ناجي العلي 34 عاماً على استشهاده
في يوم 22 يوليو 1987، أطلق شاب مجهول النار على رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي في لندن فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى يوم إستشهاده.
ففي لندن، عام 1987، فتحت رصاصةٌ انطلقت من “كاتم الصوت” تاريخًا جديدًا من الاغتيالات، حيث اخترقت لأوّل مرّة رأس رسام كاريكاتير عربي فلسطيني، هو ناجي العلي، والتي قرّرت ذلك بسبب رسوماته الشهيرة، التي طالت كلّ شخصٍ أو جهةٍ فلسطينية أو عربيّة لها دورٌ في حياة العرب عامةً والفلسطينيين خاصّة، المأساوية، والتي لم يسلم منها أحدٌ حتى الحزب الذي انتمى إليه “أبو خالد”.
اغتيل ناجي سليم العلي (مواليد 1937)، بسبب خطوطٍ سوداء بسيطة، كان يخطّها على الورق، لتخيف العشرات، ولترسم للآلاف من بعده طريقًا لا يضلوا خلفه. يمكن أن نعتبر هذا الرجل نبيّ العصر، فرسومات “أبو خالد” تبدو كأنّها تصف عالمًا حديثًا نعيشه الآن، وهو الذي خطّ فيها كلّ حالةٍ يمرّ بها الوضع العربي، ويمرّ بها الصراع الفلسطيني مع الصهاينة على أرض فلسطين.
لا يختلف ناجي العلي (الذي خطّ أكثر من 40 ألف رسم)، عن معلّمه غسّان كنفاني. فكلاهما من نفس طينة فلسطين التي أخرجت هؤلاء المقاتلين بالريشة والقلم، وكلاهما هاجرا إلى لبنان، و الكويت . كما كانا أبناء المخيم، إلى حين التقى (أبو فايز كنفاني) بناجي، في مخيم عين الحلوة، ليرى رسوماته، وليعلم أنّه اكتشف كنزًا جديدًا وإرثًا عظيمًا سيخلّد للثورة الفلسطينية.
كما لا يختلف كلاهما عن الأرق الذي سبباه لعدوهما، سواء أكان من الداخل الفلسطيني، أو عدوهم الأوّل والأكبر، الاحتلال. وناجي هو الذي قال “اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله: ميت.”، لتتحقق كلماته، على صعيده الشخصي، وعلى صعيد صديقه ورفيق دربه، غسّان كنفاني، والفرق بينهما أنّ رصاصةً اخترقت رأس الأوّل، وقنبلة دمرت جسد الثاني.
من هو ناجي العلي؟
ناجي سليم حسين العلي (1937 إلى 29 أغسطس 1987)، رسام كاريكاتير فلسطيني، تميز بالنقد اللاذع في رسومه، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين. رسم ما يقدر بأكثر من 40 ألف رسم، اغتيل على يد مجهول عام 1987 في لندن.
ولد ناجي في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، هاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة بعد الاجتياح الصهيوني، ثم هُجِّر من هناك وهو في العاشرة، ومن ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبداً، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان. وفي الجنوب اعتقلته القوات الصهيونية وهو صبي لنشاطه، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. تم اعتقاله أكثر من مرة في ثكنات الجيش اللبناني وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن.
سافر إلى طرابلس ونال منها على شهادة ميكانيكا السيارات. فيما بعد تزوّج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينية وأنجب منها أربع أبناء هم خالد وأسامة وليال وجودي.
رسومه
كان الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني قد شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له في مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة “الحرية” العدد 88 في 25 سبتمبر 1961.
في سنة 1963 سافر إلى الكويت ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً فعمل في الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، والقبس الدولية.
شخصية حنظلة
حنظلة شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبياً في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته.
لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وخاصة الفلسطينية لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي توجهه فهو دائر ظهره “للعدو”.
ولد حنظلة في 5 حزيران 1967، ويقول ناجي العلي بأن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تحفظ روحه من الانزلاق، وهو نقطة العرق التي تلسع جبينه إذا ما جبن أو تراجع. وعن حنظلة يقول ناجي: ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي ذلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء.
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع.
وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
شخصيات أخرى
كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد من رسومه شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحياناً في العديد من الكاريكاتيرات يكون رد فاطمة قاطعاً وغاضباً، كمثال الكاريكاتير الذي يقول فيه زوجها باكيا: – سامحني يا رب، بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعمي ولادي فترد فاطمة: -الله لا يسامحك على هالعملة، أو مثلاً الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصاً وتقوم بتخييط ملابس لأولادها, في حين تقول لزوجها: -شفت يافطة مكتوب عليها “عاشت الطبقة العاملة” بأول الشارع, روح جيبها بدي أخيط كلاسين للولاد.
أما شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله
مقابل هاتيك الشخصيتين تقف شخصيتان أخريتان, الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين. وشخصية الجندي الصهيوني, طويل الأنف, الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال, وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية
اغتياله
أطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987 فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 أغسطس 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه.
قامت الشرطة البريطانية، التي حققت في جريمة قتله، باعتقال طالب فلسطيني يدعى إسماعيل حسن صوان ووجدت أسلحة في شقته لكن كل ما تم اتهامه به كان حيازة الأسلحة. تحت التحقيق، قال إسماعيل أن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال. رفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزتهم إلى السلطات البريطانية مما أثار غضبها وقامت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن.
ولم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. واختلفت الآراء حول ضلوع الاحتلال أم منظمة التحرير الفلسطينية أو المخابرات العراقية. ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك.
يتهم البعض قوات الاحتلال بالعملية و التي قامت سلطات الاحتلال باغتيال بعض عناصرها كما تشير بعض المصادر أنه عقب فشل محاولة الموساد لاغتيال خالد مشعل قامت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة.
يتهم آخرون م.ت.ف وذلك بسبب انتقاداته اللاذعة التي وجهها لقادة المنظمة. بحسب تقرير للبي بي سي فإن أحد زملاء ناجي العلي قال أن بضعة أسابيع قبل إطلاق النار عليه التقى بناجي العلي مسؤول رفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، وحاول إقناعه بتغيير أسلوبه فقام ناجي العلي بعد ذلك بالرد عليه بنشر كاريكاتير ينتقد منظمة التحرير ومساعديه. ويؤكد هذه الرواية شاكر النابلسي الذي نشر عام 1999 كتاباً بعنوان “أكله الذئب” كما يدعي أيضاً في كتابه أن محمود درويش كان قد هدده أيضاً ويورد مقتطفات من محادثة هاتفية بينهما كان العلي قد روى ملخصها في حوار نشرته مجلة الأزمنة العربية (عدد 170 /1986/ ص14).
دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230191. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي