69 عاماً من المواجهة.. نفهم عدونا، لننتصر
نُخطئ إذ نظنّ أن القصة بدأت في 15 أيار 1948! على الصعيد الدولي الرسمي، تعود الأمور، أو ما أُرِّخ منها، إلى عام اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي مهّدت الطريق أمام وعد بلفور عام 1917 الذي أسس لجريمة النكبة وهيّأ كافة المناخات لحدوثها.
أما على الصعيد الصهيوني غير الرسمي، فقد ظهر توجّه الحركة الصهيونية، جليًا، لبناء دولتها المزعومة على أرض فلسطين التاريخية، في مؤتمر بال الأول، في سويسرا عام 1897.
لن نخوض اليوم في ممارسات العدو الصهيوني اليومية والمستمرة إلى يومنا هذا والتي نعرفها جيدًا، ومن قبله مُنظَّمَتا الهاغاناه والآرغون وغيرهما من المنظمات الصهيونية التي مارست تطهيرًا عرقيًا بحق الشعب الفلسطيني، حيث ارتبط مفهوميّ “التهجير والتوطين” مبكرًا في أذهان الحركة الصهيونية، لاعتبارهم أرض فلسطين التاريخية “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، ما ساهم في البدء في إعادة تشكيل الديموغرافيا الفلسطينية لصالح الاستراتيجيا الصهيونية.
كان يوم 15 أيار هو ذروة الحكاية، اللحظة الحاسمة التي تنقلب فيها الأحداث لتصبح “النكبة” واقعًا مُعاشًا. ما يغيب عنا، أو يُغَيّب، أن بريطانيا انسحبت قبل يوم واحد فقط من إعلان قيام الكيان الصهيوني، وذلك وفاءًا بوعدها للحركة الصهيونية، وتطبيقًا لقرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين ثاني 1947؛ أي أن قيام الكيان الصهيوني كان نتيجة الدعم الامبريالي البريطاني على وجه الخصوص، وتحت مظلة الشرعية الدولية التي جسّدها قرار التقسيم 181.
يصبُّ كل ما سبق في المصلحة التقسيمية للامبريالية العالمية، وأداتها في المشرق العربي – الكيان الصهيوني -، ويأتي تحقيقًا للهدف الرامي لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، تمهيدًا لتقسيمه ونهبه وسلب خيراته. يضع كل ذلك الشعب الفلسطيني في مثلث مواجهة، مُتمثّلًا بالامبريالية الاستعمارية العالمية، والحركة الصهيونية والرجعية العربية. يُعلق الدكتورجورج حبش على ذلك في كتابه (نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني، 1988) قائلًا: “شكّلت هزيمة 1948 تقاطعًا نموذجيًا لأطماع الصهيونية مع التواطؤ الاستعماري مع عجز وخيانة الرجعية العربية”.
كيف نفهم العدو الصهيوني ونواجهه؟
بعد 69 عامًا من الكفاح المستمر في وجه آلة القتل الصهيونية، والتي ينبغي أن نعترف في بادئ الأمر أن تلك الآلة لم تعد كما قبل، ولم تعد تلك العصابات التي جاءتنا قبل سبعة عقود، بل تطورت وأصبحت منظومة إجرامية تمتلك ترسانة من أقوى الترسانات في العالم، ولا حاجة لشرح السبب وراء ذلك الآن. المهم يذهب بعض دعاة الإنسانية اليوم، من مختلف الألوان، إلى القول بأن “إسرائيل” أصبحت واقعًا قائمًا مُعاشًا علينا قبوله، سواء رضينا ذلك أو أُرغمنا عليه، كي ينعم الانسان على هذه الأرض بالحرية والأمان.
يأخذنا ذلك بديهيًا لسؤال يطفو على سطح “النكبة”، هل يمكن تغيير هذا “الوضع القائم”؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
في البداية، يجب أن نعي جيّدًا أنه لتغيير أي شيء كان، علينا مواجهته. إذن؛ كيف تكون المواجهة؟
هنا نقول أنه انطلاقًا من فهمنا للطبيعة الاستعمارية التقسيمية الإحلالية للعدو الصهيوني، والتي هي ترجمة للغاية التقسيمية لوعد بلفور بفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، يجب أن تكون المواجهة ضد الكيان الصهيوني، وضد الدول التي أوجدته وزرعته في قلب وطننا العربي ولا تزال تحتضنه.
“الشرط الأول لنجاح المواجهة يكمن في الادراك العلمي الدقيق والواضح لطبيعة الصراع الجاري، وطبيعة أطرافه وأهدافهم، والشروط الموضوعية والذاتية التي يعملون ويتحركون من خلالها”… “وهكذا تبدو أهمية المعرفة العلمية المتطورة المترابطة لهذا الكيان بوصفها الحلقة الأولى في عملية صياغة استراتيجية شاملة للمواجهة”. (د. جورج حبش، نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني، 1988)
بتصفيق من المجتمع الدولي، يستمر العدو الصهيوني وحلفاؤه بتوجيه المزيد من الصفعات الدولية للفلسطينيين، فلم تنته القصة عند قيام الكيان الصهيوني تحت غطاء الشرعية الدولية، ولا عند رفض العدو، حتى اللحظة، الامتثال لقرار الجميعة العامة للأمم المتحدة رقم 273، الذي ينص على “قرار قبول إسرائيل في المنظمة الدولية جاء بناء على تعهد إسرائيل بتنفيذ القرار 194″؛ ففي هذا العام، وبعد أقل من 6 أشهر على مرور 69 عام على نكبة الفلسطينيين والعرب، يحتفل البريطانيون بمئة عام من الصداقة بينهم وبين الكيان الصهيوني ويحيون مئوية وعد بلفور،فيما كان بعض الحقوقيين الفلسطينيين والعرب وغيرهم قد طالبوا بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذا الوعد، وقبل أن نفكّر بجدوى هذا الاعتذار، جاءنا الرد من بريطانيا نفسها مطلع هذا العام أيضًا “لن نعتذر عن وعد بلفور!”
إذن، ما المطلوب اليوم من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، على وجه الخصوص، بعد الكثير من أرقام القرارات الدولية، وبعد ما يزيد عن عشرين عام من السقوط في وحل أوسلو؟ المطلوب اليوم هو صياغة استراتيجية مواجهة شاملة تستند إلى برنامج وطني تذوب فيه كل البرامج السياسية الأخرى، استراتيجية مواجهة شاملة تنهض بالوعي الجمعي الشعبي في مواجهة ماكنة كي الوعي الامبريالية الصهيونية، لتصبح المعادلة؛ نعي.. نقاتل.. وننتصر.