حول كتاب فيوم:التحليل النفسي للدين
في هذا الكتاب ناقش إيريك فروم الخبرة الدينية عند الإنسان، من ناحية منشئها من جهة، ومن ناحية تنوع أشكالها من جهة أخرى.
من ناحية منشئها، يناقش فكرة رعب الظاهرة التي عرضها فرويد في كتاب “مستقبل وهم”، ويعتبر أن منشأ الدين بشكل عام هو حاجة الإنسان لإطار من التوجه وموضوع للإخلاص، وفي هذا السياق وضع إريك فروم مختلف العقائد والمبادئ والأيديولوجيات في إطار الدين، وليس فقط الأديان التي نعرفها، كالإسلام والمسيحية واليهودية (فهو دائم الحديث عن دفء الزريبة بما يشبه حديث نيتشه عن القطيع، وأن جرس القطيع سيبقى يرن في داخلك).يتحدث عن اللجوء إلى الدين ليس بوصفه حالة إيمان، وإنما هروباً من الشك الذي لا يطاق، أي أنه ليس إخلاصاً بالمعنى الكامل، وإنما البحث عن الأمن. فالناس يستمطرون في الكنائس، وفي الوقت نفسه يقومون بإنزال المطر بالوسائل الكيميائية، يحضرون جلسات الدعوة للمحبة والإخاء، ويعتبرون أنفسهم مغفلين إن لم يتمكنوا من النصب في السوق.
ميز فروم بين المفهوم الفكري للدين والخبرة الإنسانية التي تقف خلفه (وفي ذلك تقاطع مع فيورباخ في حديثه عن جوهر المسيحية، وبعدائه لأسباب وجود الدين في المقام الأول قبل معارضة الدين نفسه)، وهذه الخبرة، قد تأخذ منحيين، منحى تسلطي ومنحى إنساني.
يعطي إريك فروم مثالاً للدين التسلطي من لاهوت كالفين : (الرضوخ غير المتكلف من ذهن مغمور بإحساس فادح بشقائه وفقره، لأن هذا الوصف هو الوصف الموحد له في لفظة الله”، الدين التسلطي في نظر فروم هو دين إفقاري، تجريفي، وكلما ازداد الله في عين المؤمن كمالاً، زاد المؤمن نفسه ضعفاً ونقصاً وذنباً وأسىً، إنه يسقط القدرة الكاملة على الله، ويترك نفسه عاجزاً”، ويجد فروم أن التسلط تزايد في النصوص الدينية عبر التاريخ، فعقوبة آدم وحواء كانت النزول إلى الأرض، ولكن ليس الموت، وفي قصة نوح أصبح العقاب متمثلاً في الطوفان الذي لا يبقي أحداً. في الخبرة التسلطية يكون الفرد مشبعاً بالخوف، وعاجز عن الاحساس بالقوة أو الاستقلال، وهذا يتقاطع مع ما كتبه صلاح عبدالصبور في مأساة الحلاج:
وكان هواء المخافة يصفر في أعظمي ويئز كريح الفلا….
وأنا ساجد راكع أتعبد، فأدركت أني أعبد خوفي لا الله…..
كنت به مشركاً لا موحداً، وكان إلهي خوفي، وصليت أطمع في جنته، ليختال في مقلتي خيال القصور ذوات القباب، وأسمع وسوسة الحلي، همس حرير الثياب…
إني أبيع صلواتي إلى الله، فلو أتقنت صنعة الصلوات لزاد الثمن، وكنت به مشركاً لا موحداً، وكان إلهي الطمع (صلاح عبدالصبور – الحلاج)
أما خبرة الدين الإنساني حسب فروم، تكون غاية الإنسان هي تحقيق القوة الكبرى، والحالة النفسية السائدة هي الفرح (حسب الحاسدية عند اليهود، بجلوا الله بفرح)، تصبح قوة الله هي رمز لقوة الإنسان التي يحاول أن يحققها في حياته، وليس رمزاً للهيمنة والسلطان، ومن ذلك برأي فروم، البوذية المبكرة، بوذية الزن، سقراط، سبينوزا، ويسوع. وبعض الاتجاهات الصوفية في اليهودية والمسيحية والإسلام. ويستشهد ببوذة الزن في هذا السياق التي تعتبر أن ليس هنالك فكرة تستمر دون منشأ انفعالي، واعتبار الكلمات والأنظمة الفكرية المحفوظة تتحول بسهولة إلى سلطات نعبدها.
في الفصول الأخيرة من الكتاب يعتبر فروم أن مصيبة الإنسانية كانت في انتقال مهمة طبيب الروح من الفيلسوف إلى رجل الدين. ويعتبر أن المحلل النفسي هو التهديد الأكبر لرجل الدين.
وفي هذا الكتاب إشارات لمفهوم التملك والكينونة التي سنفرد هذه المحاضرة لها، ومنها إدراجه لوصايا معلمي التيبيت البوذيين:
– قد يظن خطأ أن الرغبة إيمان.
– قد يظن خطأ أن التعلق إحسان وحنو.
– قد يظن خطأ أن السكون هدوء.
– قد يظن خطأ أن عبيد الهوى هم سادة اليوغا.
– قد يظن خطأ أن الغرور هو أداء الواجب.
– قد يظن خطأ أن القسوة هي العدالة.