أخبار فلسطين

فلسطينيو ال48 وانتخابات الكنيست بين مشاركة لشرعنة الاحتلال ومقاطعة دفاعًا عن عروبة الهوية

يعيش الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني في مجتمع احتلال استعماري، لذلك من غير الصواب إسقاط التسميات التقليدية على هذا المجتمع الاستعماري، فلا يوجد ما يسمى يمين أو يسار فيه. فالمجتمع “الاسرائيلي” هو مجتمع مُجمعٌ على الاحتلال، ومُجمعٌ أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 و67 يجب أن يكونوا تحت سيطرة “إسرائيلية”، حتى ذلك الجانب الذي يؤيّد دولة فلسطينية من منطلقات ديموغرافية، فهو مُجمعٌ على شكل الدولة المُدّعاة وعلى ملامحها، وهي أن تكون خاضعة للسيطرة الاسرائيلية، وهذا إجماع صهيوني لا نقبل أن نكون جزءًا منه، بل نحن خارجه ونعمل ضده. بهذه العبارات استهلّ أحمد خليفة، عضو اللجنة المركزية لحركة أبناء البلد، حديثه لـ “نداء الوطن” مُعلّقًا على انتخابات “الكنيست”، وعلى التنافس الحزبي “الاسرائيلي” فيها.

ويقول عضو اللجنة المركزية لحركة أبناء البلد: “تأتي انتخابات الكنيست 19 تحديدًا في طور تكثيف من السياسات الاستعمارية والعنصرية في ظل قانون كمينتس ]قانون تسريع إجراءات هدم البيوت العربية[ وقانون القومية، والتي هي قوانين تستهدف الوجود الفلسطيني، لذلك نرفض أن نكون ورقة التين التي تتغطى فيها الديمقراطية الاسرائيلية في العالم كله على حسابنا. ومن ناحية أخرى، نرفض أن نكون شركاء في الجسم الذي مرّر هذه القوانين العنصرية، ونعتقد أن النضال الجماهيري والشعبي وحتى القانوني هو أنجع وأقوى وأسلم خارج هذه المؤسسة وبطريقة مناهضة لها، وهذا لأن المجتمع الاسرائيلي هو مجتمع يميني عنصري، مجتمع متطرف، وهذا لا يمكن تغييره من خلال وجودنا في الكنيست، بل على العكس تمامًا.”

من جانبها ترى الدكتورة نادية سعد الدين، مديرة تحرير الشؤون الفلسطينية في جريدة الغد الأردنية، أن التيار اليميني المتطرف يجد حضورًا قويًا في انتخابات “الكنيست الإسرائيلية” المبكّرة، وسط داخل “إسرائيلي” يجنح نحو المزيد من الغلو والتشدد، بما يؤهله، في حال الفوز فيها وتشكيل الحكومة وبدون حدوث مفاجآت متوقعة، إلى استكمال قيادة المرحلة المقبلة تحت عناوين التعصب المتطرف لليمينية العنصرية، وسدّ الأفق السياسي للعملية السلمية، ومواصلة سياسة العدوان والاستيطان والتهويد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتُضيف سعد الدين، “إن استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة تقف إلى جانب تقدّم التيار اليميني المتطرف، حتى مع حدوث التغيرات في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، التي تتسم بالفسيفسائية، والانشقاق المتكرر، وتغير التحالفات وفق المصلحة الآنية، إزاء إعلان عدد من السياسيين تكوين أحزاب جديدة، ودعوة آخرين لتوحيد قوى اليمين المتطرف، مقابل بروز قادة عسكريين سابقين من براثن جرائمهم المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.”

وبحسب الدكتورة نادية، يحيل قراءة مخرجات آخر استطلاع للرأي العام “الإسرائيلي” تم اعداده حتى الآن، قبل أقل من أسبوعين على إجراء الانتخابات العامة، إلى بعض الملاحظات؛ ومنها: تقدم واضح لمعسكر اليمين على أحزاب اليسار والوسط، حيث أعطت الاستطلاعات حزب الليكود اليميني، بزعامة بنيامين نتنياهو، 27 مقعدًا في “الكنيست” من إجمالي مقاعده الـ 120، بما يقارب النتيجة التي حصدها في الانتخابات السابقة، رغم تعرض نتنياهو مؤخرًا لانتكاسة مع الرحيل غير المتوقع لأحد أقطاب الحزب الوزير موشيه كحلون، وهو من اليهود السفارديم ويتمتع بشعبية واسعة، عقب تشكيله حزب “كولانا” (اليمين العاقل) برئاسته، بما قد يؤثر على وضع نتنياهو في حال فشل مفاوضات الاتيان به وزيرًا في الحكومة التي قد يشكلها، لو فاز.

وبالمثل؛ يأتي حزب «العمل»، الذي سبق وأن غيّر اسمه إلى “المعسكر الصهيوني” في واقعة تاريخية مثيرة للاهتمام، عند تحالفه مع حزب “الحركة” بقيادة تسيبي ليفني قبيل اعتزالها الساحة السياسية، حيث يحاول إضفاء صورة الحضور المظفر في الانتخابات بعد فشل تحالفه مع حزب “ميرتس” اليساري، رغم ضعف حظوته في التوقعات الانتخابية، ولكنه أمر لا يغيّر كثيرًا في وضع حزب سيطر على مقاليد السلطة في الكيان الصهيوني، منذ نشأته حتى عام 1977، ويسعى جاهدًا منذ ذلك الوقت للالتصاق بها، أملًا في استعادتها يومًا. ولا يتمايز هذا التيار في مفهومه للدولة الفلسطينية عن الليكود، إزاء تأكيده أن “الكتل الاستيطانية الكبرى ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية”، مما يعني بقاء أكثر من 650 ألف مستوطن ضمنها في أراضي الضفة الغربية المحتلة. فعلى الرغم من أن بعض اليسار الإسرائيلي يزعم علنًا تصالحه مع فكرة إقامة دولة فلسطينية، فإنه يرفض تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي المحتلة اللازمة لإقامة الدولة، وسط تغييرات مستحدثة فيها لا يمكن أن تؤدي معها إلى دولة.

 

الأحزاب العربية في الكنيست، والبدائل أمام فلسطينيي 48 في حالة مقاطعة الكنيست

وحول تقييم تجربة “الأحزاب العربية” في “الكنيست”، والدفاع عن حقوق فلسطينيي 48، يرى أحمد خليفة أنه “من المهم جدًا أن يتم تقييم التجربة بشكل جماعي حسب رأي فلسطينيي الداخل، وهذا لم يتم حتى اليوم. تقييم التجربة مهمة جماعية وطنية من الطراز الأول، لأنه لو نظرنا على مدار سبعين عامًا من العمل ضمن إطار الكنيست فالنتيجة ستكون سلبية جدًا، بمعنى أن هنالك تأثيرات هامشية وثانوية جدًا، فمثلًا أبرز القوانين التي سنّها الكنيست في العشر سنوات الأخيرة عن طريق الأعضاء العرب، هي: إلغاء القانون الذي ينص على منع تربية المعزة السوداء، أو القانون الذي يمنع قصّ أظافر القطط، أو القانون الذي سنّه عضو الكنيست أحمد الطيبي الذي يقضي بإجبار شركات الطيران على تعويض من يتأخر عن طائرته. كل هذه القوانين الهامشية كان من الممكن أن يستفيد منها الفلسطينيون العرب حتى لو سنّها عضو يهودي في الكنيست، ونحن لسنا بحاجة لتجييش وتجنيد كل منظومتنا الحزبية والسياسية والقِيَميّة والأخلاقية من أجل الاندماج في الكنيست بُغية تحقيق مثل هذه القوانين.”

ويضيف، “لو اعتبرنا الذهاب إلى “الكنيست” مشروعًا وطنيًا وفَشِل، حينها يمكن أن نقول إن هنالك حاجة إلى مشروع جديد، لكننا لا نرى أن الذهاب إلى الكنيست هو مشروع وطني”. ويستدرك خليفة قائلًا: “هنالك قضايا مطلبية لدى الناس، فإذا كان الكنيست هو خطوة نحو الأسرلة، فنحن مع خطوة نحو الاستقلال والتمكين الذاتي، ولفعل ذلك لدينا – نحن الفلسطينيون – مجالسنا المحلية، والبلديات، فضلًا عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، إضافة إلى وجود المجلس الوطني الفلسطيني، والعديد من الجمعيات والمؤسسات. من المهم أن تتأطر جميع هذه الجمعيات والمؤسسات في جسم واحد كبير يُمثّل الكلّ الفلسطيني بكافة شرائحه للنضال خارج منظومة الكنيست لمواجهتها ومجابهتها. كيف تستطيع أن تجابه منظومة وتتصدى لها وأنت جزء منها؟ وأنت داخلها، وهي تدفع معاشاتك؟ هذا مستحيل!”

وعن البدائل أمام فلسطينيي 48، يقول القيادي في حركة أبناء البلد: “بديلنا لهذا المشروع هو مأسسة أجسام تُمثّلنا مطلبيًا ووطنيًا خارج هذا الجسم وحيّزه السياسي، خاصة وأن هنالك إجماع حتى بين المشاركين أن الكنيست مجرد أداة وليس مشروعًا. أما المشروع فهو الفلسطنة عن طريق تنظيم الفلسطينيين في الداخل على قاعدة النضال من أجل تفكيك المشروع الاستعماري وليس الانخراط فيه.”

ويضرب خليفة مثالًا للتقريب، قائلًا: “تخيّل عدم وجود مدارس في تونس لأن التونسيين رفضوا التصويت للبرلمان الفرنسي، من يطرح هذه المقاربات يهدف إلى تشويه وحرف البوصلة عن مكانها الصحيح وهي أن كل التمييز الذي نتعرض له يحدث لأننا فلسطينيون!”

وفي سياق المشاركة العربية في “الكنيست”، تعتقد الدكتورة نادية أن “فشل جهود الأحزاب العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 لتشكيل قائمة مشتركة، على غرار انتخابات الكنيست في العام 2015، ومشاركتها في الانتخابات القادمة بقائمتين انتخابيتين؛ هما “تحالف القائمة العربية للتغيير والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” و”تحالف القائمة الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي”، قد يؤثر في قوة حضورها ووجودها “بالكنيست” القادم، أمام التحالفات اليمينية الإسرائيلية الكبيرة، وسط التحسب من عزوف الناخبين العرب عن التصويت بسبب حيرتهم بين القائمتين.”

وتضيف سعد الدين، “لطالما شكلت مشاركة الأحزاب العربية في “الكنيست” الإسرائيلي موضع خلاف ونقاش مستمريّن، في ظل تباين الرأي حيالها، حيث يرى البعض أن المشاركة تهدف إلى تعزيز النضال الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفرض أجندة العرب الفلسطينيين هناك، وتعزيز العلاقات بين الأحزاب العربية داخل “الكنيست” وخارجه، فضلاً عن إتاحة المجال لطرح إشكاليات المواطنين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وكشف سياسة التمييز والإقصاء العنصرية ضدهم.”

في المقابل؛ ثمة من يعتقد بأن المشاركة في “الكنيست” تعدّ بمثابة اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني ولن تكسب المواطنين الفلسطينيين العرب داخله أي عائد إيجابي، في ظل ضعف تأثير دور الأحزاب العربية داخل “الكنيست” بسبب الطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني وسيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف على “الكنيست” وسعيه لسّن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والقضية الفلسطينية بشكل عام. حيث يشارك أعضاء “الكنيست” العرب بشكل فاعل في طرح القوانين المدنية التي تتعلق بالصحة والعمل والطلاب والنساء، لكن غالبًا ما ترفض مقترحاتهم، لأن السياسات العامة داخل المؤسسة الإسرائيلية تقررها الغالبية الإسرائيلية المتطرفة، بما يجعل دورهم محدودًا وغير مؤثر لجهة تمرير القوانين المناصرة لقضاياهم داخل “الكنيست” في ظل وجود العنصرية الإسرائيلية المتطرفة.

وبالإضافة إلى الكنيست، تشارك الأحزاب، ومنها الحركة الإسلامية، في انتخابات المجالس المحلية، بينما يرى المناهضون للمشاركة الانتخابية في “الكنيست” أن السبيل لخدمة قضية المواطنين الفلسطينيين العرب داخل الأراضي المحتلة عام 1948 تتأتى من خلال بناء المؤسسات الصحية، والتعليمية والاجتماعية المستقلة عن الحكومة الإسرائيلية، عدا عن أهمية العمل المؤسساتي للحفاظ على الأماكن المقدسة، إلا أن ذلك الأمر كثيرًا ما يصطدم بقرارات إسرائيلية جائرة بالحظر وبالمنع من العمل.

 وفي المحصلة؛ فإذا كان هناك من يرى أن مشاركة العرب في انتخابات “الكنيست” الإسرائيلية ضرورية لمواجهة التطرف اليميني الإسرائيلي، والعنصرية التي تضيق الخناق على أكثر من مليون ونصف مليون عربي في الكيان الصهيوني، فإن هناك من يعتبر أن هذا الحضور العربي ضعيف ولا يحقق أي إنجاز لصالح الفلسطينيين العرب، وإنما يمثل فرصة جيدة لتغنِّي الإسرائيليين بديمقراطيتهم المزعومة في الشرق الأوسط، وتجميلًا لوجه الاحتلال القبيح.

بواسطة
نداء الوطن - وسام الخطيب
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى