هل ينتقل ثقل محور المقاومة إلى الداخل الفلسطيني؟ وما هي الآليات والخيارات المطروحة؟
لم يحتج محور المقاومة للكثير من الوقت للتحرك في مواجهة ما يسمى بـ “صفقة القرن”، والتي كان إعلان ترامب اعتبار القدس عاصمةً لما يسمى “إسرائيل” بداية الانطلاقة الحقيقية لعقدها. فبضعة أيام على هذا الإعلان المشؤوم، كان لمحور المقاومة وبالأخص حزب الله قول آخر. فصرح الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بأن هذا القرار هو بداية النهاية للكيان الصهيوني، لتبدأ معها اللقاءات التشاورية المشتركة بين حزب الله وقادة المقاومة الفلسطينية والتي وإن اختلفت في التفاصيل، فإنها تجمع على الجوهر، وهو أن العدو الأول والمشترك هو الكيان الصهيوني وأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية، وإعادة توحيد صفوف المقاومة، لتفتح مرحلة جديدة من الفعل المقاوم النوعي والتراكمي.
عودة البوصلة العربية إلى القضية المركزية.. فلسطين
يؤكد د. علوان أمين الدين مؤسس ومدير مركز “سيتا” للدراسات في لبنان، أنه ما من شك أن الفوضى التي ضربت البلدان العربية قد أثرت بشكل كبير على الشارع العربي بشكل عام، وبالتالي على القضية الفلسطينية بشكل واسع، إذ باتت أغلب الدول العربية تعاني من مشاكل مختلفة (أمنية – عسكرية – اقتصادية)، حيث أصبحت هموم الشارع العربي آنية “معيشية” إلى حدٍ كبير. وهو أمر تم التخطيط له بعناية شديدة. فهنا يمكن استذكار ما قالته رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير بأن “الجيل الثالث من الفلسطينيين سينسى هذه القضية”. أي أن المراهنة كانت على الوقت، بالدرجة الأولى، والتخطيط لإنهاء هذا الصراع، بالدرجة الثانية.
فيما يرى القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق مروان عبدالعال أن قرار الإدارة الأمريكية حول القدس مسّ وجدان الشعوب العربية رغم كل محاولات التشويه التي تعرضت لها القضية الفلسطينية، أو محاولات زج الفلسطيني في الصراعات الداخلية أو حتى تحميله مسؤولية ما يجري من نكبات للشعوب العربية، لنكتشف مرة أخرى أن القضية الفلسطينية موجودة في أعماق هذه الشعوب. ربما أن الفشل السياسي والعجز والتواطؤ لغالبية الأنظمة هو الذي جعل القضية تتراجع كأولوية وأن تتحول القضايا الخاصة بكل نظام هي القضية المركزية.
ويشدد د. أمين الدين على أن الحراك الشعبي العربي اليوم هو إعادة إحياء لتلك القضية المركزية. ويعتقد أن الأهم من ذلك، هو الحراك الفلسطيني الداخلي نفسه، لأن مواجهة هذا العدو من الداخل هي الأساس كونه محصن من الخارج ومستعد للمواجهة.
الرفيق عبدالعال يعتقد أن تأطير التحركات الداعمة للقدس وإيجاد صيغة مشتركة للفاعلين في كل البلدان، يدفعها نحو طرق جديدة للعمل والتأثير. ويعتقد أن اللحظة التاريخية تفرض استعادة دور الشتات كقوة فاعلة في القرار الوطني. وهذا يمر من خلال الدعوة للمراجعة السياسية ونقد خط التسوية الفاشل وفي سبيل تصويب النهج السياسي وحماية قرار المؤسسات الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية وللفكاك من قيود الاتفاقات المبرمة ونتائجها، وتغليب خطاب الوحدة الوطنية على الأسس والبرامج الذي يجعل من القدس عنواناً وليس السلطة جدياً فوق كل الاعتبارات الفئوية الضيقة. ولتعزيز ذلك يرى أنه يجب تشكيل اللجان العربية والهيئات السياسية الداعمة لتفعيل التضامن الشعبي عربياً ودولياً ودعم الأهداف التي انطلقت من أجلها الانتفاضة، لأن ( فلسطين توحد ولا تفرق) وتشكيل لجان انتفاضة القدس في كل مكان، وأيضاً محاولة حصار الدول التي تنقل سفارتها للقدس وتعرية مواقفها ومطالبة الدول العربية بقطع العلاقة معها وبإغلاق سفارتها.
رسائل استراتيجية من محور المقاومة
يعتبر الرفيق مروان عبدالعال أن المقاومة أمام تحدٍ استراتيجي حيث عُبّر عنه على لسان قادتها بمطالبتهم بتحويل التحدي إلى فرصة، وهذا ما يمكن أن يسمى في فلسفة التاريخ بمنطق (التحدي والاستجابة)، وهي قبول الصدمة أو التحدي وتحويلها إلى فرصة. وهذا يتطلب مراجعة للمسار لتصويبه. ويضيف، لقد أكد السيد نصر الله أن الحالة الفلسطينية هي الحلقة المركزية، وعليها يقع الدور لإحداث نقلة نوعية استراتيجية. فالجميع أمام الخيارات المطروحة، وما إذا كان الانتقال المطلوب من الانفعال اللحظي إلى الفعل الجدي والإستراتيجي. ويبين أن شروط الانتقال الاستراتيجي، ينتظر لحظة تاريخية لإحداث الفعل الإيجابي النوعي الذي يأخذ نموذج انتفاضي شعبي انفجاري ومتعدد الأشكال، بدل الاكتفاء بالرفض السلبي المرتكز إلى تنظيم الخسارة وتفريغ الغضب، ويعتقد أن كل الاتصالات بين قادة المقاومة هي لتأكيد قبول التحدي وأن المقاومة جدية بأن تبني على ما تريد الحلقة الفلسطينية، وهي تنتظر الإستراتيجية الفلسطينية في إطار إستراتيجية شاملة للمقاومة ومحورها فلسطين.
