أبو علي مصطفى سيف الشعب المسلول
جرت العادة أن يتم الاحتفال بذكرى الشهداء القادة بزيارة قبورهم ووضع الأكاليل عليها وعقد الندوات وإقامة المهرجانات وطباعة الملصقات وإلقاء الخطابات التي تكيل لهم المديح وتمجد ذكراهم وفي النهاية إعطائهم الوعد أنهم خالدون في وجداننا وضمائرنا وأننا عقدنا العزم على الثأر لهم.
في هذه الأيام تحل ذكرى استشهاد النموذج المفتقد الزعيم أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية الذي تم اغتياله بمروحيات صهيونية من نوع أباتشي وصواريخ معدة لاستهدافه في مقر عمله على أرض فلسطين.
يُجمع من يعرف أبو علي مصطفى أنه لا يحب التسحيج والمديح والإطراء لأنه كان قائدًا من طراز ونموذج جديد فهو الفلاح الفقير والمقاتل الصنديد الشجاع الذي يتقدم الصفوف قبل أن يطلب من أحد فعل ذلك.
في هذه العجالة تحضرني بعض الذكريات من المفيد الإضاءة عليها فقد كان الشهيد أبو علي يتابع الصغيرة قبل الكبيرة ويهتم بالرأي الأخر ويحترمه ويحاجج بالبرهان والدليل دون التعامل بردة الفعل أو الحقد والثأرية لمن يخالفه الرأي.
كتب سكرتير تحرير الهدف في زاوية له “بعنوان همسة” عتاب أن الأعشاب قد تطاولت على قبور الشهداء في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك وأن بعض القبور بحاجة إلى الصيانة والترميم فكان تجاوب أبو علي أسرع من البرق فأصدر تعليمات لكل العاملين في مكاتب الجبهة أن يلتقوا صباح الجمعة في مقبرة الشهداء، فكان أول من وصل وأول من عمل وتصبب عرقًا، يتنقل بين الرفاق يحثهم على العمل بكل جد وبذل قصارى الجهد لتكون مقبرة الشهداء تليق بأسمائهم وقاماتهم.
وفي لقاء له مع كادر الجبهة وبعض المثقفين والكتّاب بعد عودته الأولى من الضفة الجريحة قال: هناك قاعدة واسعة من الجيل الشاب الجديد يحمل أفكار ثورية وقوة إرادة وتصميم على تحرير الوطن، مما جعلني أشعر بالتفاؤل بأن هزيمة العدو ودحره عن أرضنا باتت في حكم اليقين وأنها قاب قوسين أو أدنى، وأن ما تشاهده العين وتسمعه الأذن يختلف تماماً عما تقرأه في الورق، نطمئنكم أن شعبنا على أرض الوطن مفعم بالأمل متسلح بالإرادةالقوية والعزيمة الصلبة وأن فلسطين من نهرها لبحرها هي أرض الآباء والأجداد تستحق التضحية وبذل الغالي والنفيس لتحريرها، فنهض من بين الحضور أحد المثقفين وخاطب أبو علي بالقول لقد أصبحت براغماتياً، وحاول أن ينسل من بين الحضور ويترك القاعة لكن عين أبو علي كانت له بالمرصاد فانتهره وقال له من يدق الباب عليه أن يسمع الجواب اجلس واسمع الرد لأن من لديه رأي عليه أن يحترم الرأي الآخر.
هناك سؤال يطرح نفسه ثقيلًا لماذا اغتيل أبو علي؟ فيأتي الجواب بغاية السهولة والبساطة لمن يريد أن يدقق في الحدث الجلل وفي مسيرة وسلوك هذا المناضل:
- لأنه أقرن القول بالعمل عندما وقف عند أول حاجز صهيوني يفصل الضفة الشرقية عن شقيقتها الغربية فأجاب عن سؤال للصحافة “عدنا لنقاتل وليس لنساوم”.
- زار كل أو معظم قرى الضفة وغزة وكان يحث الجماهير على المقاومة والتصدي للعدو ورص الصفوف وتوحيد الجهود.
- تفعيل الحوار الوطني ودعوة قوى اليسار للقيام بمراجعة جدية حتى يتم المطالبة بالمراجعة على المستوى الوطني بكل شفافية ونزاهة فكرية وأخلاقية.
- العمل الجدي لبناء جسور الثقة بين الجماهير وفصائل العمل الوطني وتوسيع القاعدة الجماهيرية للمقاومة لتكون حاضنة وحامية وناصرة لها.
- الإسراع بوحدة اليسار الفلسطيني لأنها عامل هام وأساسي لبناء الوحدة الوطنية وإعادة الاعتبار لـ م.ت.ف الممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني.
- بناء علاقات ندّية وبروح رفاقية مع كل قوى التحرر والتقدم العربية والصديقة.
- استنهاض العمل الوطني بكل أشكاله وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني.
في ظل المشهد العربي السائد بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص الذي يسوده الظلام وتوجهه قوى الاستكبار والظلامية، فالمشهد أشبه بلوحة لا تسر ألوانها ولا الريشة التي عبثت بها صديق ولا تغيظ عدو، وأصبح الوضع في حالة استعصاء وعجز جراء المؤامرة التي تنفذها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وأدواتهم الرجعية في المنطقة.
أجزم أن صوت أبو علي سُمع من مرقده وهو يصدح نحن الشهداء عقدنا العزم على توحيد إرادتنا ورص صفوفنا وقد كُلفت أن أُبلغكم تحيات الرئيس عرفات وجورج حبش وأبو جهاد الوزير وأبو إياد وأبو الهول وغسان ووديع وجيفارا والشقاقي والرنتيسي والشيخ ياسين، وأُذكركم هل تجاوزتم العقبات وحطمتم الحواجز التي بناها لكم أعداء الأمة والوطن وندعوكم للإسراع بالمراجعة بكل جرأة، وليبدأ كل مكونٍ من نفسه واعلموا أن الوطن فوق الجميع وراية فلسطين فوق كل الرايات والسلاح لا يوجه إلا لصدور العدو، أُطمئنكم لا تخشوا التطبيع ولا المطبعين فهذه مرحلة عابرة في زمان عابر لأدوات عابر فصراعنا مع العدو هو اشتباك تاريخي مفتوح لن يستطع كائن من كان إسدال الستار عليه وإغلاقه، المستقبل للجماهير الكادحة أودعناكم شعبنا وأمتنا على أمل أن تكونوا بمستوى حمل الأمانة وتأدية الرسالة، مؤكدين لكم أننا موحدون في دار الخلود وسوف ينقلب السحر على الساحر ويرتد الخنجر لنحر صاحبه.
صدق من قال الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.
والمجد والخلود لفارس الشهداء أبو علي مصطفى.