هل نشهد عودة قيادة منظمة التحرير لطاولة المفاوضات الأمريكية؟ وما هي البدائل؟!
لا يغيب عن المتابع لحالة الصراع العربي الصهيوني أن وضع ما يسمى بالقيادة الفلسطينية المتنفذة لا يرقى لتضحيات الشعب الفلسطيني الذي ما برح يقارع العدو الاسرائيلي في شتى الساحات وبمختلف الأشكال والسبل، إذ باتت تلك القيادة المتنفذة التي أعقبت اتفاق أوسلو سيء الذكر فاقدة للبرنامج التحرري الوطني وإن ادّعت غير ذلك، وإلا لمَ لا تخرج من دائرة التنسيق الأمني المقدس التي رسمها لها الاحتلال الصهيوني.
للحديث عن خيارات تلك الزمرة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية وخياراتها، وتماهيها مع الرؤية الأمريكية للحل، التقت نداء الوطن مع كل من الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور لبيب قمحاوي، والصحفي المختص بالشؤون الفلسطينية الأستاذ حلمي موسى.
يرى الدكتور لبيب أن هنالك لُبْسٌ قائم ومقصود في إيضاح طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فالشرعية الفلسطينية تكمن أصلًا في منظمة التحرير وليس في السلطة الفلسطينية، وإن كانت القوة الفعلية منذ اتفاقات اوسلو التي تم توقيعها بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في حينه وبين “الحكومة الاسرائيلية” قد سَلَبَتْ مكامن القوة من منظمة التحرير ووضعتها في يد السلطة الفلسطينية بحكم ارتباط تلك السلطة العضوي بسلطات الاحتلال من خلال التبعية الاقتصادية والتنسيق الأمني.
ويضيف؛ “منذ اتفاقية أوسلو أصبحت القيادة الفعلية لمنظمة التحرير الفلسطينية في يد السلطة الفلسطينية التي تشكل في واقعها ظِلاً للاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، والسلطة في واقعها أصبحت أسيرة لنهج السلام والذي هو أقرب إلى الاستسلام في معادلة القوة القائمة حالياً بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.”
ويتابع، إن قدرة السلطة الفلسطينية على الاستجابة لما هو مطلوب منها أمريكيا وعلى تقديم التنازلات المرتبطة بذلك هي أمر متوقع ويكاد يكون محتوماً، ولكن رغبتها بفعل ذلك وقدرتها عليه تبقى محكومة لدرجة الضغوط التي تمُارس عليها للقبول بتقديم ما هو مطلوب منها من تنازلات، وهذا ليس تعففاً بقدر ما هو خوف من ردود الشارع الفلسطيني ورغبة منها في تهيئة الظروف الداخلية للقبول الشعبي بالتنازلات المتوقعة حتى ولو كان ذلك القبول على مضض.
الأستاذ حلمي موسى الكاتب المختص بالشؤون الفلسطينية يرى أن المشروع الأمريكي الذي اصطلح على تسميته بـ”صفقة القرن” اتسم بدرجة عالية من الفجاجة تجعل من شبه المستحيل على القيادة الفلسطينية القبول به. ولا تتعلق المسألة فقط بتفاصيل هذا المشروع وإنما أيضا بالطريقة التي سعى أصحابه لفرضه على الواقع الإقليمي عموما والفلسطيني خصوصًا.
ويشير موسى إلى أنه “يمكن ملاحظة أن القيادة الرسمية العربية التي شاركت في التهويل من مخاطر قبول صفقة القرن كانت تتمنى أن تغدو القيادة الفلسطينية جسرًا تعبر عليه لتمرير هذه الصفقة. ولكن عناد قيادة السلطة خصوصًا أن ما عُرف من مواقف أمريكية تنسف واحدة بعد الأخرى من قضايا الحل النهائي تجعل العودة لقبول ذلك أمرًا فائق الصعوبة. فإدارة ترامب نسفت أصلا حل الدولتين والقدس والحدود وحق العودة دفعة واحدة. وتباهى الرئيس الأمريكي بأنه أزاح عن طاولة المفاوضات مسألة القدس.”
خيارات القيادة المتنفذة في م.ت.ف والنسخة الأمريكية لعملية السلام
يُشدد قمحاوي أن تعاطي السلطة الفلسطينية مع عملية السلام بالنسخة الأمريكية أمر محتوم، ولو أن كيفية إخراج ذلك يتوقف على أمور عديدة منها: حجم وطبيعة الرفض الفلسطيني، وحجم وطبيعة الدعم الرسمي العربي لما هو مطروح أمريكيًا.
ويستدرك قائلًا: “لكن تبقى الحقيقة أن الضربة الكبرى للشعب الفلسطيني وقضيته قد تم توجيهها من خلال اعتراف أمريكا بأن القدس هي عاصمة لإسرائيل و أنها بالتالي خارج إطار المفاوضات. وهكذا، وبعد أن خاضت السلطة الفلسطينية في تمثيلية الرفض ومقاطعة الإتصالات مع أمريكا، فإنها سوف تعود بالنتيجة للقبول بالدور الأمريكي ومخططاته.”
من جانبه يرى موسى أن الخيارات أمام القيادة الفلسطينية محدودة وصعبة في الوقت نفسه. ونظرًا لاستمرار الانقسام والتشرذم الداخلي الفلسطيني بسبب ضغوطات إقليمية ودولية تزداد الخيارات ضيقًا. كما أن المسألة الفلسطينية كانت ولا تزال القضية العربية المركزية التي يشكل التعاطي الرسمي والعربي معها حاضنتها الأساسية. وواضح من تعاطي العديد من الأنظمة العربية من ناحية وحالة التشظي والاحتراب القائمة في الوطن العربي بأسره يجعل هذه الحاضنة إما ضعيفة وإما عنصر إثقال على القضية. ويصعب تخيل الفلسطينيين وحدهم يواجهون كلًا من أمريكا والكيان ودول عربية يضغطون من أجل حل مفروض .
ويؤكد مرة أخرى؛ “أن فجاجة الحل المعروض وافتقاره لمبادئ الشرعية الدولية تجعل من شبه المستحيل القبول به. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحل الذي تقترحه أمريكا، ورغم محاباته الكبيرة للكيان، إلا أنه جوهريًا ليس مقبولًا من أغلب مكونات الائتلاف الحكومي الصهيوني. ومعروف أن الائتلاف الحالي لا يتطلع إلى تحقيق تسوية، مهما كانت، تتضمن “التنازل” عن أراض في الضفة الغربية لصالح السلطة. وكل ما يتمناه الائتلاف الصهيوني الحاكم هو ابتعاد خطر التسوية. وهو سيكتفي بتسجيل نقاط ضد السلطة والإبقاء قدر الإمكان على الواقع الراهن.”
وفي معرض الحديث عن موقف السلطة، يقول؛ “لقد أعلنت قيادة السلطة أنها تتطلع إلى تحقيق رعاية دولية للمفاوضات مع الكيان وهي في هذا السياق لا ترفض دورًا أمريكيًا لكنها ترفض احتكار أمريكا لرعاية المفاوضات. وتتطلع هذه القيادة لزيادة دور الرباعية الدولية متأملة أن يلعب الاتحاد الأوروبي وروسيا دورًا أوسع من ذي قبل. ولكن المعطيات تشهد على أنه إذا كانت الرعاية الأمريكية لم تقد إلى التسوية فإن الرعاية الدولية من دون رضى أمريكا لن تحقق التسوية أيضًا.
بحسب الأستاذ حلمي موسى فإن “كل هذا يقود إلى بديهية سياسية مؤكدة وهي أن تغيير السياسة يتطلب تغيير ميزان القوي بين عناصرها. ونحن اليوم في ظل أردأ ميزان قوى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. في كل حال، كان الخيار القوي بيد القيادة الفلسطينية هو حل السلطة الفلسطينية وإعادة الصراع إلى أولياته. ولكن القيادة الفلسطينية لاعتبارات كثيرة تجنبت هذا الخيار رغم تكرار التلويح باللجوء إليه في الماضي. فمثل هذا الخيار كان سيحرج كل اللاعبين الدوليين والإقليميين ويضع الدولة العبرية حقًا أمام خيار الدولة العنصرية بأبشع وجوهها”.
خيارات الشعب الفلسطيني وخيارات أمريكا
يقول المحلل السياسي، د. قمحاوي؛ “إن مسار الأمور يشير إلى أن رفض السلطة الفلسطينية لقرار أمريكا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كان رفضًا تكتيكيًا وليس استراتيجيًا، وسوف تعود السلطة تحت أعذار وعناوين مختلفة إلى حُضْنِ المفاوضات بقيادة أمريكا وبدعم الأنظمة العربية، وقد تعتبر ذلك نصرًا أو أمرًا لا مفر منه، وإن كانت النتيجة ستبقى واحدة في كل الأحيان. أما استعمال أساليب الضغط السياسي والاقتصادي وربما العسكري فهي تهدف إلى تمهيد وتسهيل الطريق أمام السلطة الفلسطينية من خلال إعطائها الأعذار للقبول بما هو مطروح عليها ومطلوب منها في اتجاه القبول بالتسوية الأمريكية.”
ويختم قائلًا؛ “إن رد الفعل الفلسطيني لما هو قادم لن يرقى إلى مستوى الانتفاضة لأن الشعب الفلسطيني في أي انتفاضة مقبلة لن يُجابه الاحتلال فقط بل سيجابه أيضًا جبروت السلطة الفلسطينية نفسها والتي تعتبر الانتفاضة الفلسطينية خطرًا عليها بقدر ماهي خطر على الإحتلال نفسه. وهكذا، فإن إمكانية حصول انتفاضة فلسطينية جديدة يتطلب إنضاج الظروف الموضوعية، وأهمها انسحاب دور السلطة الفلسطينية من الحياة السياسية الفلسطينية سواء بالحل أو بالمقاطعة الشعبية لها”.
في سياق متصل، يرى الأستاذ حلمي موسى أن العملية السياسية ستصطدم بواقع استمرار شلل المفاوضات، خاصة إذا صحت التقديرات بفشل محاولة فرض الحل المسمى صفقة القرن. وهذه مسألة ليست جديدة. فمنذ تولى نتنياهو الحكم في ولايتين والعملية السياسية متوقفة و”لكن أحدًا لم يحطم الأواني”، على حد تعبيره. وهناك مراهنة على أن ذلك يمكن أن يستمر لفترة أطول تمارس فيها عدة أطراف ضغوطًا على الفلسطينيين، ومن بين هذه الضغوط – بحسب موسى – مراهنة على وفاة أبو مازن وصراع الأجيال في قيادة المنظمة والسلطة. ومؤكد أن هناك مساعي لفرز قيادات جديدة ولكن هذه القيادات لن تتوفر لديها أهلية للموافقة على حل كالحل الأمريكي المعروض.
ويختم؛ “لا أعتقد أن الحرب ستكون وسيلة لفرض سلام خصوصًا أنه ليست هناك جهات فلسطينية تتقبل هذا السلام المفروض وتتعامل معه”.