الإطلالة الإعلامية لـ ” الرجوب والعاروري ” .. ما لم يقله اللقاء
شهدت الساحة الفلسطينية خلال الأسابيع القليلة الماضية حدثًا إعلاميا، تمثل بإطلالة كل من صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس اسماعيل هنية، وجبريل الرجوب عضو مركزية فتح.
يبدو من طبيعة الإطلالة الإعلامية، في الشكل والمضمون، أن المعنيين أرادوها مختلفة عن ما سبق من تجارب طويلة، هدفت جميعها لإنهاء الانقسام، وكانت النتيجة مزيدًا من تفاقم الخلاف وتوليد الكثير من مشاعر اليأس التي أرخت بظلالها على عموم الساحة الفلسطينية، تدميرًا وتفتيتًا وتشرذمًا وخسائر مادية ومعنوية على كل الجبهات والساحات.
إن تقييم هذا اللقاء الإعلامي لا يتم من خلال ما تحدث به الطرفان مباشرة للجمهور، وقد أكثرا من خطاب العواطف ومحاولات نشر التفاؤل وتأكيد الوحدة في مواجهة التحديات، وبالأخص صفقة القرن ما ظهر منها وما بطن، بل إن التقييم الحقيقي يكون من خلال ما لم يقله الطرفان، وقد أفصح عنه السياق العام للمقابلة، ما سبقها وما أعقبها، وما أخفته الكلمات التي قيلت، أفصح عنه المغزى فيما لم يقل.
يبدو واضحًا أن سقف التوقعات قد هبط، وهدف إنهاء الانقسام لم يعد مطروحًا، كلا الطرفان غير مستعدين للتخلي عن ما يعتبر أنه مكاسب وهي من زاوية كل طرف أهم من الوحدة الوطنية، لذلك لا تستحق هذه الوحدة أن يتنازل كل طرف عن وضعه الحالي في ظل الانقسام، وبالتالي السعي لإنهائه وتحقيقها.
إذًا يكشف السياق الذي تم فيه هذا اللقاء الإعلامي موقع الوحدة الوطنية وأهميتها لدى الطرفين، وبالتالي عدم اعتبارها من مرتكزات نجاح مواجهة التحديات الوطنية لاسيما صفقة القرن.
إن أخطر المدلولات التي كشفت عنها الإطلالة الإعلامية (العاروري الرجوب)، هو أنه لا يأتي في سياق خارطة طريق لإنهاء الانقسام، بل من خلفية القناعة بضرورة بقاء الانقسام الذي يحقق للطرفين مكاسب لا تحققها الوحدة، وحتى يتم المحافظة على هذا الانقسام ومكاسبه! لا بد من الالتفاف على المطالبات الفصائلية والشعبية بضرورة إنهائه، بالتالي تنظيم الانقسام بحيث يكون غير منفر ولا يستفز الرأي العام، وهو نوع من الخداع المتفق عليه من قبل الطرفين.
تنظيم الانقسام هو أخطر من الانقسام ذاته، لأنه يأتي بعد سلسلة من الحوارات والمحاولات الفاشلة من أطراف عديدة داخلية وخارجية لإنهائه، وقد نتج عن هذا الفشل المتكرر حالة نفسية أسماها البعض تهكمًا “متلازمة الفشل”، التي تجعلنا راضين عن أي خطوة أو اتفاق يقلل من حدة الانقسام ظاهريًا دون أن تمنع أضراره، الذي يتحول شيئًا فشيئًا إلى واقع مقبول ومستساغ شعبيًا.
فهل يمكن مواجهة التحديات الكبيرة بحجم صفقة القرن بالخداع؟
إن ما يجري هو سقوط مدوٍّ أخلاقي ووطني، واستخفاف واستهتار من طرفي الانقسام ومن خلفهما كل قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية، فبدل توفير مقومات المواجهة الجدية للتحديات الكبيرة والمصيرية في ظروف عربية وإقليمية ودولية معقدة وصعبة، لأن عدم انجاز الوحدة هو مساهمة في تمرير صفقة القرن بكل ما تعنيه من تصفية للقضية الوطنية الفلسطينية.