عملية نابلس النوعية.. التوقيت والأهداف والرسائل
العزب: حركة فتح تثبت بهذه العملية بأن تراثها الوطني النضالي غير قابل للتصفية من قبل أحد، كما تؤكد عن حقيقة الحوار الداخلي الدائرة في قواعد الحركة.
سعدالدين: هناك شريحة فتحاوية واسعة (ومعظمها من الشباب) باتت تتعالى لديها أصوات مناهضة لما وصلت إليه الأوضاع في الأراضي المحتلة.
نداء الوطن-رانيا عباس
في عملية نوعية تبنّتها كتائب الشهيد عبدالقادر الحسيني/ قوات العاصفة التابعة لفتح، قُتل ضابط صهيوني وزوجته مساء يوم الخميس 1/10/2015، وأصيب أربعة آخرون بجراح مختلفة، في إطلاق نار على مستوطنة (ايتمار) شرقي نابلس.
وفي أول رد رسمي على العملية،حمّلت حكومة الاحتلال الصهيوني الرئيس محمود عباس المسؤولية، وقالت أنه من أعطى الأوامر لتنفيذ العملية في حين قال الوزير المتطرف بينت أن للرئيس عباس مسؤولية كاملة على العملية وقال أنه حان وقت العمل في الضفة الغربية .
وباركت الفصائل الفلسطينية العملية البطولية مؤكدة أنها رد طبيعي على جرائم الاحتلال الصهيوني، فيما أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً لفتت فيه إلى أن هذه العملية النوعية أثبتت قدرة شعبنا على رد الصاع صاعين، والانتقام لدماء الشهيدة هديل الهشلمون، وعائلة دوابشة، وأكدت فشل الإجراءات الاحتلالية المتصاعدة لقمع الانتفاضة الشعبية وثورة أبطال الحجارة المشتعلة في شوارع وأزقة القدس، وفي الضفة المحتلة.
عملية نوعية في أجواء من الفشل السياسي
وفي تصريح خاص لنداء الوطن أكدت الصحفية الدكتورة نادية سعدالدين مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة الغد، أن هذه العملية تدلل على أن هذه المقاومة ستبقى حيّة ولن تموت طالما بقي الاحتلال جاثماً على الأرض الفلسطينية. وكما تظهره خبرات التحرر الوطني والنماذج التاريخية السابقة – أسوة لمسار حركة التحرر الوطني الفلسطيني – فإنه ليس شرطاً أن تستمر المقاومة على ذات الوتيرة، فقد تحبو أحياناً وقد تنشط في أحايين كثيرة من دون أن يعني ذلك توقفها.
ويتفق الرفيق الدكتور موسى العزب عضو اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية مع ما ذهبت إليه سعدالدين ويرى أن العملية البطولية ليست منقطعة أو فردية، وإنما هي جزء أصيل من الكفاح المتواصل للشعب الفلسطيني المناضل، وبمختلف الوسائل، وإعلانه الدائم برفضه للاحتلال وتوقه للحرية والاستقلال.
وأشار العزب إلى أنه وفي وقت يتكشف فيه عقم سياسات السلطة الفلسطينية، وانكشاف أوهامها وعجزها عن حماية الشعب والأرض، وتكبيلها بالاتفاقيات المخذلة مع الاحتلال، وسياسات التضليل والتنسيق الأمني. تأتي العملية لتثبت بأن الشعب الفلسطيني يمتلك روح المبادرة، وأن وجدانه الوطني العميق قادر ومهما كانت الظروف على اجتراح الأشكال الإبداعية للمقاومة والنضال والحفاظ على بوصلته الوطنية بمقاومة المحتل، والتأشير إلى الطريقة الأنجع في كل مرحلة لمواجهة العدو، والرد الجريء الحاسم على عدوانه.
العملية نوعية من حيث المكان والزمان
وترى الدكتورة نادية سعدالدين أن هذه العملية كانت مميزة من حيث التوقيت والأهداف والمكان. فهي أولاً طالت ضابطاً رفيعاً في جهاز المخابرات الإسرائيلية ومستوطنة عنصرية، وهما أو كلاهما من عصابة _ تدفيع الثمن _ الصهيونية.
كما نُفّذت هذه العملية في نفس المدينة الفلسطينية المحتلة التي شهدت قبل فترة نموذجاً آخر من صور وجه الاحتلال القبيح، بجريمة عائلة الدوابشه، علماً بأن المقاومين الفلسطينيين الذين نفذوا هذه العملية النضالية، لم يقتربوا من الأطفال الأربعة أبناء المستوطنين المتقولين، رغم أن هؤلاء الأطفال هم مشروع صهاينة مجنّدين لخدمة مشروعهم الاحتلالي الاستعماري في فلسطين المحتلة.
أما الدكتور موسى العزب فيرى أن توقيت العملية أتى في ظل ظروف فارقة من تاريخ القضية الفلسطينية، حيث يصعّد الكيان الصهيوني من عدوانه، بقمع الإنسان وتقييد حرية الشعب وزج خيرة أبنائه في المعتقلات ومصادرة الأرض وحرق الأطفال ومحاولة مسح التاريخ الحضاري للشعب بتدمير وتدنيس مقدساته في الأقصى، وإطلاق مجاميع مستوطنيه لترويع الناس وتشريدهم.
عودة فتح إلى العمل المسلح
ويعتبر الدكتور موسى العزب أن إعلان حركة فتح عن العملية، تؤكد الحركة بأن تراثها الوطني النضالي غير قابل للتصفية من قبل أحد، كما تؤكد عن حقيقة الحوار الداخلي الدائرة في قواعد الحركة، وتحسس خطورة سياسات وتعاون القيادة المتنفذة في السلطة مع سلطات الاحتلال واستعداداتها غير المسبوقة في التفريط بالقضية الوطنية، وعجزها عن حماية الشعب والأرض، وفي محاولة لتصحيح نمط العلاقة التوظيفية لهذه السلطة التي لم تتوانى عن السحب من الرصيد الوطني النضالي لحركة فتح لتسديد فواتيرها في إدامة سلطتها والحفاظ على امتيازاتها ومصالحها وشرعنة نهجها.
أما الدكتورة نادية سعدالدين فترى أن تبني كتاب الشهيد عبدالقادر الحسيني التابعة لحركة فتح للعملية، ليس أمراً جديداً، فلطالما نفذت الأجنحة العسكرية لحركة فتح (ضمن مفاصل تاريخية سابقة) عمليات نضالية نوعية ضد العدو الصعهيوني، في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات يجلس على طاولة المفاوضات مع الجانب الصهيوني، هذا من جانب. أما من الجانب الآخر، فلا شك أن هناك شريحة فتحاوية واسعة (ومعظمها من الشباب) باتت تتعالى لديها أصوات مناهضة وما وصلت إليه الأوضاع في الأراضي المحتلة، ورفض الاستمرار في نفس الخط التفاوضي الثابت الذي مضت القيادة الفلسطينية على مساره منذ زهاء العشرين عاماً تقريباً والذي لم يسفر عن تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن، بما يستوجب بحسبها، ضرورة الاستمرار في مقاومة الاحتلال إلى حين إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
رسالة من الشعب الفلسطيني
وترى د. نادية سعدالدين أن العملية استهدفت إرسال رسالة للمجتمع الدولي برمته، من أجل التحرك للضغط على الاحتلال تجاه كف عدوانه عن الشعب الفلسطيني وعدم الاكتفاء بموقف الاستنكار والإدانة. فهي رسالة للعالم جميعاً على فداحة ما يرزح الشعب الفلسطيني تحت وطأته من القتل والتنكيل على يد الاحتلال.
ويؤكد د. موسى العزب أن الشعب الفلسطيني المناضل وقواه الوطنية، قادر على إطلاق المبادرة للدفاع عن نفسه وقضيته، وفي نفس الوقت يرسل للعالم رسالة، بأن مقاومته حرة عادلة وواعية لأهدافها ومهامها، كما هو واعٍ لخطورة سياسات العدو العنصرية الإجرامية بمصادرة الأرض وزرع المستعمرين، وأن الهياج الهستيري لقوات الاحتلال ومجاميع مستعمريه، تكشف عن مدى تأثير هذه العمليات في لجم إجرامهم وتدفيعهم الثمن.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه العملية بداية إنطلاقة لعمل مقاوم مسلح في الضفة الغربية إيذاناً بإعلان وفاة “أوسلو”، أم أنها لن تعدو كونها ردة فعل مؤقتة على سلسلة العمليات الإجرامية لهذا الكيان الغاصب؟؟!! الأيام والأشهر القادمة كفيلة بالإجابة على ذلك.