح للحفاظ على امبراطوريته في الشرق الأوسط، بينما يفاوض على صفقة مع إيران، وجد نفسه غير قادر على كبح الجماح السعودي. ولأنه لا يستطيع أن يقول لا لآل سعودي، فإنه لا يستطيع أن يقول لا لشريكها، “القاعدة”. هكذا، تجد الولايات المتحدة نفسها “في السرير ذاته” مع إرهابيين وعدت بمحاربتهم.
(موقع “كونسورتيوم نيوز”)