الهدنة في سورية: إعلان فشل مشروع التقسيم، أم تكريس له ؟! مختصون يؤكدون: الحفاظ على وحدة سورية يسقط المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة
“تعلن الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا ومجموعة عمل وقف إطلاق النار، في الـ 22 من شباط 2016، عن تبني شروط الهدنة في سوريا، المرفقة كملحق مع هذا البيان، وتقترحان أن يتم الشروع بوقف الأعمال العدائية في الساعة 12:00 بتوقيت دمشق، من يوم الـ 27 من شباط 2016. وسينطبق وقف الأعمال العدائية على أطراف الصراع السوري التي تعلن التزامها وقبولها بشروطه.”
لا تزال الهدنة التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عبر البيان المنشور أعلاه مقتطف منه. لا تزال هذه الهدنة صامدةـ رغم كل الحديث الأمريكي – السعودي عن خطة (ب)، والتصريحات الروسية حول احتمالية اللجوء إلى “فدرلة سورية”. ورغم – أيضاً وأيضاً- الاتهامات المتبادلة بين المعارضة المسلحة والحكومة السورية بخرق للهدنة هنا أو هناك.
[widgetkit id=”12″ name=”الصين وروسيا (copy)”]
الهدنة: خطوة لوقف إطلاق النار أم استراحة المحارب؟!
يؤكد الباحث الدكتور موفق محادين في حديث لــ نداء الوطن، أن ما من هدنة بين أطراف متقاتلة تصنعها النوايا, الطيبة أو الخبيثة. وبهذا المعنى, فما يحدد الهدنة وآفاقها هو مساحة وحدود التفاهم عليها في ضوء القدرة على توظيفها وترجمتها إلى رصيد سياسي وعسكري قابل للصرف في سوق الصراع.
ويرى محادين أنه في ضوء الظروف التي سبقتها وانتهت إلى تقدم عسكري ميداني للجيش السوري وتحالفاته, كما في ضوء الأهداف المرحلية للأطراف الدولية, وكذلك في ضوء (الحسبة) الأولى للأطراف القادرة على الاستفادة منها, فمن المرجح بل المؤكد أننا إزاء (هدنة) لن تستمر طويلاً, وما يقال عن تشوش أو اضطراب الموقف الأمريكي بسبب (البيات الشتوي) الذي يقترب من المنطقة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية , يسمح لأصدقاء الولايات المتحدة (الإقليميين) (للتحرر) من (الضغوط الأمريكية) والعودة إلى ساحات القتال ومحاولة تعديل موازين القوى من جديد.
ويلفت الدكتور محادين إلى أن (جبهة النصرة) و (داعش) وأمثالهما، هي قوى أساسية من قوى الاشتباك على الأرض, التي لا تشملها الهدنة، ما يزيد من تعقيدات إنجاح الهدنة.
فيما يعتبر المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة أن وقف إطلاق النار في جوهره هو جزء أساسي من الحل السياسي والذي يسعى لترتيب أوراق التنظيمات المقاتلة وإخراجها من حالة الفوضى والتهيئة لإدراجها في العملية السياسية. إذن المطلوب الآن عزل التنظيمات في مناطق محددة وتنظيم الفصائل المقاتلة الموقعة على الهدنة وتوجيهها باتجاه الحرب على داعش ومن ثم تأهيلها للحل السياسي والذي يتطلب وجود مكونات عسكرية معارضة اكتسبت شرعيتها من قتالها للتنظيمات الإرهابية.
لهذا –يكمل السبايلة- فإن إستراتيجية الهدنة بالنسبة لواشنطن وموسكو، هي خطوة للانتقال إلى بداية الحل السياسي، وهذا ما يفسر دعوة المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي مستورا لعقد جولة جديدة من مباحثات جنيف في التاسعمن شهر آذار.
ويعتقد الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية، أن أي قراءة لتطورات الوضع في سورية، يجب أن تستند إلى طبيعة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة والرامي إلى تفتيت الدولة الوطنية من خلال إذكاء الفتن الطائفية، وصولاً إلى تقسيم الدول العربية على أساس طائفي ومذهبي.
المسألة الأخرى –وفق ذياب- التي يجب أخذها بعين الاعتبار، هي موازين القوى على الأرض وما حققه الجيش السوري وحلفاءه من انتصارات على الأرض وهزائم بحق المجموعات الإرهابية، هذه النجاحات بدأت تباشيرها في الدخول الروسي القوي في الصراع، الأمر الذي أحدث تحول حقيقي وجدي في موازين القوى.
ويؤكد الدكتور ذياب أن الهدنة نتاج ما يجري على الأرض من ناحية، وتفاهم أمريكي – روسي على تهدئة النيران المشتعلة في المنطقة والتي باتت ألسنتها تمتد وتتسع لتأخذ أبعاداً إقليمية، بل وحتى دولية.
ويلفت الرفيق سعيد ذياب إلى أن نجاح هذه الهدنة مرهون باقتناع أصحاب مشاريع الفتنة في السعودية وتركيا بفشلهم وعجزهم عن هزيمة محور المقاومة والممانعة. لكن وبالرغم من المخاطر التي تحيط بالهدنة، فهي حتى الآن لا تزال صامدة، وأن الدولة السورية ملتزمة بالهدنة.
هل بدأت مخاطر تقسيم سورية تلوح بالأفق: خطة ب أم فيدرالية ؟!
يشير الدكتور عامر سبايلة في تصريحاته لـ نداء الوطن إلى استحالة وجود أو تطبيق خطة (ب) بالصيغة التي يتم تسويقها إعلامياً وكأنها تلويح بالتدخل العسكري المباشر من بعض الأطراف في الداخل السوري. ويعتبر السبايلة أن التدخل الوحيد الممكن هو التدخل تحت لواء التحالف الأمريكي وضمن إطار منسّق وموجّه في محاربة داعش، مما يعني استحالة تنفيذ أي خطوات أحادية من قبل أي دولة دون ترتيبات مسبقة مع الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر اضطرار السعودية على سبيل المثال، للالتزام بهذه المحددات في تصريحاتها بالقول أنها تريد أن تحارب داعش وتحت مظلة التحالف الدولي.
وتعليقاً على تصريحات روسية حول احتمال اللجوء إلى خيار الفيدرالية في سورية، يلفت السبايلة إلى أن موضوع الفيدرالية يمكن قراءته من زاويتين، الزاوية الأولى التي تؤكد على وجود اختلاف جذري بين فكرة الفيدرالية وفكرة التقسيم، خصوصاً أن مسوغات التدخل العسكري الروسي منذ البداية كانت الحفاظ على وحدة الدولة السورية والمؤسسة العسكرية ومؤسسات الدولة.
ويرى أن الفيدرالية في النهاية قد تحافظ على الهوية السياسية للبلد وتمنع تقسيمه على أسس طائفية أو دينية، فروسيا الاتحادية هي نظام فيدرالي، وكذلك هي الولايات المتحدة.
أما الزاوية الثانية –وفق السبايلة- فتشير أن الطرح الروسي في جوهره يحمل في طيّاته رسالة تهديد لتركيا المتضرر الأكبر من أي مشروع فيدرالي على حدودها يعطي استقلالية للأكراد. لهذا، فإن مثل هذا الطرح قد يمثل إحدى الأدوات الناجعة للحفاظ على الهدنة دون تدخلات تركية قد تعرض اتفاق وقف إطلاق النار لخطر الانهيار، خصوصاً أن التصريحات الروسية أتت بعد إشارات إلى استعدادات عسكرية تركية تسعى لضرب اتفاق الهدنة.
فيما يحذّر الدكتور موفق محادين من أن سيناريوهات التقسيم والفدرالية ليست مجرد حلول أو تخريجات أو نتائج لما جرى ويجري, بل هي المقدمة الكبرى و (بنك الأهداف) المبرمج في الدوائر الأمريكية والإسرائيلية، وقبل ما يُعرف (بالربيع العربي) بسنوات بل بعقدين على الأقل.
فكل ما تشهده المنطقة منذ الانهيار السوفييتي والعدوان الأطلسي على العراق هو محطة أساسية من محطات تمزيق الشرق العربي، وتحويله إلى كانتونات مذهبية وجهوية متناحرة دموية.
ويؤكد محادين أن المهندس المعلن لهذا المخطط هو شمعون بيريز والسري هو (نوح فيلدمان) الأمريكي اليهودي الحقوقي المكلف من البنتاغون بهذه الملفات إلى جانب هيلاري كلينتون, مرشحة الحزب الديموقراطي للبيت الأبيض، لافتاً إلى أن الخطوة الأولى للأمريكان بعد احتلال العراق وتحطيم دولته الوطنية, هي تحويله من دولة مركزية إلى دولة فدرالية وفق دستور وضعه نوح فيلدمان نفسه.
كما كشف الباحث والمحلل السياسي محادين، أنه من الشروط التي سلّمها بيكر لدمشق بعد العدوان على العراق, هو قبوله بتحويل سوريا إلى دولة فدرالية أيضاً. وأضاف أن “من الأمور التي دفعت المياه في عروق الدولة العميقة في مصر وسرّعت بالانقلاب على الحكم الإخواني، هو دخول هذا الحكم في مفاوضات مع فريق هيلاري كلنتون وفيلدمان لمراجعة الشكل المركزي القائم للدولة المصرية”.
الدكتور سعيد ذياب أمين عام “الوحدة الشعبية”، أكد أن الفصائل المعارضة (السعودية + تركيا) ستحاول العبث بالهدنة وتخريبها لأن من شأن هكذا هدنة حصار داعش والنصرة، وكشف العبث السعودي والتركي بالأزمة السورية.
ويحذر ذياب في تصريح خاص لـ نداء الوطن أن فشل الهدنة سيفتح الباب واسعاً أمام اتساع دائرة العدوان وتوفر فرصة لاستمرار المحور المعادي (التركي – السعودي) في الاندفاع لمخططاتهم التآمرية على سورية ووحدتها.
وحذّر ذياب من أن مسألة تقسيم سورية وبقية الدول العربية، مسألة كانت ولا تزال في صلب المشروع الأمريكي الصهيوني وأدواته في المنطقة. هذا المحور الذي أشعل نيران الفتنة وأدخل شعوبنا في فوضى عارمة.
وفق الدكتور سعيد ذياب، فإن فشل مشاريع التقسيم والفدرلة مرهونة بصمود قوى المقاومة والممانعة التي ستستمر في ثباتها وصمودها حتى تتم هزيمة مشروع التقسيم والتفتيت. وأن الجيش السوري الذي أمضى سنوات خمس في مواجهة القوى الظلامية لن يسمح لهم بتحقيق مخططاتهم الشريرة.