أخبار عربية
ليبيا والأمل..إلى أين وفرص الحل ( 3)
تسارعت الأحداث في ليبيا وبشكل دراماتيكي فتساقطت المدن الستة غرب وجنوب غرب طرابلس (صبراته وصرمان والاصابعه والعجيلات ورقدالين وترهونه) بيد قوات حكومة الوفاق، وخلالها سقطت قاعدة الوطيه،وتم تقهقر كامل لقوات المشير حفتر حوالي 500 كيلومترإلى أن وصلت الحدود الإدارية لمدينة سرت، وتغيرت المعادلة فأصبحت قوات الوفاق المهاجمة والأخرى مدافعة عن مدينة سرت والجفره، وظهرت للعيان خيوط اللعبة ومن يقف خلفها ويديرها وظهرت الأطراف الإقليمية على السطح بتدخلها العلني والمجاهر وتكرست الحقائق الآتية:
- أن الأطراف الداعمة للمشير حفتر، مصر والسعوديه والإمارات والأردن قد صعدت بالإندفاع العلني واستخدام المتاح من القوة بما في ذلك الطلعات الجوية المباشرة من الإمارات وفرنسا مما ادى الى السيطرة الكامله على الاجواء، وبالمدفعية المتطورة والصواريخ الموجهة كل ذلك لحسم دخول طرابلس الذي بات وشيكا على أطراف المدينة وداخل ضواحيها، وتوج ذلك بالسيطرة على الساحل الغربي إلى الحدود التونسية براس اجدير التي تبعد 5كيلومتر عن المركز الحدودي الليبي مع تونس، وإعلان سقوط سرت بيد أنصار حفتر.
- الظهور العلني والمباشر للدعم والتدخل التركي، الذي استبقه أردوغان بغطاء اتفاق تحالف مع حكومة الوفاق ثم طلب منها التدخل مما جعل ذلك صورة عكسيه لما يجري في سوريا فهناك روسيا تدخلها بناء على طلب الشرعية المتمثلة في الحكومة السورية، وبذلك أصبح هناك التدخل التركي عار ومرفوض ومدان، ولكنه في ليبيا وحسب ما أراده أردوغان الغطاء الشرعي كون حكومة الوفاق معترف بها دوليا، فأعلن إرسال مقاتلين سوريين من إدلب إلى طرابلس ليهدد تونس التي تعلم أنه بإدلب أكثر من ألفي مقاتل تونسي، وأن أردوغان لو أحضرهم إلى طرابلس فمن السهل دخولهم وتواصلهم مع إرهابيي الشعانبه والقصرين بتونس، كل ذلك ليضغط على الحكومة التونسية لاستخدام أجوائها وأراضيها في معركة السيطرة على قاعدة الوطيه، واسترجاع صبراته والمحيط بالحدود الليبية التونسية، وقد كان ،ودعم أردوغان حكومة الوفاق بمئات الطائرات المسيرة وبمدافع حديثة وبأجهزة تشويش على كافة الاتصالات لدى قوات حفتر بدعم من سفن حربية تواجدت بمحاذاة شواطىء طرابلس.
3.وجود خبراء ومحترفي القوات الخاصة من الروس التابعين للشركة الأمنية (الفاغنر) كان له دورا كبيرا في تقدم قوات حفتر بضواحي طرابلس، إلا أنه بعد الدعم التركي العلني والقصف الدقيق والمركز، مما أدى إلى خسائر كبيرة بين صفوف قوات حفتر، تم انسحاب مقاتلي شركة (الفاغنر) على عجل وبشكل دراماتيكي، ومن ثم غادروا بشكل مفاجئ من مطار بني وليد إلى بلادهم إثر اتفاق تركي روسي يضمن سلامتهم عند انسحابهم ويضمن حياتهم للعودة.
وبمناسبة التنسيق الروسي التركي، أذكّر بما سبق وذكرته في مقال سابق وهو عندما اعلنا بوتن واردوغان وقف اطلاق النار في ليبيا ودعوا الأطراف المتقاتلة على هامش مؤتمر برلين، قلت حينها أن هناك اتفاقا روسيا تركيا بأن لاتعارض روسيا ولاتقف في وجه اتفاق تركيا وحكومة السراج بالتدخل المباشر وبما سيغير مجرى المعارك في مقابل عدم اعتراض تركيا على تقدم القوات السورية وضرب الإرهابيين في إدلب وتحرير خان شيخون وفتح الطريق الدولي حمص حلب وتجاوز القوات السوريه لنقاط المراقبه التركيه، وقد كان.
4.الولايات المتحدة الامريكية لازات تمارس الإشراف على مايحدث دون أي تدخل حاسم لأنها تريد الوضع على ماهو عليه لابتزاز مصر والجزائر وتونس وأقلها الحشود العسكريه لمصر والجزائر على الحدود الليبية حماية لأراضيهما، فمصر منذ عام 2011 إلى الآن لها أربعون الف جندي على الحدود والجزائر تضع ثلاثة وعشرين ألف جندي أيضا على الحدود مع ليبيا.
ولذلك تجد امريكا الآن ترحب باعلانات أردوغان بعد تقهقر قوات حفتر، وأيضا ترحب بخطاب السيسي وخطه الاحمر.
5.بعد تراجع قوات حفتر إلى سرت لاحظنا تقهقرا سياسيا وإعلاميا للإمارات والسعودية ووقفوا خلف مصر بعد أن كانوا في الواجهة، إيذانا بانحصار أهدافهم وإدراكا منهم أن المعني الأول الآن هي مصر فقد بدأ التواجد التركي وقوات السراج ومن بينهم الإخوان المسلمين على أعتاب المساس بالأمن القومي المصري، فبرز بوضوح دور مصر في معالجة الموقف والخروج من الورطة بأقل الخسائر وتولت مصر المواجهة.
وإن كان من المحاذير التي يجب أن ننتبه لها أن هناك إرادة صهيوأمريكية ومعهم دول الخليج ومنذ الربيع العربي لا هم لهم إلا تدمير الجيوش العربية بالعراق وسوريا وليبيا، وعينهم على الجيش الجزائري والمصري والأخير حاولوا أن يستدرجوه إلى مستنقع سوريا والعراق فرفض فحوصر اقتصاديا وتضرب أطراف الجيش المصري ويستنزف في سيناء، والمحذور الذي نخشاه أن يبدأ الآن استدراجه وتوريطه بدخوله مستنقع ليبيا، ولعل اختفاء الإمارات والسعودية حاليا خلف مصر بعد هزيمة طرابلس يؤشر إلى الدفع لتوريط مصر بإدخال جيشها إلى الأراضي الليبية.
6.مصر تولت التخريجة المحسنة للهزيمة الكبرى التي لحقت بقوات حفتر واستدعت على عجل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والسيد حفتر وظهر جليا عند خروجهما صحبة السيسي بالاعلان الصحفي عن المبادرة المصريه للمصالحة الليبية النقاط الآتية:
1.من حيث الشكل كان عقيلة صالح على يمين الرئيس السيسي ولاول مرة يكون حفتر على يساره في تأكيد بأن المرحلة المقبلة سيدير الأمور التفاوضية فيها السيد عقيله صالح، وانعكاسا لصورة الغضب المصري من السيد حفتر ونتائج المعارك والإنهيار السريع.
2.نقاط المبادرة هي نفس نقاط الإتفاق التي تم التوصل له قبل أكثر من عام بين الطرفين، وقبل هجوم حفترعلى طرابلس
3.تجاوزت المبادرة الإتفاق السياسي في الصخيرات..بل وطرحت آلية جديدة للتنفيذ تعزز فيدرالية يرفضها الشعب الليبي واستعادت المبادرة ذكر الولايات الثلاثة التى وحدها الشعب الليبي تحت اسم المملكه الليبية المتحدة.
3.صياغة المبادرة كتبت بلغة المنتصر الذي يفرض مايريد، والوضع على الأرض عكس ذلك تماما. وكأني بمن صاغ المبادرة لا يريد إلا تجميل صورة هزيمة ولا يريد منها إلا الخطاب الداخلي لحلفاء هذ الخط حفتر والسيسي وبن زايد وبن سلمان.
4.أيد هذه المبادرة كل المتورطين في دعم الهجوم على طرابلس وحلفائهم.
وقد رفض الطرف الآخر الليبي ومعه التركي وقطر المبادرة واعتبروها صادرة عن طرف وليس عن وسيط، ووضعوا شروطا وهي:
1.خروج حفتر من المشهد باعتباره قام بنقض ماتم التوصل له وأراد فرض سيطرته بالقوة وأنه يمثل دكتاتورية من جديد وأنه قام بجرائم حرب.
2.لا قبول بأي مبادرة تتجاوز الإتفاق السياسي الذي تم بين الاطراف ويجب ان يبنى عليه ولامانع من قبول الإتفاق على تعديلات له.
3.انسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة والعودة إلى أماكن تواجد قواته إلى ماقبل شهر ابريل (نيسان) عام 2019 .
وقام السراج بزيارة الجزائر لتعزيز أنها الدولة الأصلح لتبني مبادرة المصالحة الليبية الليبية.
وأعلنت تركيا ومعها السراج والقوات الموالية أنها ستسيطر على سرت والجفره بالقوة…مما استفز مصر وأعلنت بخطاب السيسي أنها تعتبر سرت والجفرة خطا أحمرا لا تقبل تجاوزه، إنه خط لحدود بداية المساس بالأمن القومي المصري، ولخطاب السيسي معان ومؤشرات سلبية وخطيرة أذكر منها: - أنه رسم خط لأمن مصر القومي وفيه تدخل بالأراضي الليبية ومصادرة لإرادتها، وكان عليه أن يكرس خطابه للأمن القومي العربي، وأنه خط أحمر لأنه بالأمن القومي العربي ومصر لها ريادته تتوحد إرادة شعوب المنطقة العربيه لمواجهة أي أخطار، ومنها التركي، ولو فعل ذلك للزمه أن تكون ليبيا كلها موحدة خط أحمر لا يقبل المساس به من أي عدو خارجي، التركي وغير التركي، ولن يستطيع السيسي ان يفعل ذلك، لأن هذا الخطاب مؤسس على استراتيجية عروبية لديه لم تتحقق عنده إلى الآن ولو امتلكها لما تحالف مع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان في ليبيا.ولهذا أخطأ من أشاد من مناضلي هذه الأمة بخطاب السيسي لمواجهة العدوان التركي بتدخله مع حكومة السراج. والوضع حاليا متجه لتصعيد تركي خلف حكومة السراج لشن هجوم على قوات حفتر لدخول سرت والجفرة لتضغط مصر على حفتر لفتح آبار النفط المغلقه من قبله منذ أشهر، وتكون من هنا بداية إمكانية التفاوض لتنفيذ الإتفاق السياسي.
ولايوجد حل آخر في مقتبل الأيام، دون أن يتم فتح آبار النفط وإعادة تصديره، والعودة للإتفاق السياسي مع امكانية تعديله، كبداية للتوجه إلى الحل النهائي، وفي ذلك قطف لثمار انتصار طرف وهزيمة طرف ولم يحقق الطرف المهزوم أي شيء منذ هجومه على طرابلس طيلة 14 شهرا إلا العودة إلى نقطة الصفر سياسيا وعسكريا، وفقده لأوراق هامة كانت بيده، وإلا فالوضع نحو مواجهة عسكريه سيتم فيها سيطرة حكومة الوفاق ومن معها على سرت والجفره والتوجه لحقول النفط وإلى حدود راس لانوف، وفي ذلك أيضا تصعيد عسكري خطير، سيكون فيها تدخل جوي مصري وإماراتي محدود. أما فرنسا فلا تملك حاليا إلا دعم الموقف المصري والتصعيد الخطابي ليكون لها دور في ليبيا يتجاوز جنوبها إلى شمالها حيث الصراع الإيطالي الفرنسي عليها.
أما الوضع الشعبي في ليبيا فهناك توجه من قبل المنطقة الغربية بضغط شعبي لحل المليشيات ودمج الراغبين منهم بالجيش، وبالمنطقة الشرقيه تململ كبير ضد حفتر إثر الهزيمة وطول مدة الفوضى والحرب، وهناك توجه قوي بإتجاه التوصل لحل ومصالحة ليبية ليبية وقد أصبحت الأرضية ممهدة الآن بقوة لنجاح المبادرة الحيادية المتوازنة للمصالحة يقبل الجميع بنودها والتأسيس عليها، والمرشح حاليا لاحتضان أطرافها الجزائر، وأرى أن مبادرة المؤتمر القومي العربي للمصالحة الليبية الليبية قد حان وقتها الآن وهي التي خطت خطواتها الأولى قبل الهجوم الأخير على طرابلس وقبل ببنودها الأساسيه الطرفان، وتعطل المسير بها لاندلاع المواجهة الأخيرة وهناك رسائل شفوية ومؤشرات تشجع على تفعيلها. لتبدأ محطاتها الأولى من داخل ليبيا وبالتنسيق مع حكومة الجزائر.