خليل تفكجي: “الضمّ” سيناريو كل المشاريع الصهيونية بتوقيع أمريكي
يستعد العدو الصهيوني لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الأغوار، وفرض سيطرته عليها، وتعتبر تلك الأراضي، كما يصفها الكثير «السلة الغذائية» للضفة الغربية المحتلة، إذ تحتوي على أكثر من 50% من الأراضي الزراعية للضفة المحتلة، فهي منطقة خصبة وغنية بالأراضي الزراعية، كما أنها تحتوي على البحر الميت الغني بالأملاح والمعادن، وهي «خزان الضفة المائي» إذ تطل على نهر الأردن. (انظر الشكل 1)
مما سبق، يبدو جليًا أن ما يحدث، أو سيحدث، ليس «مشروع ضم» كما اصطُلح عليه، إذ نرى أن تلك المفردة تُبسّط المشروع الاستعماري، في إطار الحرب المفاهيمية التي نخوضها مع المستعمر الصهيوني، وقد تضفي شيئًا من الشرعية على ما نُهب وصودر بالفعل من الأراضي الفلسطينية، وإن لم يكن هذا بالطبع ما يرمي إليه كل من يتحدث عن «قرار الضم» ويرفضه، لكنا هنا في هذا التقرير سنستعمل المفردة ذاتها بغية تسهيل فهم وإيصال الفكرة، لذلك اقتضى التنويه.
في حديث له لـ»نداء الوطن»، يقول الخبير في الإستيطان، ومدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة، الأستاذ خليل تفكجي، أن العدو الصهيوني يواجه مشكلة كبيرة من أجل تمرير «مشروع قرار الضم»، خاصة وأنه لا يوجد إجماع اسرائيلي على ذلك، حتى أن أحد الاستطلاعات الاسرائيلية يقول إن «عملية الضم ستشكل مشكلة سياسية ومشكلة ديمغرافية لاسرائيل»، أما ما يحصل على إجماع لدى الجانب الاسرائيلي فهو ما يعرف بـ»قضية القدس الكبرى»، أي؛ الكتل الاستيطانية الضخمة الموجودة في داخل الضفة الغربية، والتي تعادل 10% من مساحتها، وتشمل كتلة «غوش عتصيون» و»معاليه أدوميم» و»جفعات زئيف»؛ هذه الكتل الاستيطانية التي أجمع الاسرائيليون على ضمّها، وعلى الرغم من أن هذه المنطقة، ومن الناحية العملية، «مضمومة» فعليًا، لكنها تحتاج إلى قرار سياسي، ويُذكر أنه يوجد فيها حوالي 150 ألف مستعمر صهيوني.
هذا القرار السياسي الاسرائيلي، بحسب تفكجي، يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو أولًا يقلب الميزان الديمغرافي لصالح اسرائيل، وثانيًا من الناحية الجغرافية؛ توسيع مدينة القدس بالمفهوم الاسرائيلي، وضم هذه الكتل الاستيطانية.
أما الموقف الأمريكي، فمن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تبنّت الرؤية الاسرائيلية، بما فيها المشاريع التي بدأت عام 1967، وفي مقدمتها مشروع «إيغال آلون»، ثم مشروع رئيس الوكالة الصهيونية «متتياهو دروبلس – خطة المليون»، الذي تحدث عن مليون مستعمر صهيوني، في عام 1979، ومشروع «شارون» لإنهاء الخط الأخضر وإقامة المستعمرات فوقه (أي؛ فوق الخط الأخضر)، بالإضافة إلى مشروع «ليبرمان» وهو التبادل السكاني، وبالتالي جاءت هذه الموافقة الأمريكية على «مسألة الضم» بأنها سيناريو كل المشاريع الاسرائيلية لكن بتوقيع أمريكي – ويضيف تفكجي: «باعتقادي أن المشكلة التي يواجهها الأمريكي والاسرائيلي على حد سواء، هي مشكلة الإجماع على قرار الضم، بيد أن عملية الضم موجودة فعليًا على أرض الواقع، إذ يقع 60% من مساحة الضفة الغربية تحت السيطرة الاسرائيلية».
أما عن الواقع الديمغرافي الجديد، في حال تطبيق قرار الضم، يوضح تفكجي أنه سيكون هنالك جيوب سكانية فلسطينية تحت السيطرة المدنية والأمنية الاسرائيلية؛ سكان فلسطينيين يعيشون في «الدولة العبرية» يستطيعوا أن يفعلوا ما يشاؤون، وأن يتحركوا كما يشاؤون وينتخبون المجلس التشريعي الفلسطيني، لكن ضمن شروط أنهم فلسطينيون وليسوا «اسرائيليين»، لأن الجانب الاسرائيلي لا يرغب بأي شكل من الأشكال بضم «سكان فلسطينيين»، ولديه تجربة في ذلك في مدينة القدس، إذ مُنح الفلسطينيون المقدسيون الإقامة الاسرائيلية الدائمة عندما تم ضمها، وترتّب على ذلك عدة أمور، مثل: التأمين الصحي والتأمين الاجتماعي، وهذا ما لا يريده الاسرائيليون، ويضاف إلى ذلك الخوف الكبير من الديمغرافيا الفلسطينية.
وبالحديث عن الانتفاضة الفلسطينية، لا يرى أن هنالك احتمالية لاندلاع انتفاضة نظرًا لأن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية منهار بشكل كبير، فضلًا عن ارتباط جزء كبير من الفلسطينيين بالسلطة الفلسطينية، فقد كانت هنالك محاولات أكثر من مرة لإشعال فتيل الانتفاضة وأجهضتها السلطة، بسبب التنسيق الأمني الذي لا يزال مستمرًا، هذا عدا عن أن هنالك جزء من الجانب الفلسطيني مستفيد من الوضع الحالي. وعلاوة على كل ما ذكر، فمن الضروري أن تمتلك الانتفاضة برنامجًا، وهو غير موجود حاليًا، وفي نفس الوقت فإن الانتفاضة تحتاج إلى قيادة، والجهة التي تسمي نفسها القيادة اليوم مرتبطة بالجانب الاسرائيلي بكل تفاصيلها، ولذلك حتى لو اقتربت الأمور من ساعة الصفر ستعمل حركة فتح على إجهاض الأمر.
على الصعيد الأردني، فإن الأمر خطير جدًا؛ من وجهة نظر اسرائيلية، إذ لا يرغب الاسرائيليون أن يكون هنالك أي تواصل جغرافي مع الأردن، خوفًا من أن تُسبب منطقة الضم في الأغوار مشكلة لدى سلطات الاحتلال، فقد يتم تهريب بعض الأشخاص أو بعض الأسلحة، وبالتالي سينعكس ذلك على الجانب الاسرائيلي بقضية مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فالكيان الصهيوني لديه تجربة مشابهة، وهي تجربة قطاع غزة، عندما كان هنالك تواصل ما بين رفح المصرية وبين رفح الفلسطينية وُجدت الأنفاق، وهذه الحالة مشابهة لمسألة ضم الأغوار تحديدًا.
أما انعكاسات الوضع على الجانب الأردني، فيقول تفكجي: بحسب تصريحات اسرائيلية، فإن الأردن تقول ما لا تفعل. لكن في الحقيقة سيتضرر الأردن بشكل كبير في حال تطبيق الضم، فمثلًا ستكون الحدود الأردنية الاسرائيلية، على الرغم من عملية السلام، ستكون حدود طويلة جدًا، ما سينعكس على مسألة التهريب فيما بعد، وهو أمر خطير بالنسبة للجانب الأردني.