قرار ضم مناطق (ج) في الضفة الفلسطينية المحتلة: قضم لمزيد من الأراضي الفلسطينية وتبديد لوهم دولة فريق أوسلو
لا يزال اتفاق أوسلو سيئ الذَّكر والسمعة والأثر يجلب المزيد من الويلات لفلسطين المحتلة شعبًا وأرضًا، بصورة مباشرة وغير مباشرة على السواء، بعد ما يزيد عن ربع قرن من توقيعه. لم يعترف الاتفاق الكارثة بحق العدو المحتل على نحو 78% من مساحة فلسطين فحسب، بل أيضًا بموجبه تم تقسيم الضفة الفلسطينية المحتلة، عام 1995، في أعقاب اتفاق أوسلو الثاني، إلى ثلاثة أقسام إدارية، وهي: المناطق أ، ب، ج؛ مُقسّمة كما يلي: تكون المنطقة (أ) التي تشكل نحو 18% من مساحة الضفة الفلسطينية تحت السيطرة الأمنية الإدارية والأمنية للسلطة الفلسطينية، وتكون المنطقة (ب) التي تشكل نحو 21% من مساحة الضفة تحت السيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية والأمنية «الإسرائيلية»، وتكون المناطق (ج) التي تشكل نحو 61% من مساحة الضفة تحت السيطرة الإدارية والأمنية «الإسرائيلية».
في الربع الأخير من عام 2019، دعت كتلة «اليمين الإسرائيلي المتطرف» المسماة «إلى اليمين»، برئاسة الصهيونية أييليت شاكيد، إلى ضم مناطق (ج) إلى دولة الاحتلال من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها. لاحقًا في كانون ثاني عام 2020، أعلن وزير الحرب الصهيوني نفتالي بينيت، ضم مناطق (ج) في الضفة المحتلة للاحتلال، وذلك بعد تعهدات سابقة من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بذلك.
وعن قراره، قال بينيت:»نمنح اليوم تعزيزًا كبيرًا لأرض إسرائيل ونواصل تطوير الاستيطان اليهودي في المناطق (ج) بالأفعال وليس بالأقوال، وتوجد في منطقة الضفة الغربية مواقع طبيعية مدهشة، وسنوسع المواقع القائمة ونطور أماكن جديدة أيضًا.»
في حديث له لـ»نداء الوطن»، يرى الباحث الفلسطيني في علم الاجتماع السياسي، الأستاذ عبد العزيز الصالحي، أن هذا القرار، من الناحية العملية، لن يحدث أي جديد على واقع الفلسطينيين الذين يقطنون في المناطق المصنفة (ج)، فمن حيث الناحية الأمنية والإدارية والحياة اليومية يقبع الفلسطينيون في هذه المناطق لسلطة الاحتلال، حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية متابعة القضايا الأمنية مثلًا في هذه المناطق إلا بموافقة حكومة الاحتلال، ولا تستطيع السلطة الفلسطينية تقديم أي خدمة في هذه المناطق إلا بموافقة إدارة الاحتلال، أما بخصوص التوسع العمراني في هذه المناطق أو حفر الآبار فلا تتم إلا بموافقة إدارة الاحتلال دون تدخل السلطة.
وعن طبيعة ما يجري في المناطق (ج)، يوضح الصالحي أن «هذه المناطق تخضع من حيث الخدمات المقدمة في داخلها للسلطة الفلسطينية، كالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات، وهو ما حاول الكيان الهروب منه بعد أوسلو، حيث في فترة ما قبل أوسلو كانت تخضع كافة المناطق بما فيها مناطق (أ)، (ب) و(ج) لحكومة الاحتلال (حتى على مستوى الخدمات)، وهو ما حاولت حكومة الاحتلال التملص منه عقب اتفاقية أوسلو لتصبح الأعباء عليها أخف.»
ويضيف، «كان من المفترض أن تكون هذه المناطق ضمن إطار سيادة السلطة الفلسطينية في المراحل النهائية (الحل النهائي) بعد اتفاقية أوسلو، لتصبح تخضع لها على الصعيد الأمني والإداري، لكن قرار الضم هذا يعني أن الكيان الصهيوني غض نظره حتى عن ما ورد في اتفاق أوسلو على المستوى الدولي وبعلاقته كمستعمر مع الفلسطينيين، مما يمهد الطريق له لخلق «كانتونات» صغيرة تخضع لحكم ذاتي ما بين محافظات ومدن الضفة الرئيسية، بمعنى أن لا خارطة واضحة للفلسطينيين.»
ويتابع، «حتى وإن كان هذا الخيار سيستنزف من موازنة حكومة الاحتلال، إلا أن موازنة السلطة الفلسطينية بيد حكومة الاحتلال الذي يسيطر على موارد الفلسطينيين وعلى عائدات الضرائب الفلسطينية، مما يعني أن هذه لن تكون مشكلة أمام الاحتلال، فهو يستطيع أن يعيد تشكيل موازنة السلطة وفق ما يريد ويسخرها عائدات الضرائب لهذه المناطق إن أراد.»
وعن انعكاسات القرار على إمكانية قيام دولة فلسطينية، يقول الباحث الفلسطيني في علم الاجتماع السياسي، إن هذه الخطوة تأتي في إطار تجسير المسافات بين مستوطنات الضفة بالأساس، وجعلها ضمن إطار جغرافي واحد وكتلة جغرافية واحدة تكون في المستقبل معظمها من الصهاينة والأقلية فيها عربية، مما يسهل للاحتلال تشريع هذا الواقع في المستقبل.
ويستدرك قائلًا: «الدولة الفلسطينية باتت آمالها معدومة، مناطق (ج) والأغوار هي البنية الجغرافية التي كانت السلطة الفلسطينية تأمل بأن تقيم دولة عليها، بالإضافة إلى قطاع غزة طبعًا، لكن هذه الخطوة ستحرم السلطة من تحقيق ذلك، والإشكالية الحاصلة هي أن في مفاهيم الاستعمار الصهيوني كافة الأراضي الفلسطينية مستباحة، وهو ما يغيب عن بال البعض في كثير من الأحيان.»
وحول ما إذا كان هذا القرار يعني إجلاء الفلسطينيين القاطنين في المنطقة (ج)، فيستبعد الصالحي أن يتم الإجلاء على المدى القريب، ويقول: «الإجلاء ممنهج في كافة المناطق الفلسطينية ومنذ فترة طويلة، وما زال المشروع الصهيوني مستمر في عملية الإجلاء، وذلك إما من خلال التهجير القسري (إعدامات للفلسطينيين، هدم منازل…) أو من خلال تهجيرهم بشكل غير مباشر وذلك من خلال التضييق الاقتصادي عليهم والتضييق عليهم من حيث جودة حياتهم.»
ويستبعد الصالحي أيضًا أن تتم معاملتهم كفلسطينيي الداخل المحتل 48، ويعلل ذلك قائلًا: «هذا يضع التزامات أمام الكيان الصهيوني تجاه الأفراد لمعاملتهم كمواطنين في دولته، لكن من الممكن أن يتم إعطاؤهم هويات جديدة، فالاستعمار يبدع في خلق هويات المُستعمَرين، وفي فلسطين وحتى اللحظة يوجد أكثر من 4 هويات ناجمة عن تقسيمات الاستعمار الجغرافية، دون أي امتيازات تذكر ودون «مواطنة».
ويشدد عبد العزيز الصالحي على أنه من المهم ذكر أن هذا القرار يعني بالضرورة السيطرة الصهيونية الكاملة على هذه الأراضي، ولا يعني ذلك أن هذه نقطة نهاية الحدث، بل أن حالة من التفريغ السكاني والاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين وتفاعلاتهم في هذه المناطق ستحصل، وهو ما عمل عليه الاستعمار الصهيوني في كافة المناطق التي يسيطر عليها. كما أن هذه الخطوة تأتي في إطار خلق واقع للفلسطينيين يكون فيه قطاع غزة هو الملاذ الوحيد لإعلان دولة، وهي التي لا تتسع لأكثر من مليوني فلسطيني من أصل 16 مليون فلسطيني مقيم ومهجر ولاجئ ومغترب.
ويذكر أن أحياء في مدن فلسطينية، مثل طولكرم ورام الله وقلقيلية، تقع في مناطق (ج)، ووفق معطيات الأمم المتحدة فإنه يعيش نحو 300 ألف فلسطيني فيها. ويقول باحثون إن الإحصائيات «الإسرائيلية» تمحو قرابة 200 ألف فلسطيني من تقديراتها.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن المنطقة (ج) تشمل «القدس الشرقية» والجزء الفلسطيني من البحر الميت، فضلًا عن كونها منطقة غنية بالموارد الطبيعية من مصادر للمياه ومحميات طبيعية وفيها غالبية الأراضي الزراعية والمراعي الفلسطينية.