د.سعيد ذياب للهدف : انجاز المهمات الوطنيّة بعيدًا عن مواجهة “إسرائيل” وهمٌ وسرابْ
أكَّد الأمين العام لحزب الوحدة الشعبيّة الديمقراطي الأردني، د.سعيد ذياب، أنَّ “صفقة القرن الأمريكيّة التي جرى الإعلان عنها في 28 يناير الماضي تختلف اختلافًا كاملاً عمَّا طُرح في السابق من مبادرات، إذ يمكّن اعتبار مجمل الظروف التي عاشتها الأمّة العربيّة بمثابةِ مقدماتٍ هيّأت الأجواء لإطلاق هذه الصفقة”.
واعتقد ذياب خلال حوارٍ خاص أجرته “بوابة الهدف”، أنَّ “هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، والأزمة التي عاشتها حركة التحرُّر العربي ولا تزال، وعجزها عن مواجهة الهزيمة واستمرار كل مفاعيل الأزمة هي التي أسَّست لهذه الصفقة”، مُفصلاً ذياب المُقيم في عمَّان ما جرى آنذاك: “بعد الهزيمة تغيَّرت نظرة بعض العرب إلى الصراع، بالنظر إليه من صراع وجودي وتناحري مع الكيان الصهيونى إلى البحث عن تسويةٍ سياسيةٍ مع المحتل، وبدأت تظهر أنظمة عريبة تفكّر بالتحلّل من أعباء الفكر القومي وما سبَّبه لها من متاعب”.
وتابع ذياب “بعدها سقط القناع عن أنظمةٍ أخرى كانت تحاول أن تغطي وجهها بالتزامها بالقضية المركزية، وراحت تُعلن صراحةً عن ضرورة التعايش مع الكيان الصهيوني، لذلك تنامى الفكر القُطري وتنامت الاتجاهات القُطرية وساد وهم إمكانية التسوية مع (إسرائيل)، وإمكانية انسحابها من الضفةِ الغربيّة، وانطلقت أطروحات باسم الواقعيّة والانفتاحِ على إسرائيل والتحاور معها”.
بيئةٌ خصبة
ذياب شدّد خلال حديثه على أن “كل هذه المشاريع عُزّزت بالمشاريعِ الإمبرياليةِ التي انهالت على المنطقة، من مشروع روجرز، مرورًا بمبادرة ريجان، ومبادرة الأمير فهد، وانتهاءً باتفاقية كامب ديفيد مع مصر، وأوسلو مع السلطة الفلسطينية، ووادي عربة مع الأردن”، مُؤكدًا أن “كل هذه المشاريع والاستعداد للتعاملِ معها وفَّرت المناخ الملائم والبيئة الخصبة لإطلاق صفقة القرن، بحيث بدت الصفقة استحقاقًا طبيعيًا لأزمة حركة التحرَّر وللفكر الليبرالي الذي تسلّل في أوساطها خالقًا حالة من التكيُّف لتقبّل مشاريع ومبادرات تنتقص من الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطيني”.
لماذا تجرّأ ترامب؟
اعتبر د.ذياب في هذا السياق، أن “ما تعيشه الأمّة العربيّة من صراعاتٍ داخلية واختراقات، وأيضًا تفكُّك النظام الرسمي العربي وفقدان البوصلة لطبيعة الصراع وافتعال صراعٍ وهمي مع إيران، كل ذلك شجَّع الجشِع ترامب على طرح هذه الصفقة التي تعكس نظرته الاستعلائيّة تجاه العرب”، مُردفًا أن “الانقسام الداخلي في الساحة الفلسطينيّة أيضًا غير بعيدٍ عن ذلك، فحَرِص ترامب على تحقيق الرؤية اليمينية الإسرائيليّة، ومن ثم الاستجابة للكنيسة الإنجيليّة ورؤيتها التوراتيّة للصراع الفلسطيني الصهيوني، بما يُحقّق ضمان تأييد أعضاء ومنتسبي هذه الكنيسة له في الانتخابات الرئاسيّة القادمة”.