فيما يشير د. علوان أمين الدين إلى أن هناك موضوع مهم يجب لفت الأنظار إليه، على الأقل من منطلقه الشخصي، بأن الصراع مع هذا الكيان هو صراع اجتماعي أيديولوجي وجودي، وغير مرتبط بفئة أو جهة معينة أو حقبة زمنية، تحكمه الاستمرارية والنفس الطويل. وأشار إلى أن الأحداث في سوريا قد بيّنت، بما لا يقبل الشك، الخطر المشترك الذي تعاني منه دول ما يسمى بـ “محور الممانعة”، وأن كل الأزمات في المنطقة يقف وراءها هذا الكيان، لجهة تدمير الجيوش القوية، وإضعاف الأنظمة “المعادية”، وإنهاك الشعوب بمشاكلها اليومية من أجل إرغامها على القبول بالأمر الواقع.
وينوه في ما يخص لبنان، لا شك أنه في قلب هذا الصراع، وبالتالي لا يمكن أن يتوانى عن أداء دوره في هذا الشأن. لذلك، تعتبر كل هذه القوى بأن التكافل والتضامن، في وجه “إسرائيل”، سينعكس بالفائدة على مستقبلها. فموضوع الاعتراف بـ “يهودية” الدولة، على سبيل المثال، قد يفتح الباب بشكل غير مباشر على تفتيت الدول القائمة، أو ما كان يسمى بـ “دول الطوق”، إن لجهة الدين أو العرق أو الإثنية، وأبرز مثال على ذلك، تأييد “إسرائيل” للاستفتاء في كردستان كمقدمة لتقسيم العراق ومن ثم إيران وتركيا. من هذا المنطلق، يمكن تفسير هذا الترابط في ضرورة المواجهة، بحسب د. أمين الدين.
ويتشارك الرفيق عبدالعال مع ما طرحه د. أمين ويوضح بأن الكيان الصهيوني أضحى أكثر وضوحاً في التعبير عن نفسه كرمز من رموز الفصل العنصري البغيض ويسارع بسياسته وبمنهجية التطهير العرقي ومخططات عنصرية التي ترمي إلى أرض بدون السكان الأصليين أو تقليص الوجود الفلسطيني إلى أدنى مستوياته، حتى يتمكن من تحويل القدس إلى “مركز اليهودية في العالم”، تماشياً مع مخططه المسمى 2020. أي إنهاء أي أفق لكيان فلسطيني. ويتضح أن هذا السلوك ينتسب إلى تكتل “النيو – صهيوني” يجسد بنية الكيان ” المابعد صهيونية” إذا جاز القول متقاطعاً مع رأس الإدارة الأمريكية، والذي يمارس شعبوية سياسية غريبة، فهو لا يخجل من إعلان ما يضمر، ويحاول أن يمارس الذي يعلن حتى لو كانت خرقاً للقرارات الدولية، هذا التحالف ضد العالم ، هو جزء من حرب حقيقية مفتوحة ولم تكن مجرد شعارات أو ذرّاً للرماد في العيون. حكماً هي قضية وطنية وقضية الأمة، والمطلوب التأسيس على انتصارات المقاومة وتحصينها سياسياً واستعادة محورها الرئيسي بالتناقض الرئيس ضد الثالوث الإمبريالي والصهيوني بأدواته الظلامية ومن خلال إستراتيجية موحدة ومتعددة تعمل على توسيع دائرة التحالف الأممي ضد الكيان العنصري /الإرهابي /الإستئصالي.
ويتساءل، هل الرد المطلوب هو سياسة الاستجداء والتمنيات؟ وعلى مدار سنوات احتلالها هل كانت القدس في صلب الخيارات السياسية العربية؟ أم بقيت أسيرة لدائرة الانتظار والمناقصات والبحث عن حلول وسطية بثمن يطال الحقوق الوطنية، تحت مسميات عدم استباق الحل النهائي وأنه ليس بالإمكان القيام بعمل شيء. العالم يتغير ولكن علينا أن نتغير نحن أولاً.
محور المقاومة وتمدده إلى داخل فلسطين
يوضح د. علوان أن طرح هذا الموضوع مهم جداً ولكنه صعب، بعض الشيء، في الوقت نفسه، إذ يقف خلف هذا الكيان قوى عظمى مالية وعسكرية وإعلامية، وهي الأهم. لكن ذلك لا يمنع من إحداث خروقات كبيرة في العديد من الأمور كي تكون مدخلاً لتحقيق إنجازات كبيرة، حيث يجب أن تبدأ بالوحدة الداخلية الفلسطينية تتمحور في تشكيل جبهة موحدة للمواجهة تواكبها قرارات مصيرية مشتركة. فعندما يتم هذا التوافق، يسهل على هذه الدول تقديم دعم ما، أيّاً كان، حيث يتم تغطيته بقرارات الشرعية الفلسطينية المستمدة من الشعب الفلسطيني نفسه. بالتالي، يصبح أي تدخل، أو مساعدة، قانوني حيث أنه سيستمد مشروعيته من القواعد والقوانين والمواثيق الدولية التي تعطي الحق للشعوب بمقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المتاحة، وينوه بأن القواعد الدولية تقول “كافة الوسائل” ولم تحدد نوعاً أو طريقة معينة بل أبقت الباب مفتوحاً.