أخبار فلسطين

هل تعتذر “الشعبية” عن مبدئيتها؟!

“أنصار الشعبية يحرقون صوراً لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس”، ألهب هذا العنوان مواقع الإعلام الفلسطيني في اليوم الذي خرجت فيه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مسيرة حاشدة في غزة إسناداً للأسرى والشهداء المحتجزة جثامينهم، وعلى شرف يوم الأسير الفلسطيني وبمناسبة مرور 40 يوماً على استشهاد المناضل القيادي في الجبهة الشعبية الرفيق عمر النايف.

تابعنا في تلك المسيرة الغاضبة، والتي تزامنت مع قرار رئيس السلطة محمود عباس بقطع مخصصات الجبهة الشعبية، كيف قام أحد أنصار الشعبية بحرق صورة لمحمود عباس (وصورة رياض المالكي أيضاً) كتعبير عن غضبه ورفضه لنهج يمثله رأس السلطة أبو مازن. فرحنا جميعاً بهذا الفعل المتمرّد، سواء كان فرحاً صريحاً أم ضحكاً في قرارة أنفسنا لهذا الحرق الورقي.

وكالعادة، تخرج الأبواق السلطوية عن صمتها في حالات كهذه، تمسّ وليّ نعمتهم أبو مازن. من خلف شاشته في أوروبا، يخرج علينا الناطق الرسمي باسم حركة فتح، جمال نزال، ليقول؛ “باستطاعة من يحرق صورة رئيس دولته أن يرفع علم الاحتلال ويُقصر الطريق على نفسه”. أما رئيس مفوضية الإعلام والثقافة في حركة فتح، منير الجاغوب، فيعتبر حرق صورة عباس “خطوة خارجة عن المسؤولية”، ويضيف أن “هذه الفعلة النكراء شكلت يوماً معيباً بحق كل عناصر وقيادات الجبهة الشعبية وعليهم الاعتذار الكامل الرسمي للشعب الفلسطيني”.

إن من عليه أن يرفع علم الاحتلال ويقصر الطريق على نفسه، هو من يُصفّق مغمض العينين لرئيس يتباهى بخدمته للاحتلال التي يعتبرها “كياسة”، تلك الكياسة التي حوّلت الصراع مع العدو الصهيوني وقلبت جميع مفاهيمه، من صراع تناحري إلى ودّ وعلاقات حميمية، رسمية وغير رسمية، لا يكون آخرها أن يقدم وفد من السلطة باسم رئيسهم محمود عباس التعزية بمن يسمى “مدير الإدارة المدنية الإسرائيلية” في الضفة الفلسطينية المحتلة.

أما بالنسبة للخروج عن المسؤولية، والأفعال المشينة والمعيبة التي تتوجب الاعتذار الكامل والرسمي للشعب الفلسطيني، فمثلاً؛ أن يُصرّح رئيس السلطة محمود عباس، على القناة الثانية العبرية، أنه ضد الانتفاضة على الاحتلال وأنه ساهم مساهمة جدية في منع العمليات البطولية ضد الاحتلال وقطعانه، وأنه أمر بتفتيش المدارس وحقائب الطلاب بحثاً عن السكاكين. هذا غير تفاخره في لقاء منفصل بطربه عند سماع الأغاني العبرية. وقبل ذلك دفاعه عن تصريحات رئيس جهاز مخابراته بإحباط 200 عملية ضد “إسرائيليين” منذ بداية الانتفاضة، والتي أكد أن ذلك كان بأوامر منه شخصياً.

مؤخراً تابعنا قصة اختفاء ثلاثة شبان في رام الله، وهم باسل الأعرج، ومحمد حرب وهيثم السياج، وكيف عثرت عليهم المخابرات الفلسطينية قرب منطقة عارورة، بعدما كان أحد أفراد المخابرات العامة شاهدهم يسيرون في الجبال، فاعتقد أنهم مستوطنين، فقام بإبلاغ المخابرات العامة. حسبما ورد عن وكالة معاً من مصادر حصرية لها، وشددت تلك المصادر أن الشبان الثلاثة كانوا يحملون حقائب، وتم إبلاغ ذويهم بالعثور عليهم. على أساس أن تلك المخابرات والأجهزة الأمنية تقوم بحماية العائلات الفلسطينية وتتصدى لهجمات قطعان المستوطنين على الأراضي الفلسطينية، لتتوقف الأخبار بعد ذلك كلياً، وليتبقى لنا ما تتناقله المواقع “الإسرائيلية” عن نية الشبان الثلاثة لتنفيذ عملية ضد الاحتلال.

وبعد أيام من منع ذوي الشبان من زيارتهم والتواصل معهم، وبعد منع المحامين من رؤيتهم، التقوا بهم في النيابة ليكتشفوا أنه يتم التحقيق معهم بناء على البنود التي ذكرها إعلام العدو، رغم أن إعلامهم قال إنه وجد معهم حقائبهم وحاجياتهم الشخصية. لتأخذ التحقيقات منحى آخر ويتم إضافة شابين آخرين، هما محمد السلامين وعلي دار الشيخ.

إن ذريعة “أن السلطة تحتجز الشبان الخمسة وتحقق معهم لحمايتهم” هي ذريعة واهية، فالأجهزة التي لا تملك قرارها بنفسها، والتي عجزت عن حماية الرفيق عمر النايف في سفارتها في صوفيا، ليست فقط عاجزة عن حماية نفسها بل عاجزة عن حماية الشبان المعتقلين أيضاً.

كنا سابقاً نقول، قد نختلف مع فتح ولكن لا نختلف عليها! لنكن واقعيين اليوم، وفي ظل السقوط المدوي للمنظومة التي تمثلها فتح اليوم وما ذكر أعلاه، وهو غيض من فيض، هل ما زلنا لا نختلف على النهج الذي تمثله هذه المنظومة؟ إن أفعال كهذه هي المعيبة بحق كل عناصر وقيادات الفتح وهم من يتوجب عليهم الاعتذار الكامل الرسمي للشعب الفلسطيني.

أما بالنسبة للجبهة الشعبية، فمسؤوليتها التاريخية وموقعها في الخندق المعادي للصهيونية، والذي يحارب كل مصالحها وأذنابها، يُحتّمان عليها أن تعادي كل من يخدم العدو وتتقاطع مصالحه معه. وبالنسبة للاعتذار المطلوب منها، فمن أجل الأسرى والشهداء المحتجزة جثامينهم، ومن أجل عمر النايف عليها ألا تعتذر، أو حتى أن تفكر بالاعتذار.

تخطي الجبهة الشعبية للكلام المنمّق مع السلطة، وتثبيت موقفها معها قولاً وفعلاً، هو دليل قوة ومقاومة، وثقة بالذات والمشروع الوطني، ويضع الجبهة عند خط متقدم لإنقاذ نفسها من خطر بعض الضعف الذي يعتريها.. لجبهة الحكيم والشهيد والأسير، نقول؛ استفت الوطن ولو أفتوك… استفت الوطن، فالتحدي قائم والمسؤولية تاريخية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى