تيسير قبعة.. النموذج الفريد /بقلم: عبد العزيز خضر
رحل تيسير ولكن الجدل حوله قد يأخذ وقتاً حتى يهدأ حيث كان الرجل حالة نضالية متميزة بوعيه وثقافته وانحيازه الدائم لفلسطين كل فلسطين من نهرها لبحرها.. فكان قريباً من الشهيد وديع حداد مناصراً لنهجه في محاربة العدو في كل مكان..
حيث كان تاريخياً مسؤولاً عن الفرع التنظيمي الخارجي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي كان يغطي العالم الخارجي حيث أن تجربته في العمل الطلابي عبر الاتحاد العام لطلبة فلسطين واتحاد الطلاب الديمقراطي العالمي مكّنته من معرفة معظم إن لم يكن كل حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.. ناهيك عن علاقاته بالحركات الطلابية اليسارية في أوروبا والأمريكيتين.
تيسير لم يكن من نوع أو نمط المثقف التقليدي اللفظي أو من أصحاب الجمل الثورية المبهرة بل كان يحفظ درسه في العمل جيداً ويدرك بحسه الوطني أبعاد الخطوه التي يريد أن يخطوها مع ميل فطري نحو الاجتهاد والخروج أحياناً عن النص. بارع في التكتيك يجيد الوصول إلى الهدف بسلاسة وهذا ما كان يوقعه أحياناً في خانة النقد من قيادته أو رفاقه الذين كانوا يقدمون مبادئهم وبالتالي يعتبرون التكتيك نمط من العمل السياسي المحرم وغير المقبول ولكنه لم يكن يستسلم ودائماً يعاود الكرّة ويجتهد ما وجد بذلك سبيلاً.
ولكن تيسير كان بحكم تاريخه النضالي منذ نعومة أظفاره في حركة القوميين العرب وصولاً إلى الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية حيث مثل الجبهة كعضو لجنة تنفيذية ومجلس مركزي ومجلس وطني حيث انتهى به المطاف نائباً لرئيس المجلس.
كان جريئاً لا يتورع عن قول رأيه مهما كلفه ذلك وكثيراً ما تلاسن مع أبو عمار حين يخلف أبو عمار قراراً اتخذ قبل ساعات وقبل أن يجف حبره..
ومن طرائفه التي سمعتها عنه مع أبو عمار أنه حين قطعت العلاقة بين الجبهة والحكومة العراقية وتوقفت المساعدات في السبعينات من القرن الماضي عرض أبو عمار وساطته عليه أثناء زيارة كان يقوم بها الراحل عبدالخالق السامرائي عضو قيادة البعث بالعراق والمكلف بالملف الفلسطيني آنذاك فما كان من تيسير إلا أن بادر سراً والتقى السامرائي وأعاد المياه لمجاريها وأخذ وعداً بإعادة المساعدات للجبهة وحين التقاه أبو عمار قال له سأرتب لك لقاءاً مع السامرائي فقال له تيسير ما بدنا مشكلتنا انحلت وسنأخذ مساعدة من اليمن الجنوبي وحين عرف بالأمر أبو عمار بادره حانقاً.. “ايه يا تيسير مساعده من اليمن!!” حيث كان أبو عمار يحب من يناكفونه.. هذا هو تيسير الذي ترك بصمته على الجبهة الشعبية والنضال الفلسطيني من خلال عديد المواقف التي شغلها..
لك المجد والخلود أبا فارس عشت مناضلاً وانتهيت مناضلاً وهذا هو الدرس الأهم.