أخبار فلسطين

الحل الترامبي للقضية الفلسطينية مؤجل لما بعد مؤتمر “التطبيع الإقليمي”

أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعمال قمة الرياض، القمة العربية الإسلامية الأمريكية، والتي عقدت في الرياض بين 20 و21 أيار 2017. بالنسبة لترامب كانت زيارته الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة ناجحة جدًا، إذ غادر الرياض وقد ضمن مئات المليارات من الدولارات لبلده. توجّه ترامب بعد ذلك لزيارة الكيان الصهيوني، ليلتقي بعدها برئيس السلطة محمود عباس في الضفة الفلسطينية المحتلة.علق عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، على رحلة ترامب قائلًا أن أهم مخاطر هذه الزيارة هو حرف التناقض الرئيسي في المنطقة، من كونه مع العدو الصهيوني ليغدو مع إيران، من خلال تحالف سني – إسرائيلي – أمريكي في واجهتها، ما يؤدي بدوره إلى تعميق التبعية للسياسات الأمريكية، وتجاوز الدول المحورية في المنطقة (مصر وسوريا والعراق)، لصالح السعودية التي ستلعب دور الدولة المركزية في المنطقة العربية.
من جهتها ترى مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة الغد، الدكتورة نادية سعد الدين، أن زيارة ترامب للأراضي الفلسطينية المحتلة لم تقدم أي خطة لتحريك العملية السلمية وفق “حل الدولتين”، كما يتبناه المجتمع الدولي، وإنما استمع، خلال اللقاءات التي أجراها مع الجانبين الفلسطينيي والإسرائيلي، كل على حدّة، ولكنه لم يتقدم بأي مقترحات ضمن مواعيد محددة لاستئناف المفاوضات، كما لم يبلور برامجه لتحريك جهود عملية السلام. برغم جديّة ترامب في التوصل.
وتعتقد الكاتبة والباحثة الأكاديمية في العلوم السياسية أن ترامب قد يكون جادًا في التوصل إلى اتفاق “سلام فلسطيني – إسرائيلي”، وهو الأمر الذي أكد عليه، سواء خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية أو عبر تصريحاته اللاحقة عقب تسلم مهامه رئيساً للولايات المتحدة، ولكنه، في المجمل العام، لا يحمل تصوراً كافياً لماهية هذا الحل، وبالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لا تملك رؤية استراتيجية واضحة لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، وإنما جلّ ما تريده استمرار إمساكها بتلابيب ملف التسوية السلمية، والتوصل إلى صيغة حل ما يتناسب مع الرؤية الصهيونية.

قمة الرياض ودورها تجاه القضية الفلسطينية

يرى كايد الغول أنه سيترتب على نتائج قمة الرياض انعكاسات سلبية على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل رهان الرئيس أبو مازن على دور لترامب في الوصول إلى حال سياسي للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، رغم أنّ الرئيس الأمريكي، ومع استعداده لبذل جهود للوصول إلى حل سياسي على حد زعمه، لم يقدّم أي تصور للحل أو أي التزام يتعلّق بالانسحاب الاسرائيلي، أو إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أو حتى حل الدولتين، أو إدانة الاستيطان والمطالبة بوقفه، أو وقف نقل السفارة الامريكية إلى القدس، ووقف الاعتداءات والجرائم الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وما إلى ذلك. وقد تبدى رهان الرئيس أبو مازن من خلال موافقته على العودة للمفاوضات دون شروط مسبقة، وبمرافقة خمس دول عربية، متجاوزًا في ذلك قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية.

سعد الدين: أية تسوية قد يتم التوصل إليها لن تكون قادرة على إنهاء جوانب الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني

ويؤكد الغول أنه ينبغي مواجهة تلك النتائج بجدية وبمقاومة حقيقية، كما جرى بعد توقيع اتفاق أوسلو، الذي تم حمله ودعمه دولياً وعربياً، حيث لم تتوقف المقاومة حتى يومنا هذا، نؤكد على ذلك، رغم إدراكنا لكل التبّدلات والتحوّلات التي جرت وتجري في المنطقة، وعليه؛ علينا في الوقت الحالي “تشديد الهجوم السياسي والإعلامي على نتائج قمة الرياض من خلال التصريحات والبيانات والسياسية والمقابلات التلفزيونية والإذاعية”.

بينما تؤكد الدكتورة سعد الدين على أن قمة الرياض أشارت، أسوة بالقمة العربية التي عقدت في عمان في آذار الماضي، إلى محورية القضية الفلسطينية، وعلى ضرورة التوصل إلى اتفاق “سلام” وفق المبادرة العربية للسلام، التي صدرت في بيروت عام 2002.

غير أن الكيان الإسرائيلي ليس مضطرًا اليوم إلى التسوية أو تقديم تنازلات لتحريك مسار العملية السياسية، بسبب اختلال موازين القوى لصالحه، والانحياز الأمريكي المفتوح له، عدا ضعف الدعم العربي الإسلامي للقضية الفلسطينية، فيما سمح الوضع العربي الإقليمي والدولي بمضيّ الاحتلال في مخطط منع إقامة دولة فلسطينية متصلة، عبر إغراق المساحة المخصصة لكيانها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، ما تسبب في قضم 80% من مساحة الضفة الغربية، مقابل أقل من 20% للفلسطينيين، تشكل 12% من فلسطين التاريخية، ضمن “كانتونات” غير متصلة جغرافياً، وتضم زهاء نصف مليون مستعمر في 180 مستوطنة.

