وعد بلفور أم وعود الدول الإمبريالية؟!
كتبه: شادي مسعود
لم يكنْ الثاني من نوفمبر عام 1917 هو البداية لهذا الوعد المشؤوم؛ بل كان نتاجًا لعملٍ متواصلٍ قامت به الحركة الصهيونية بدعم من القوى الرأسمالية العالمية؛ من أجل إيجاد دولة الكيان الصهيونيّ، في الشرق الأوسط، لتقوم بدورها ووظيفتها الاستعمارية لخدمة مصالحها في المنطقة.
وهو ما صدر عن مؤتمر كامبل بنرمان عام 1907 الذي دعا إلى إقامة دولة فاصلة، لتكون بمثابة حاجزٍ بشريٍّ قويٍّ يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب.
ومن ثمّ جاء قرار سايكس- بيكو عام 1916 ارتباطًا بهذا المشروع الصهيونيّ، الذي يهدف إلى تقسيم الدول العربية؛ لإضعافها، ومنع قدرتها على الوقوف في وجه أي قرار لمنح فلسطين للصهاينة.
وقبل كامبل وسايكس- بيكو كان مؤتمر بازل عام 1897 بقيادة هرتزل، الذي وضع هدفه الأول “أن يضمن القانون العام وطنًا قوميًّا لليهود في فلسطين”. وقد أقرّ المؤتمر تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتخاذ السبل والتدابير كافّة للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيونيّ (إعطاء الشرعية الدولية).
والشيء الذي توّج هذه المؤامرات، واضطرّ بريطانيا العظمى – وقتئذً- لإعطاء هذا الوعد هو عمل أستاذ الكيمياء الصهيوني حاييم وايزمان في استخراج مادة الأسيتون المستخدمة في صنع الذخائر من عناصر أخرى غير الخشب، مثل الحبوب والذرة – على وجه الخصوص-، والذي رفض كلّ المكافآت مقابل عمله في سبيل أن تصنع بريطانيا شيئًا لإقامة الوطن القومي اليهودي، وحين تولى لويد جورج رئاسة الوزراء في بريطانيا، خاطب وزير خارجيّته آرثر بلفور لأجل إعطائه اليهود وطنًا قوميًّا في فلسطين.
وفي عام 1917 أرسل بلفور وعده هذا إلى اللورد روتشيلد، الزعيم الصهيوني ورجل الأعمال، بعد أن تمّ عرضه على الرئيس الأميركي ويلسون، وقد وافق عليه سرًّا، ووافق عليه أيضًا المجلس الأعلى لقوّات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو عام 1920، الذي عهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، ووضع وعد بلفور حيّز التنفيذ، ووافقت عليه أيضًا فرنسا وإيطاليا واليابان. وبذلك يثبت بأنّ وعد بلفور ليس وعدًا بريطانيًّا فقط، وإنّما بداية لهذا المخطّط الإمبرياليّ في المنطقة.
واليوم، مع مرور مئة عام على صدور هذا القرار، لا يزال هذا المخطّط الرأسمالي الاستعماري مستمرًّا في المنطقة، من احتلال العراق، إلى العمل على تخريب سورية وإضعاف محور المقاومة في المنطقة، والحروب ضدّ لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة.
ولا نزال رافضين ومقاومين لهذا المشروع، وكلّنا ثقة بشعبنا العربيّ والفلسطينيّ، ومقاومتنا بقدرتها على الوقوف والاستمراريّة في وجه هذا المشروع. فالشعب الفلسطينيّ المتجذّر في هذه الأرض منذ آلاف السنين واقف في وجه هذا المشروع منذ مئة عام، وفي وجه الانحطاط والتخاذل العربي الرسمي الموقّع ل “كامب ديفيد” و “أوسلو” و “وادي عربة”. فمن ثورة البراق 1929 وثورة عام 1936، والانتفاضات الفلسطينية، وحتى يومنا هذا لا يزال الشرفاء من شعبنا وأمتنا صامدين فقد ضحّى هذا الشعب بالآلاف من أبنائه للحفاظ على عروبة فلسطين وإفشال هذا الوعد المشؤوم.