الدكتور ماهر الطاهر القيادي في الجبهة الشعبية: نحو القطيعة الكاملة مع أوسلو وإفرازاته
أكد على فشل الرهان الصهيوني على طمس الهوية للشعب الفلسطيني
الدكتور ماهر الطاهر القيادي في الجبهة الشعبية: نحو القطيعة الكاملة مع أوسلو وإفرازاته
أجرى المقابلة: د. فاخر دعاس
بالتزامن مع الذكرى التاسعة والستين لنكبة فلسطين، ومع اقتراب الانتخابات البلدية في السلطة الفلسطينية، تلتقي نداء الوطن الدكتور ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة، للحديث عن ذكرى النكبة ومستقبل القضية الفلسطينية ودور الحركة الوطنية الفلسطينية، إضافة إلى الحديث حول الجبهة الشعبية وموقفها من مؤسسات السلطة ورؤيتها للنهوض بالحركة الوطنية الفلسطينية.
نداء الوطن: نحيي في هذه الأيام الذكرى الـ 69 للنكبة، برأيك ما هو أهم إنجاز للثورة الفلسطينية على مدى هذه السنوات من النضال؟ وما هو أسباب عدم نجاحها في تحقيق أهدافها بالعودة والتحرير: القيادة .. الأنظمة العربية .. الظروف الإقليمية والدولية .. أم التنظيمات الفلسطينية؟
ماهر الطاهر: لا شك أن عدم قدرتنا كثورة فلسطينية معاصرة وحركة وطنية على تحقيق أهداف شعبنا في العودة والحرية والاستقلال، أمر يعود لأسباب موضوعية وذاتية، حققنا مكتسبات ومكتسبات كبيرة، ولكن لم نتمكن من تحقيق الأهداف التي انطلقنا من أجلها حتى هذه اللحظة.
هناك أسباب موضوعية وأسباب ذاتية، الأسباب الموضوعية تنطلق بشكل أساسي أن الظروف المحيطة بنا كانت مجافية سواء بالنسبة لأنظمة عربية عديدة، إما كانت متواطئة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والرجعية العربية لعبت دوراً كبيراً في ضرب أهداف الشعب الفلسطيني من خلال تحالفها مع العدو الأساسي للأمة العربية متمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك خلل على صعيد العامل الذاتي وخاصة مراهنة القيادة الرسمية الفلسطينية على ما سمي بالحل السياسي.
الثورة الفلسطينية: نجاحات كثيرة وإخفاقات أكثر
كما نعلم عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 وتجذّرت بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، كان الشعار الأساسي هو شعار تحرير فلسطين، ولكن بعد حرب أكتوبر عام 1973، وطرح ما سمي بالتسوية وعملية السلام، حصل هناك تحول نوعي كبير وانتقلنا إلى عقلية وذهنية التسوية، ولا شك أن هزيمة الخامس من حزيران كان لها انعكاسات كبيرة على القضية الفلسطينية وصحيح أن الثورة الفلسطينية تجذرت وتعمقت بعد هزيمة 1967 وشعر الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني أن انطلاقة الثورة الفلسطينية قد شكلت تعويض نفسي كبير على الهزيمة التي حصلت في 67 ولكن لم يدرك الكثير من أبناء شعبنا وأمتنا أننا كنا في النقطة الأسوأ خاصة بعد الهزيمة التي ترتب عليها احتلال أراضٍ عربية، وبالتالي أصبح التفكير عند الأنظمة العربية هو بما سمي بإزالة آثار العدوان. وانتقلنا إلى موضوع قرار 242 وما سمي بالتسوية وعملية السلام وهذا أدخل اتجاهات أساسية في الساحة الفلسطينية وخاصة القيادة الرسمية لمنظمة التحرير في متاهات ما سمي بالتسوية السياسية.
وبعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وما سمي بمؤتمر مدريد انتقلت القيادة الرسمية في منظمة التحرير بشكل جدي نحو عنوان التسوية وبعد ذلك تم توقيع اتفاقات أوسلو التي كانت لها نتائج مدمرة على القضية الفلسطينية.
فالعامل الذاتي الفلسطيني الذي تجسد بمراهنات وأوهام القيادة الرسمية الفلسطينية على إمكانية التسوية وإمكانية الحصول على دولة فلسطينية على أراضي 67 هذا الوهم والتصور السياسي ثبت فشله ولعب دوراً كبيراً في إحداث انقسامات في الساحة الفلسطينية وخاصة بعد توقيع اتفاقات أوسلو.
هذا لا يُعفي قوى اليسار الفلسطيني من مسؤولياتها على هذا الصعيد أنها لم تستطيع أن تشكل البديل الحقيقي لانهيار وتراجع القيادة الرسمية الفلسطينية.
م.ت.ف والحفاظ على الهوية الوطنية أهم إنجازات الثورة
أعتقد أن أهم إنجازين حققتهما الحركة الوطنية الفلسطينية، الإنجاز الأول تمثل بقيام منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع وموحد للشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده داخل الوطن المحتل وخارجه.
الإنجاز الثاني والهام جداً تمثل بصمود أهلنا على أرض فلسطين وخاصة في المناطق المحتلة عام 1948، بقاء أهلنا في فلسطين التاريخية يشكل خنجر في قلب الكيان الصهيوني. أيضاً صمود شعبنا على أرضه في الضفة والقطاع والقدس ووجود نصف الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين هذا يشكل إنجاز كبير وهام لأن النضال الوطني الفلسطيني انتقل بشكل أساسي إلى الداخل وأصبح مركز الثقل الوطني في داخل فلسطين.
هذه المكتسبات التي حققها شعبنا كانت حصيلتها الأساسية أن كل مخططات العدو الصهيوني التي قامت على أساس طمس الهوية للشعب الفلسطيني فشلت فشلاً ذريعاً، كانت غولدا مائير تقول أن الكبار سيموتون وأن الصغار سينسون فلسطين، ولكن الحقائق جاءت لتؤكد عكس هذا الكلام.
نداء الوطن: هل ما تشهده المخيمات في لبنان، وما شهدته مخيمات سورية، عبارة عن عملية ممنهجة لإلغاء المخيمات كشاهد رئيسي على قضية الشعب الفلسطيني؟ وما هو الدور المطلوب من منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية لمواجهته؟
د. ماهر الطاهر: نعم هناك مخطط ممنهج يستهدف ضرب وسحق المخيمات الفلسطينية باعتبارها تمثل رمزاً من رموز حق العودة للاجئين الفلسطينيين وهذا المخطط ليس جديداً وتصاعد بشكل كبير.
هذا المخطط الممنهج الذي تمارسه الدوائر الصهيونية والإمبريالية وبأدوات أيضاً من الرجعية العربية يضع مسؤوليات جسيمة على الفصائل الفلسطينية وعلى قيادة منظمة التحرير لمواجهته.
تعلمون أن هناك آلاف من أبناء شعبنا قد هاجروا إلى ألمانيا والسويد والدنمارك وهولندا وغيرها وهناك أيضاً عملية تشجيع لهجرة الشباب الفلسطيني لكي يتم إفراغ المخيمات من سكانها ويتم أيضاً تهجير أبناء شعبنا في دول الطوق المحيطة بفلسطين وخاصة من لبنان وسورية.
نداء الوطن: كيف ترى “ذاكرة الشعب الفلسطيني” في الشتات؟ وهل ترى أنه وبعد 69 عاماً بدأ يتقبل فكرة التأقلم مع الواقع المُعاش، في ظل هذا الكم من محاولات طمس الذاكرة، وفتح أبواب الهجرة؟
د. ماهر الطاهر: ذاكرة الشعب الفلسطيني متوهجة وما نشاهده اليوم من تراجع للقضية الفلسطينية ومن حالة إحباط تعيشها أوساط شعبنا هذا ناجم بالأساس عن المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها الوطن العربي، العالم العربي يحترق وهناك مؤامرة إمبريالية صهيونية كبيرة، وهناك مشكلات حقيقية يعيشها الواقع العربي على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وبالتالي عندما انطلق ما سمي بالربيع العربي، حصلت تدخلات خارجية كبيرة هدفها الأساسي تفتيت وتجزئة الأمة العربية وتفتيت حتى الدول الوطنية، وبالتالي عملية الفوضى الشاملة التي تعيشها البلدان العربية انعكست بشكل كبير على القضية الفلسطينية، وخاصة ما تعرضت له جماهيرنا في المخيمات الفلسطينية.
هناك محاولات إمبريالية صهيونية كبيرة تستهدف تشويه الذاكرة الفلسطينية وتحدث قادة الكيان الصهيوني حول إحداث عملية كيّ في الوعي من أجل خلق حالة إحباط في صفوف الشعب الفلسطيني، لكنني أعتقد أن هذه الحالة حالة مؤقتة ولن تستمر رغم كل الصعوبات التي نعيشها في الظروف الراهنة, صحيح أن هناك هجرة وهناك الآلاف من الشباب الفلسطيني قد غادر وهاجر إلى منافي بعيدة ولكن هذا واقع مؤقت، وأتصور أن المستقبل لن يبقى مظلماً كما نشاهده في اللحظة السياسية الراهنة.
الجبهة الشعبية والقطيعة مع إفرازات أوسلو
نداء الوطن: لماذا أعلنت الجبهة الشعبية مقاطعة الانتخابات البلدية؟ وهل سنشهد انسحاباً للجبهة الشعبية من مؤسسات أوسلو بما فيها المجلس التشريعي؟ وكيف أصبح اتفاق أوسلو وراء ظهرانينا؟
د. ماهر الطاهر: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان لها وما زال، موقف مبدئي جذري ضد اتفاقات أوسلو لأن هذه الاتفاقات انتقلت من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية إلى برنامج آخر مختلف جذرياً عن برنامج المنظمة، وكان هناك نتائج مدمرة لهذه الاتفاقات على القضية الفلسطينية، وبالتالي عندما ناقشت الجبهة الشعبية هذه الاتفاقات وعقدت كونفرنس بعد توقيع الاتفاقات، قدمت أعمق تحليل في الساحة الفلسطينية لمخاطر هذه الاتفاقات على القضية الفلسطينية، واليوم نحن نجدد موقفنا الرافض جذرياً لهذه الاتفاقات، وندعو لإلغائها وأساساً هذه الاتفاقات كان من المفروض أنها مرحلة انتقالية تنتهي عام 1999 مضى عليها 25 عام وإسرائيل لا زالت تمارس الاستيطان والتهويد، وأكدت حقائق الحياة صحة موقفنا المبدئي الرافض لهذه الاتفاقات ونتائجها المدمرة.
سياستنا في الجبهة هي القطع الكامل مع هذا النهج وبالتالي الجبهة الشعبية ستقف هيئاتها القيادية مستقبلاً إذا حدث انتخابات مجلس تشريعي أو غيره ستقف الجبهة الشعبية بشكل عميق أمام هذه التطورات، لكن أستطيع أن أؤكد لكم بأننا سنسير وفق سياسة القطيعة والقطع الكامل مع هذا النهج المدمر في الساحة الفلسطينية.
نداء الوطن: في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية: أحداث سورية .. انتخاب ترامب .. ما يسمى بالربيع العربي وتراجع أولوية القضية الفلسطينية بالنسبة للشعوب العربية .. كيف ترى مستقبل القضية الفلسطينية؟
د. ماهر الطاهر: مستقبل قضية فلسطين سيقرره الشعب الفلسطيني وكل المحاولات الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية لتصفية القضية الفلسطينية ستبوء بالفشل. الشعب الفلسطيني كان يفاجئ العالم باستمرار عندما تعرضنا لمعركة لبنان عام 1982 وخرجنا كقوى مسلحة فلسطينية من لبنان، فجّر الشعب الفلسطيني انتفاضة عام 1987، وفاجأ العالم بأسره، اليوم العالم العربي يحترق والوطن العربي يعيش إرهاصات ويعيش مرحلة مخاض شديدة التعقيد، نحن نقول بأننا نريد بناء مجتمعات ديمقراطية حديثة ونريد التداول السلمي للسلطة ومحاربة الفساد، ولكن هذا لا يمكن أن يتم إلا على يدي أبناء شعوبنا وأمتنا، ولا يمكن أن يتم من خلال التدخلات الخارجية.
الواقع العربي الآن يمر في مرحلة دقيقة وحساسة للغاية، نعيش حالة تمزق وحالة صراعات مذهبية وطائفية ويتوهم الأعداء بأنهم يستطيعون تصفية القضية الفلسطينية، أنا أعتقد أن هذا واقع مؤقت وأن محاولات تصفية القضية ستبوء بالفشل وأن الشعب الفلسطيني وقواه الحية والقوى الحية في أمتنا العربية ستنهض وستستيقظ وتدرك حجم التحديات المحيطة بها. لكن هذا كله يتطلب إعادة قراءة لتجاربنا وتقييم أدائنا خلال المرحلة الماضية. لكنني متفائل بمستقبل القضية الفلسطينية وأعتقد أن كل محاولات التصفية ستبوء بالفشل والشعب الفلسطيني في الداخل وفي كل مكان، سيفاجئ العالم بأسره، لكن علينا كما قلت بناء العامل الذاتي واستخلاص دروس المرحلة الماضية.