في الذكرى ال51 لاستشهاده أيام أدب المقاومة يحتفي بغسان كنفاني
تحت شعار “أدباء المقاومة متاريس صمود ونصر” أقامت دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني يوم الأحد الموافق 6/8/2023 ندوة بعنوان غسان كنفاني الأديب والمناضل وذلك ضمن فعاليات “أيام أدب المقاومـ.ـة” حيث استضافت الاستاذ فخري صالح والدكتور محمد عبد القادر والدكتور عصام الخواجا.
وفي تقديم الندوة التي بدأت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الاردن وفلسطين والامة العربية، قال رامي ياسين بأننا نلتقي اليوم لنحتفي بمثقف عضوي روائي ومسرحي وقاص من نوع آخر، كان يسبق جيله بخطوة في الابداع كان يفتح ابوابا جديدة ليدخل منها مبدعين آخرين، كان يحفر قنوات باصبعه على التراب الجاف ليسيل الماء.. كان منتجا ومحفّزا للوعي ومحرّضا للجموع على الثورة.. وسؤاله الباقي لهذه اللحظة: لماذا لم يدقوا جدران الخزان! قالها وانفجر، انفجر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
قال الناقد فخري صالح في الورقة التي قدمها بأن “السؤال الذي يدور في ذهن الجميع هو لماذا غسان كنفاني؟ هل يعود ذلك الى أن غسان كنفاني قد تحول الى أيقونة ثقافية او أيقونة فلسطينية بسبب استشهاده؟ هل عمّد الدم اسم كنفاني ومنجزه الأدبي من قصة ورواية ومسرح أم ثمة مسألة جوهرية في كتابته تجعلنا دوما نحاول أن نفهم من جديد ابداعه؟ وربّما الاجابة تكمن في السؤال نفسه حيث استطع كنفاني من خلال منجزه الادبي والفكري أن يصبح مكوّنا أساسيا من الثقافة الفلسطينية المعاصرة”.
وتحدّث صالح بأن كنفاني كان كاتبا يقوم بالتجريب عبر الاشكال سواء الاشكال القصصية او الروائية او المسرحية، وهذا التجريب في “رجال في الشمس” و”أم سعد” قد أسس لرواية جيل الستينات، والتي كان من أبرز كتابها جمال الغيطاني وتيسير السبول ويوسف القعيد وادوارد الخياط.
وأضاف صالح بأن كنفاني كان يكتب عن الوجود الانساني ويبحث في أسئلة الانسان الدائمة عن الموت والألم والوجود وأن الانسان عنده كان بحد ذاته قضية، فكتب عن عذابات البشر معبرا بذلك عن معاناة الفلسطينيين، وبهذا وصلت قصص كنفاني الى العالمية وأصبحت أمثولة وحكايات ومجازات عن عذابات البشر.
وختم الناقد فخري صالح قوله:”غسان كنفاني هو السرد الفلسطيني الذي سيظل يوى حتى لو نال الفلسطينيون حريتهم لسببين الأول لأنه استطاع ان يروي جوهر ما حدث للفلسطينيين، والثاني لأنه استطاع ان يكتب أدبا انسانيا يجيب على أسئلة وجودهم وفقرهم والتمييز الذي يقع عليهم. وما تبقّى لنا من غسان بعد رحيله كثير جدا”.
وتحدّث الدكتور محمد عبد القادر صاحب كتاب “غسان كنفاني جذور العبقرية وتجلياتها الإبداعية” في ورقته التي قدمها عن غسان كنفاني واصفا إياه بالمبدع الفلسطيني الذي أثرى الحياة الأدبية والثقافية والسياسية والفلسطينية والعربية، والذي كان أيضا، وبوحي من إحساسه العالي بالمسؤولية الوطنية والثقافية الملقاة على عاتقة بدوافع ذاتية، ملهما للكثير من الموهوبين الواعدين، ومثل جسر لأولئك الشباب الراغبين في تحقيق ذواتهم إبداعيا.
وقال عبد القادر بأن سيرة غسان توحي له في هذا الجانب بأنه كان كمن منح تفويضا من الشعب الفلسطيني لإرساء قواعد ثقافة وطنية عبر إبداع أدبي يرقى إلى مستوى القضية، وللبحث عما يشكل إبداعا محتملا في المستقبل من الشباب المهموم بالثقافة والأدب والفن والكتابة بصورة عامة.
وأكمل الدكتور محمد في سرده أن غسان كان أشبه بمناره في رأسها ضوء كشاف يرتاده الباحثون عن رؤية واضحة، عن جسر يوصلهم إلى غاياتهم. فكان غسان دائما شخصية “رسولية” تحمل رسالة الحرية، والإبداع والثقافة والمسؤولية، والتقدم.
وأشار الدكتور محمد عبد القادر إلى العديد من شهادات حية شكل لها غسان جسر عبور، في مقال للشاعر الكبير عز الدين المناصرة تحدث عن بداية علاقته بغسان كنفاني عن طريق الرسائل التي كان يرسلها له وهو الذي يصغره بعشر سنوات، ليقرأ له شعره…
وتطرق الدكتور محمد عبد القادر إلى مجموعة من الشهادات التي قدمت في المثقف المشتبك غسان كنفاني كما أفردها مفصله في الفصل الثالث من كتابه بعنوان “غسان كنفاني جسر الواعدين” ليؤكد على أن بحثه وأي بحث آخر سيزودنا بآلاف التعليقات التي من شأنها أن تلقي في أنفسنا شيئا من الطمأنينة أن غسان تجربة حية وأنها تجربة خالدة لا تذوي بالتقادم ولا تغيب بالنسيان.
ومن جانبه أكّد الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية بأنه لم تنحصر كتابة غسان في الادب الروائي والقصصي والمسرحي والفني ، بل زاوجه بالكتابة العميقة في التنظيم ، فأكد، أن سلامة الواقع التنظيمي للحزب الثوري ترتبط باحتدام الجدل داخله ، وتطور هذا الاحتدام نحو صيغ أرقى على صعيد فكره السياسي والتزامه الأيديولوجي .
وقال الخواجا بأن غسان أكّد على أن السلاح الوحيد الذي يُمَكِن الشعوب المستعمّرة والمضطهدة من خوض حروبها في مواجهة العدوانية المفروضة عليها ، وتستطيع بواسطته قهر التفوق التكنولوجي للدول الإمبريالية، هو سلاح الجماهير المنظمة. وإن فكر غسان السياسي ودراساته النقدية وفرت لنا مرجعاً وزاداً غنياً ، فقرائته العلمية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني التي حدد خلالها بشكل واضح أن خسارة العرب معركة فلسطين لم تحدث في عام 1948 ، وإنما في العام 1939 حين انتهت الثورة دون أن تحقق أي من الأهداف التي اندلعت من أجلها ، مع خسائر بشرية ومادية هائلة وانهاك للحركة الوطنية الفلسطينية وتشرذمها الأمر الذي جعل هزيمة 1948 مجرد تحصيل حاصل.
وأضاف الدكتور عصام بأن دراسته النقدية العميقة “معضلات المقاومة الفلسطينية” ما زالت مرجعاً مهماً حتى وقتنا الراهن ، عندما تناول العلاقات المتشابكة والمعقدة بين النظرية والتنظيم والممارسة ، وقد أثبت تاريخ المقاومة في العقود اللاحقة لاستشهاد غسان عدم قدرة فصائلها على حسم هذه القضايا ، وتبني الحلول الصحيحة لها ؛ والتي كانت سبباً أساسياً للأخطاء التي ارتكبتها هذه الفصائل في كل معاركها اللاحقة التي خاضتها.
وختم الخواجا حديثه بأن إرث غسان وكلماته ، وصوته ، وإيماءاته الحادة ، أوصلت لنا جميعاً رسائله ووصاياه القاطعة ، لنستكمل ما لم يكتمل من مخطوطات بدأها ، ولنحقق ما لم يتحقق من أهدافنا الوطنية والقومية والطبقية. وأن دورنا أن نتحول إلى جسر عبور لخلوده ، رمزاً ومنارة وانتاجاً ، إنها رسالة غسان ؛ رسالة المقاومة والثورة المستمرة.