وأضاف ذياب إن “هذه الصفقة انسجمت مع ما طرحه ترامب في حملته الانتخابيّة، ومع ما يظهره من توافقٍ في الرؤيّة بينه وبين اليمين الصهيوني بشقيه الديني والقومي”، مُشيرًا إلى أن “حالة الخنوع الرسمي التي تعيشها الأنظمة العربيّة شجّعت ترامب بشكلٍ كبير للقفز عمَّا كان يعتبره العرب سابقًا (الخطوط الحمراء) بشأن القضيّة الفلسطينية”.
الرجعيون العربْ
اجتمع العرب في أكثر من مرّة عقب الاعلان عمَّا سُمي إعلاميًا “صفقة القرن”، وتمخّض عن هذه الاجتماعات العديد من المواقف والبيانات الإعلاميّة، ما دفع كثيرين للثناء على هذه المواقف الرسميّة وأولهم السلطة الفلسطينيّة، يُكمل د.ذياب عن هذا الأمر “يمتاز الموقف العربي تجاه صفقة القرن بالتواطؤ مع ترامب في التسويق وصولاً إلى التطبيق، والتصريحات الرسمية قبل إعلان الصفقة اتسمت بالإيجابية وتفاءل المتابع العربي بأنه من الممكّن البناء على هذه المواقف والتأسيس لحلٍ شامل، بعد طرحها سارعوا إلى دعوة الفلسطينيين للعودة للمفاوضات مع الاسرائيليين، ولعل حضور ثلاثة سفراء عرب للمؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو هو الدليلُ الأكبر على عدم جديّة موقف وزراء الخارجية العرب، ولا حتى موقف المؤتمر الإسلامي”.
وخلال حديثه اعتقد الأمين العام لحزب الوحدّة الشعبيّة أن “الموقف الرافض لهذه المؤتمرات هو موقفٌ شكلي، وجاء من أجل تجنّب الموقف الشعبي الغاضب، وعدم إعطاء فرصة لموقف إيران ومحوّر المقاومة من الحصول على الرضى الشعبي، لأن رهان هذه الدول هو على ترويض الرفض الشعبي تجاه المؤامرات والمُخطّطات التصفويّة”.
“يدٌ تشجُّ وأخرى منك تأسوني”
ورأى د.ذياب خلال حديثه مع “الهدف”، أنّ “من يرفض صفقة القرن مطلوب منه –كي يكتسب حد أدنى من المصداقيّة- وقف التطبيع بكافةِ أشكالِه مع العدو الإسرائيلي، وإعادة النظر بكل الاتفاقيات والمعاهدات الموقّعة معه، وإلّا فالحال لا يستقيم بين جهةٍ غارقةٍ في التطبيع وتدّعى في ذات الوقت رفضها لصفقة ترامب، وتمارٍس التنسيق الأمني مع الاحتلال وتقول أنها ضد الصفقة”، مُوضحًا أنّ “كل هذه المواقف ليست إلّا لذر الرماد في العيون، وانتظار اللحظة المناسبة لكشف الأقنعة، وظهور المواقف والوجوه البشعة على حقيقتها”.
وحول تسارعُ التطبيع العربي الرسمي ورفع “علم السلام” مع كيانٍ لم يرفع سوى أعلام الدم والإجرام، يؤكّد ذياب أن “التطبيع مع الكيان الصهيوني ركنٌ أساسي من أركان الصفقة المزعومة ومنطلقاتها. فلسفة هذه الصفقة تنطلقُ من وجوبِ التطبيع قبل الوصول إلى الاتفاقِ النهائي، وحَرِص الكيان الصهيوني على هذا المبدأ وحقّق نجاحات كبيرة في هذا المجال تحت شعار (معًا لمواجهة الخطر الإيراني)، حتى أنّ اهتمامات تلك الأنظمة لا يتعدّى حدود الحفاظ على ذاتِها وعروشِها واستمرار وجودِها”.