وبذلك؛ فإن الأخذ بفكرة “حل الدولتين”، الذي يتبناه المجتمع الدولي، سبيلاً للتسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يكاد يتلاشى بسبب سياسة الاحتلال الإسرائيلي التعويقية ونمط عدوانه الثابت ضد الشعب الفلسطيني، بما يسهم في تقويض “حل الدولتين” ويجعل من الاستحالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة.

وتتابع “إن الموقف الإسرائيلي من الكيان الفلسطيني المستقبلي لم يخرج عن إطار حكم ذاتي تنحصر حدود صلاحياته ضمن الشؤون الحياتية للسكان، خلا الأمن والسيادة الموكولتان للاحتلال، وهو الموقف الذي تلتف حوله التيارات السياسية الإسرائيلية الأساسية، بتوجهاتها اليمينية واليسارية والدينية”.

وتُثبّت سعد الدين الحديث عن مساعي أمريكية – غربية – إسرائيلية حاليًا، لتحريك العملية السياسية، غير أن الخشية تكمن في طروحات تدور حول ما يسمى “السلام الإقليمي”، الذي يحمل محذور “التطبيع” قبل حل “قضايا المرحلة النهائية”، للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، المفترضة، بالضغط على الدول العربية الإسلامية لتعزيز آمال الثقة في المنطقة، والتقدم بمبادرات ملموسة تجاه إنهاء عزلة الكيان الإسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية معه، تمهيدًا “معكوساً” لإحلال السلام.

من جانبه يرى القيادي في الجبهة الشعبية أن هذا الطريق سيفتح شهية “إسرائيل” للمطالبة بعقد مؤتمر إقليمي، تتحقق من خلاله عملية تطبيع رسمية مع الدول العربية، أو يذهب إلى طلب المزيد من التطبيع مع هذه الدول كشرط مسبق لعودة المفاوضات، أو استغلال المفاوضات بالمرافقة العربية والعمل على إطالة أمدها مع الفلسطينيين، بما يحقق التطبيع من خلال هذه المفاوضات ويُجسّد طلب “إسرائيل” بأن يكون التطبيع سابق على الدخول في مفاوضات “مباشرة وجدية” مع الفلسطينيين.

ويتّفق الغول مع سعد الدين في أن المرحلة القادمة لا تحمل في طيّاتها حلًا للفلسطينيين، بل مزيدًا من التوتر، والتعقيد والتفريط.

الغول: تحالف سني – إسرائيلي – أمريكي قادم سيؤدي إلى تعميق التبعية للسياسات الأمريكية وإعطاء السعودية دور الدولة المركزية في المنطقة.

يقول الغول؛ “قد نكون أمام استعداد القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات أوسع خاصة فيما يتعلق بتبادل الأراضي، التي قد تصل لما نسبته 8% وربما أكثر، وتراخي أكثر فيما يتعلق بقضية اللاجئين وحقوقهم وحق تقرير المصير”، وبحسب عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية علينا مواجهة هذه التنازلات المحتملة من خلال تشديد الهجوم على القيادة الفلسطينية المتنفّذة من جهة، والعمل على إصدار مواقف مشتركة مع أعضاء اللجنة التنفيذية.”

أما الدكتورة سعد الدين فترى أنه لا يوجد ما يشي بقرب التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية خلف المنعطف المقبل، على الأقل، وربما البعيد، بل إن وتيرة الصراع تتجه نحو التصاعد لجهة تعقيد التوصل إلى تسوية سلمية، بما من شأنه أن يعزز استمرار المقاومة الفلسطينية، ويخلق مزيداً من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، بمواصلة الممارسات العدوانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتستطرد بالقول؛ “إن أي تسوية قد يتم التوصل إليها لن تنهي الصراع العربي-الإسرائيلي، ولن تكون قادرة على إنهاء جوانب الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، حيث ستبقى قضايا جوهرية عالقة، مثل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والقدس، في ظل شكوك بالالتزام الإسرائيلي بأي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه، قياساً بتجارب سابقة.”

الدور المطلوب من القوى الوطنية في هذه المرحلة

في ضوء ما سبق، يشدد الغول إلى أنه مطلوب من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والقوى الوطنية تكثيف اللقاءات مع القوى السياسية الفلسطينية والعمل للوصول إلى توافق معها أو مع من يقبل بنشاطات وفعاليات ومواقف مشتركة تواجه المخاطر الناجمة عن قمة الرياض، وعن العودة إلى المفاوضات، والقيام بجولات واسعة ومتواصلة مع كل قوى التحرر العربية، والبحث معها في كيفية مواجهة قمة الرياض ونتائجها، سواء على الصعيد القومي أو القطري، لانها تمس المصالح القطرية والمصالح القومية المشتركة.

بدورها ترى الباحثة في العلوم السياسية “إن العدوان الإسرائيلي المتواصل ضدّ الشعب الفلسطيني، والأوضاع المتدهورة في الأراضي المحتلة، بسبب الاحتلال، والحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يقتضي من القوى والفصائل الفلسطينية وضع استراتيجية وطنية موحدّة لإنهاء الانقسام وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ووضع آليات محددة، وفي مقدمتها دعم استمرار المقاومة، بشتى أشكالها، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وتفعيل منظمة التحرير، بما يضمن انضمام حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إليها، من أجل مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي.”

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى