تحرير الجنوب السوري يفتح الباب واسعاً أمام عودة العلاقات مع الأردن وفرملة صفقة القرن
وسط قلق صهيوني وتخوف أمريكي وانزعاج خليجي من تداعياته
شكلت الانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري وحلفائه، عاملاً إضافياً له لحسم معركة الجنوب السوري، الذي كان خاضعاً لاتفاقية مناطق خفض التوتر، المتفق عليها بين الأطراف المتنازعة في سورية.
قرار إطلاق معركة الجنوب، أدخل الأردن الرسمي في حالة من القلق الحقيقي، كون المعركة تقع على حدوده أولاً، ولأن معركة بهذا الحجم ستؤدي إلى اندفاع الآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من المدنيين نحو الأردن، إضافة إلى خشية أردنية من ضغوط خليجية-أمريكية-صهيونية لدفعه نحو الانخراط في هذه المعركة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.إلا أن القرار الأردني الرسمي بإغلاق الحدود خشية دخول مسلحين ضمن الأهالي، وعدم قدرة الأردن على تحمل المزيد من اللاجئين، والضغط الأردني الرسمي على المسلحين للقبول بالعرض الروسي للتسوية، إضافة إلى سرعة الحسم السوري للمعركة، أنقذ الأردن من تداعيات هذه المعركة وأخرجه بأقل الأضرار، إن لم نقل أنه خرج مستفيداً من نواحٍ عدة.
معبر نصيب: معبر الأردن لإنعاش اقتصاده
وصول الدولة السورية إلى معبر نصيب الذي يصل الأردن بسورية، والسيطرة عليه، فتح الباب واسعاً أمام الحديث عن مستقبل العلاقات الأردنية-السورية، خاصة وأن هذا المعبر المغلق منذ أكثر من ست سنوات كان متنفس الأردن التجاري نحو سورية وتركيا وأوروبا. إضافة إلى أن سيطرة الجيش السوري على الجنوب، يعني عملياً إسدال الستارة على مشروع إسقاط النظام السوري.
الدكتور إبراهيم علوش المحلل السياسي وأستاذ الاقتصاد يؤكد في حديث لـ نداء الوطن أن فتح معبر نصيب، واستئناف العلاقات الطبيعية بين الأردن وسورية، هو مصلحة استراتيجية وحيوية للأردن، أولاً لأن معبر نصيب يشكل المنفذ التجاري للأردن على التجارة مع الخارج، وثانياً لأن الإرهاب الذي تحاربه الدولة السورية يهدد الأردن أيضاً، ومن مصلحة الطرفين دولةً وشعباً التنسيق ضده، وثالثاً لأن الدولة السورية قطبٌ مهمٌ في المنطقة العربية والقطب الأهم في بلاد الشام، فمن الحكمة سياسياً أن يكون الأردن على علاقة جيدة جداً معها، لا سيما بعد انتصارها ومضيها باستعادة سيادتها على كل جزء من التراب السوري.
وفي إجايته على سؤالنا إن كان الأردن الرسمي سيقوم بالعمل بهذا الاتجاه الضروري لجميع المعنيين؟ فالمعلومات المتوفرة هي أن الدولة السورية سعت لإبقاء منفذٍ مفتوحٍ مع الأردن عبر محافظة السويداء خلال السنوات الماضية، ولكن كان هنالك رفض رسمي أردني لذلك، والآن حان الوقت لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سورية، لأن عدم عودتها يعني تأزيماً نحن بغنى عنه يسبب الضرر على كل المستويات.
الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، يرى في حديثه لــ نداء الوطن أنه على الرغم من أن معركة الجنوب السوري لم تكن المعركة الأصعب ولم تكن الأطول ، إلا أنها لخصت بشرطية المكان والزمان التحولات في موازين القوى بين جبهتي الصراع على مدى سبع سنوات ؛ جبهة المقاومة الإقليمية من جهة وجبهة الحلف الامبريالي الصهيوني الرجعي وأدواته الإرهابية والتكفيرية من جهة أخرى.
يترتب على ذلك وفق الخواجا، اضطرار من يدور في فلك الحلف الإمبريالي الصهيوني الرجعي للقبول بخيارات السياسة ومعالجتها لأزمات العلاقات الديبلوماسية التي أفرزتها مجريات الصراع بين الدول، وهذا يعني أن المعيقات الكبرى في طريق استعادة الحد الأدنى من العلاقات الاقتصادية – التجارية تكون قد تهاوت ، وهو ما سيشكل استعادة الأردن لشريانه الرئيسي مع سوريا وعبرها في علاقاته التجارية مع المحيط الإقليمي.
ويلفت الدكتور الخواجا إلى أن المراقب لطبيعة العلاقة بين الحكم في الأردن والدولة السورية خلال كل مراحل الأزمة، حتى الأكثر تعقيداً وحراجة، يدرك أنها لم تصل إلى درجة القطيعة، وبقيت العلاقات الديبلوماسية، واستمر عمل سفارة كل بلد لدى الآخر، وفي عدد من المناسبات تأكد حصول شكل من أشكال اللقاءات الثنائية (غير المعلنة) لبحث ملفات غالباً ضمن الموضوع الأمني العسكري.
وأشار الخواجا إلى أن الحكم في الأردن وفي قرارة نفسه ، وأحياناً بعكس بعض التصريحات على لسان أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة ، كان يرغب ويتمنى أن تعود سيطرة الدولة السورية على كل الأرض السورية بما يضمن وحدتها ، لأن ذلك يعتبر من أهم شروط الاستقرار للأردن والحكم فيه.
كما أن الدولة السورية تعاملت في كل القضايا الخلافية مع الأردن الرسمي بحكمة ولم تدفع للتصعيد ، فاستقرار الأردن مصلحة قومية لسوريا ، وفي المحصلة فإن تخوم وخطوط التوتير المحتملة تم التعامل معها بحكمة وتم احتوائها في كل المحطات تقريباً. وأرجح أن استعادة العلاقات ستتسم بالتدرج دون صخب ، لأن ما يهم بالضبط ، هو العودة لاستقرار العلاقات وهناك قوى اقتصادية وتجارية وطنية دافعة من مصلحتها ليس فقط استعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع سوريا بل تطويرها ، وليس بالضرورة أن يأخذ نفس المنحى في البعد السياسي ، فطالما كان هناك خلاف وافتراق في قضايا سياسية كبرى لم تعكس نفسها على سلاسة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الشقيقين.
هل «تفرمل» دول الخليج تسارع عودة العلاقات الأردنية السورية؟
وعلى الرغم من التفاؤل بعودة العلاقات الاقتصادية –بالحد الأدنى- بين الأردن وسورية، فإن مخاوف جدية من غضب خليجي-أمريكي في حال حدوث ذلك، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في تصريحات بعض المسؤولين الأردنيين التي تحاول أن تفرمل وتيرة التسارع في عودة العلاقات الأردنية-السورية.
وفي هذا الصدد، يرى الدكتور عصام الخواجا أن الأردن سيمضي قدماً في علاقات اقتصادية ابتداءً مع الجانب السوري، رُغم القيود التي يمثلها التحالف الوطيد للحكم في الأردن مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي واتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني. أما ردود فعل الأنظمة فرغم أنها لن تكون راضية، لكنها لن تستطيع منع استعادة العلاقات، وبرغم عدم تسليم الأطراف المهزومة والتي ستسعى للتصعيد والتخريب بأشكال شتى، فإن إيقاع الميدان سيفرض مستوى أعلى من العمل السياسي الذي يسمح بمرور قرار استعادة العلاقات بين البلدين على الأقل في ما هو قادم من الأيام.
فيما يشير الدكتور إبراهيم علوش إلى أن الأردن الرسمي حاول خلال السنوات الماضية أن يمسك العصا من منتصفها، والدول الخليجية باتت منقسمة على نفسها، حيث بات الطرف القطري، بحسب المتوفر من معلومات، يقيم اتصالات غير معلنة مع الجانب السوري. وبالتالي فإن الأردن الذي حافظ على شعرة معاوية مع سورية خلال الحرب عليها، ولم يقم بإغلاق السفارة السورية في عمان ولا بإغلاق السفارة الأردنية في دمشق، والذي بقيت بعض الاتصالات بينه وبين سورية على مستوى أمني وعسكري وسياسي رفيع، أولى بأن يسارع الآن لإصلاح ذات البين مع سورية، مع التذكير أن سورية أوضحت أن الجهات التي انخرطت في تدمير سورية لن يكون لها نصيب في عقود إعادة الإعمار التي يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تحريك عجلة الاقتصاد الأردني شبه المشلولة.
صفقة القرن ومحور المقاومة
يبدو أن الانتصارات المتتالية للجيش السوري والتي كان آخرها حسم معركة الجنوب السوري، لن تقتصر تداعياتها على الداخل السوري. فقد بدأت انعكاساتها تظهر قلقاً صهيونياً من أن تكون لهذه النتائج دوراً في عرقلة تمرير صفقة القرن وخاصة إذا ما عادت سورية للعب دورها المحوري في المنطقة، بالتوازي مع تسجيل محورالمقاومة المزيد من الانتصارات ميدانياً وسياسياً.
ويرى الدكتور إبراهيم علوش أن صفقة القرن هي مشروع التطبيع مع الدول العربية في ظل عملية تهويد واستيطان متصاعدة من قبل الكيان الصهيوني، مع رمي بعض فتات «المشاريع الاقتصادية» للفلسطينيين في الضفة وغزة، فالصفقة هي الموافقة على مشروع تهويد فلسطين بالكامل، من دون تقديم أي تنازلات سياسية من قبل الكيان الصهيوني، وكانت إحدى المقدمات الضرورية لهذه الصفقة هي تدمير الدول العربية، لا سيما المركزية منها، واستنزاف جيوشها، وصولاً إلى تفكيك مؤسساتها ومجتمعاتها، وهذا المشروع فشل في سورية، بعد أن نجح في ليبيا والعراق من قبل، وفي الصومال، والسودان، ولذلك فإن النصر السوري يدمر أحد الركائز الأساسية لصفقة القرن، كما أن مسيرات العودة الكبرى المنطلقة من غزة منذ 30 آذار/ مارس بمناسبة يوم الأرض هذا العام، هذه المسيرات المتوجهة إلى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ارسلت رسالة واضحة بأن ما يسمى بـ»صفقة القرن» مصطلح ممنوع من الصرف في كتاب قواعد الشعب العربي الفلسطيني.
ويشير علوش إلى أن المقاومة اللبنانية الرابضة، تمثل أيضاً قوة ردع حقيقية مقابل العدو الصهيوني ومشاريعه لصهينة المنطقة، وبالتالي فإن مثلث الصمود السوري-اللبناني-الفلسطيني، سيظل مثلث برمودا الذي تختفي فيه «صفقة القرن» وكل ما يشبهها للأبد. العدو الصهيوني أسقط في يده في الجنوب السوري، وميليشياته انهارت، كما انهارت في جنوب لبنان من قبل، والمشاريع الصهيونية والأمريكية والخليجية انهزمت في الجنوب السوري، لذلك لا تصدقوا من يزعم أن الأعداء تراجعوا بناءً على صفقة سياسية ما، كما أنهم لم ينسحبوا من جنوب لبنان، ومن غزة عام 2007، إلا مهزومين..
ويتفق الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية مع ما ذهب إليه علوش، حيث يؤكد على أن أبرز معاني ونتائج معركة جنوب سوريا تكمن في تقويض المخططات الصهيونية الأمريكية وفشلها الذريع ، فالمخطط الصهيوني الأمريكي الذي كان يُرسم لجنوب سوريا يمكن تلخيصه ببناء شريط حدودي جنوب غرب سوريا، على نمط «دويلة سعد حداد» في جنوب لبنان سابقاً، ليكون شريطاً حدودياً عازلاً، عميقاً نسبياً داخل الأراضي السورية، يمتد من شمال القنيطرة بمحاذاة حدود الجولان السوري المحتل مروراً بدرعا وريفها المحاذية للحدود الأردنية وصولاً إلى محافظة السويداء ، ليتواصل هذا الشريط مع منطقة التنف التي تخضع لاحتلال الجيش الأمريكي، وصولاً للمناطق السورية شرقي نهر الفرات التي ما زالت خاضعة أيضاً لقوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها من الكرد، وهو ما يعني فيما لو تحقق تعزيز ضمان أمن الكيان الصهيوني، وحصار دمشق، وقطع التواصل الجغرافي بين سوريا والعراق .
كل ذلك لم يكن بعيداً، وفق الخواجا، لا بل هو في قلب تهيئة الظروف الإقليمية من قبل الكيان الصهيوني وحليفته أمريكا لتمرير ما يعرف بصفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. باختصار، فإن انتصار الجيش العربي السوري في الجنوب السوري يمثل تقويضاً للمخطط الصهيوني ومدماكاً جديداً في بناء جبهة مقاومة صفقة القرن ومنع تصفية القضية الفلسطينية.