هذه الأنظمة –بحسب ذياب- ترى أنّ “حصولها على الرضى الأمريكي لا يتم إلّا من خلال الباب الإسرائيلي، وبات موضوع التطبيع وإدماج الكيان الصهيوني في الإقليم بمثابة المهمة الأساسيّة لكل الأطراف الساعية لتطبيق صفقة القرن”، مُبيّنًا أن “معظم هذه الأنظمة بنَت علاقات سريّة مع إسرائيل قبل هذا الوقت بمدة طويلة، وما يؤكّد ذلك هو إقدام عبد الفتاح البرهان على لقاء نتنياهو وتبريره لما جرى من تطبيعٍ سافر”.
الأردُن وموقفه!
“الأردن كان له علاقات سريّة قبل توقيع اتفاقية وادي عربة، والسعوديّة و السودان أيضًا منذ خمسينيات القرن الماضي بزعم التصدي للنفوذ الناصري في السودان. أقول أنه وبالرغم من إعلان الأردن عن تمسكه بحل الدولتين والوصاية على المقدّسات الدينيّة ورفضه للتوطين، فإن القوى الوطنيّة ترى أن هذا الموقف يبقى ناقصًا وضعيفًا ما دام الأردن متمسك باتفاقية الغاز ومعاهدة وادي عربة”، يتابع د.ذياب الذي أكَّد أنه “ما دامت عجلة التطبيع مُستمرة، وما دام الحاكم يمعن في التضييق على الحريّات العامة والمُشاركة الشعبيّة في صنع القرار تظل المواقف بلا أي قيمة، لأنّ من يريد أن يواجه صفقة القرن مطلوب منه أن يعزّز الوحدة الوطنيّة ويوفّر الفرصة للقوى الشعبيّة لتكون جزءًا من عملية التصدي للصفقة”.
وبشأن الضغوط التي تتعرّض لها الأردن، الاقتصادية بشكلٍ خاص، أوضح أنّها “لن تستطيع الافلات منها إذا لم يقم الحاكم بإحداثِ استدارةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ للتحرُّر من شروط صندوق النقد، ويبقى كل الحديث عن رفض هذه الضغوط كلامًا في الهواء”.
قوى التحرّر وفرص النهوض
البيانات والمهرجانات مطلوبة وضروريّة للتعبير عن الرفض، كما بيّن د.ذياب “ولكنها بالتأكيد غير كافية، إن وعي هذه القوى لما تمثله صفقة القرن من مخاطر جديّة على الأمّة العربيّة بأكملها يجب أن ينعكس بخطواتٍ عمليّة تتمثّل بمقاومةِ التطبيع وتثقيف الجماهير وتعزيز وعيها تجاه أنّ إسرائيل وأمريكا هما أعداء الشعوب العربيّة، وأنّ من يقف معهما هو عدو للأمّة مثلهما”.
وفي ختام حديثه مع “بوابة الهدف”، شدّد أمين عام حزب الوحدّة الشعبية، د.سعيد ذياب، على أن “قوى التحرُّر العربيّة مطلوبٌ منها أن تُحدّد موقفها على أساس أنها جزءٌ من محوّر المُقاومة، وما يعني ذلك من رفع وتيرة ومستوى التنسيق مع هذا المحوَّر، فاللحظة السياسيّة بقدر ما هي صعبة وحسّاسة للغاية، هي أيضًا فرصة لنهوض قوى التحرّر العربي لشحذ الهمم ومقاومة كل ما يتربّص بنا من أخطارٍ مُحدّقة، ويجب أن يتيقّن الجميع بأنَّ انجاز المهماتِ الوطنيّة والديمقراطيّة في أي قُطرٍ عربي بعيدًا عن الانخراط في عمليّة المواجهة مع العدو الصهيوني، هو ليس إلّا وهمٌ وسرابْ”.